مع إنتقال إدارة الملف العراقي من أيدي قائد فيلق القدس للحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني، ليد نائبه اللواء حسين همداني، يعيش العراق أفظع أيامه و أشدها سواداعلى صعيد تفعيل ماكنة الحرب الطائفية القذرة التي باتت تلتهم أرواح الآلاف من العراقيين الأبرياء بعد أن أصبحت الميليشيات المتوحشة السائبة هي المتحكمة في الشارع العراقي بشكل مرعب و مريب أيضا، لاشك أن تغيير حكومة نوري المالكي بالطريقة الإنقلابية الهادئة التي تمت قد شكلت ضربة حقيقية لكل البناء الإيراني المتراكم في العراق و الذي وصل في سنوات نوري المالكي الأخيرة لأكثر من مجرد تنسيق بل تحول لإحتلال حقيقي بعد أن أضحى المالكي لعبة إيرانية وضع كل مقدرات العراق و إمكانياته في خدمة الجهود الإيرانية العسكرية و المالية خصوصا في الجبهة السورية وبعد أن أضحى المجال الجوي العراقي مفتوحا بالكامل أمام الطيران الإيراني و عمليات الشحن اللوجستي لخدمة المجهود الحربي السوري، مجيء حيدر العبادي يشكل ضربة حقيقية للجهود الإيرانية رغم إنتساب العبادي لحزب الدعوة و الذي هو صنيعة السياسة الإيرانية، و لكن الإيرانيين يعلمون علم اليقين بأن الدعوة كحزب ليس ساحة إيرانية فقط بل أن مساحات النفوذ الدولي و الإقليمي قد سدت الكثير من فجواته، فالبريطانيون لهم القدح المعلى في السيطرة على الحزب و توجيهه منذ أيام نشأته الأولى أواخر خمسينيات القرن الماضي وحين كانت الساحة العراقية تعج بصراع الأحزاب اليسارية و الماركسية من جهة و الأحزاب القومية و البعثية من جهة أخرى، فنشأ حزب الدعوة الطائفي يتلمس طريقه و بدعم بريطاني/ شاهنشاهي ولم يلاق في البداية أية إستجابة من الجماهير و تمركز في قطاعات دينية وطائفية معزولة يتربص الفرص السانحة و يحاول التسلل للحياة السياسية، ولبريطانيا العظمى ومخابراتها على وجه التحديد دور فاعل في نشأة الحزب بداية ثم الحفاظ عليه و إحتضانه وقياداته خلال مرحلة الشتات في ثمانينيات القرن الماضي وحيث تحولت لندن كقاعدة ميدانية للحزب قبل إحتلال العراق عام 2003 و من بريطانيا و من فندق متروبول في إدجوارد رود إنبثق مؤتمر لندن للمعارضة العراقية أواخر عام 2002 وهو يضع اللمسات الأخيرة على عملية غزو و إحتلال العراق و تسليم السلطة لمجموعة الأحزاب و القيادات التي حضرت ذلك المؤتمر ومنها الدعوة وحيث تبوأ إبراهيم الجعفري منصب الرئيس الأول لمجلس الحكم تحت الرعاية الهمايونية البريمرية، ثم قاد الدعوة الوزارة الجعفرية عام 2005 و تسبب بكارثة كبرى للعراق عبر الإقتتال الطائفي و الذي فتح الطريق أيضا لوصول نوري المالكي لسدة الحكم ليخف النفوذ البريطاني مقابل أسهم النفوذ الإيراني الذي طغى و تجبر و دمر و أهلك الحرث و النسل، اليوم يشعر الإيرانيون بالغصة وهم يتابعون إنهيار بنائهم و صعود أسهم البريطانيين من جديد مما جعلهم يغيرون قيادة الملف العراقي من أيدي سليماني الذي لم يستطع الحفاظ على سلطة المالكي لأيدي حسين همداني الباحث عن مقاربات و أساليب جديدة تعيد ترسيم و هيكلة المشروع الإيراني في ظل التدخلات الغربية المتزايدة في العراق و عودة السطوة العسكرية الأمريكية و البريطانية عبر ملف محاربة إرهاب عصابة ( داعش ) مما يجعل النفوذ الإيراني يتحسس رقبته جيدا، و يبدو أن قيادة همداني للملف العراقي ستؤدي لمواجهة إيرانية قادمة لا محالة مع حكومة العبادي التي ستضم أيضا رموز و ألغام إيرانية.. الشيء المؤكد هو أن الإيرانيين بصدد تدعيم صفوفهم و حشد طاقاتهم و عناصرهم لمواجهة النفوذ البريطاني المتزايد، فهل سينجح همداني فيما فشل به القمي سليماني... و بين محور ( قم ) و ( همدان ) يتأرجح المصير العراقي؟... أي مصيبة تلك التي يعيشها العراقيون؟

&

[email protected]