ثمة نصران للسنة العرب اليوم، نصران لا بد من التبحر جليًا في أمرهما. الأول نصر مكروه، لكنه نصر بامتياز. فجحافل سنة الخليفة أبو بكر البغدادي تدق أسوار بغداد، بعد أن كان لها الكلمة العليا في غالبية سوريا، وتوسعت لتحكم بقعة مترامية الأطراف غنية الجوف في العراق.
ليس ثمة شك في أن هذا انتصار للسنة، في سوريا والعراق ولبنان، حيث يمارس الشيعة أو العلويون سطوتهم على سنة البلاد. فما زال بطش بشار الأسد العلوي قائمًا في سوريا، وبطش شيعة نوري المالكي مستمر في العراق، ولو تنحى المالكي.
وما زال حزب الله حاكمًا بأمره في لبنان، يقدّس من يشاء ويكفّر من يشاء، وخصوصًا من مواطنيه السنة. فحتى لو كان أهل السنة أهل اعتدال، إلى حين طبعًا، فإنما أرسلهم الشيعة إلى غياهب التطرف، ليتبددوا بين "أبو محمد الجولاني" وجبهة النصرة، و"ابو بكر البغدادي" وتنظيم الدولة الاسلامية من جهة، وبين مظاهر لم تتبرعم في لبنان، من الشيخ أحمد الأسير إلى مشايخ السلفية الجهادية في مدينة طرابلس بالشمال اللبناني، مثل داعية الاسلام الشهال وأترابه، من جهة
والثاني نصر مخبول، من نسج خيال الممانعة العربية التي أدمنت ابتكار الكذبة لتصدقها، ولتحتفي بها، ولتفرضها واقعًا مضحكًا على البشرية جمعاء.
فحركة حماس ترفع إصبعي النصر المؤزر على الجيش الاسرائيلي، في نصر ثانٍ موروث بالهيبة والوقار، واللعب بالنار، من انتصار 2006 الإلهي، الذي سطره حزب الله على إسرائيل، مع فارق بسيط هو تفوق التلميذة حماس السنية على أستاذها حزب الله الشيعي بفارق 98 قتيلًا، بعدما كلف انتصار الحزب 2023 قتيلًا في لبنان، وكلف انتصار الحركة 2121 قتيلًا في غزة.
والنصر السني هنا ليس على الشيعة، بالرغم من أن ثمة من يهمس قائلًا إن الممانعة نفسها من دمر أربعة دول في المنطقة حتى الآن، وإسرائيل ليست بينها. إلا أنه تم من دون دعم الحليف الشيعي المفترض، الذي وقفت بيئته الحاضنة صامتة أمام القصف الذي تعرضت له غزة، بل حتى شامتة لأن الحماسيين وقفوا في سوريا مع الثورة ضد النظام، أي مع التكفيريين ضد حزب الله، الذي يدفع أولاد الشيعة ضحايا على المذبح الإيراني في الميدان السوري. وبالتالي، نفسيًا، انتصار على كل من لم يؤازر حماس في حرب الـ55 يومًا.
السنّة العرب مُقبلون على انتصارات أكبر، تنسجها أوهام أعمق، خصوصًا أن المجتمع الدولي ما زال يتصرف مع التطرف الاسلامي كما فعل مساء 11 أيلول (سبتمبر) 2001، بالغباء نفسه، وبالسطحية نفسها، وبالخفة نفسها، وبالمصالح نفسها.
فتهويل الادارات الأميركية والأوروبية بضربات توجه إلى قواعد تنظيم الدولة الاسلامية لن تزيده إلا انتصارًا. فالمعركة في العراق وسوريا تشرف على نهايتها بالنسبة إلى هذا التنظيم، الذي أعلن خريطة خلافته من دون وجل. المعركة اليوم في مكان آخر، في جرود عرسال اللبنانية، المتاخمة للقلمون السورية، التي هجّر النظام السوري وحزب الله إليها آلافًا مؤلفة من مسلحي التطرف السني. فلبنان فريسة يريد هذا التطرف إلتهامها، إذ فيه 16 طائفة، بجانب السنة، وفيه مكامن قوة الشيعة، وفيه حكم على رأسه مسيحي، أو صليبي بحسب أدبيات هذا التطرف، وفيه الجبل والبقاع، وفيه مهرب سني على البحر، لا يتوافر في العراق، ولا في سوريا، التي يبقى ساحلها هدية من الدولة الاسلامية لدولة بشار الأسد العلوية.
إن أراد العالم أن يفتح الدولة الاسلامية، فلبنان هو الباب، وربما الاسراع في تسليح الجيش اللبناني هو النافذة. وإن عاد كل العالم الحرّ اليوم إلى نغمة متخاذلة، كالتنسيق مع الأسد لضرب التنظيم، فلا ضير إن تناسى اللبنانيون، وخصوصًا السنة منهم، حقيقة أن حزب الله شدّ الدب التكفيري إلى الكرم اللبناني بتورطه في سوريا، ليتركوه في سبيله إلى قتال المتطرفين على الحدود، بدلًا من انتقال المعركة إلى داخل البيت اللبناني.
على أهل السنة الذين يشعرون بنشوة الانتصارات، مكروهة أو مخبولة أو ما شابه، أن يدركوا أن الهزيمة التي لحقت بأهل الجماعة في العراق وسوريا وفلسطين نكراء نكراء نكراء، والهزيمة تلحق بهم أينما حلوا، من الأهواز إلى الشجاعية. وعليهم أن يعوا حقيقة ساطعة كالشمس، أن لا قيامة لأهل الجماعة إلا بوسطيتهم، لتكون بديلًا في البداية عن جبهة النصرة وتنظيم الدولة الاسلامية السنيّين، قبل أن تكون جوابًا عن ولاية الفقيه الشيعية والدولة اليهودية، التي لم تتخل يومًا عن حلم يمتد من المحيط إلى الخليج