الايزيدية واحدة من أقدم ديانات كوردستان وهي بالتالي الديانة الأولى لمعظم سكان هذه البقعة من العالم، حتى جاءت المسيحية والإسلام فاكتسحت هذه البلاد فكرا واختيارا أو فتحا واسلمة، إلا من أسعفته قمم الجبال وكهوفها التي لم تنجح حوافر الخيول بالوصول إليهم، فبقوا على دينهم وتقاليدهم، يتعرضون ضمن سياق منظومة فكرية وثقافية استمرت لمئات السنين إلى أكثر من اثنتين وسبعين حملة عسكرية همجية لإبادتهم أو أسلمتهم، كما حصل لهم في آخر تلك الحملات بمدينة شنكال (سنجار) وقضائها في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي كمرحلة أولى، حيث تم تدمير معظم قراهم وبساتينهم وتحطيم إنتاجيتهم وتحويلهم إلى معتقلين مستعبدين مستهلكين في أكثر من اثني عشر مجمعا في سهول شنكال الجنوبية والشمالية، ومن ثم البدء بتعريبهم وتبعيثهم، حيث تم إنشاء البيئة التي تساعد على الانقضاض عليهم في مرحلة قادمة لاستكمال مشروع الإبادة الكلية لهذه الديانة، التي يعتبرها المختصون وعلماء الأديان بأنها من أقدم ديانات العالم التي شقت طريقها إلى الله الواحد.

لن أغوص في تفاصيل معتقداتهم لكوني لست خبيرا في عقائد الأديان لكنني سأتحدث عن خصالهم وخصائصهم وأخلاقياتهم وعاداتهم وتقاليدهم التي تعكس بالتأكيد ما يؤمنون به من عقيدة أو دين أو فكر، فقد عشنا معهم مئات السنين ونحن ننتمي لقومية واحدة ودين مختلف بمذاهبه، شاركنا أيضا العرب والتركمان والآشوريين والكلدان والأرمن وقبلهم اليهود، وطيلة مئات السنين وما تناقلته الأجيال شفاها عن قصصهم وسلوكياتهم وما عشناه معهم عبر عشرات السنين في جيلنا سواء في القرية أو المدينة أو في السهل أو الجبل.

كانوا مثال الخلق الرفيع والقيم العليا في الكرم والشجاعة والفروسية والإخاء والصداقة واحترام معتقدات الآخرين وعدم الانتقاص منها، بل أنهم ابتكروا أروع نظام للتآخي بينهم وبين الآخرين من المسلمين أو المسيحيين كوردا كانوا أم عربا أو قوميات أخرى، لكي يحيكوا نسيجا متينا من العلاقات الاجتماعية العابرة للأديان والقوميات والمذاهب، تلك هي (الكرفنة) وهي عبارة عن علاقة تأتي بعد أن يوضع الايزيدي ابنه في أحضان صديق من خارج ملته لكي يختنه فيكون ( كريفا ) بمقام الأخ والقريب والابن البار لذوي ذلك الطفل وعشيرته طيلة حياتهم، تصل إلى حد الدفاع المشترك ودفع الدية أو أي واجب يقع على الطرفين، وقيل بأن العديد منهم كان لهم حصة في الإرث أيضا.

أناس كرماء على فقر أغلبيتهم، شجعان مخلصون مبدعون في واجباتهم، مقاتلون أشداء خبرتهم سوح المعارك في العراق وكوردستان، لم يذكر التاريخ العربي والكوردي والفارسي والإسلامي عموما، وفي كل الحقب والصراعات القبلية أو الدينية أو السياسية، أن انتهكوا عرضا أو سبوا نساءً أو قتلوا طفلا أو شيخا أو امرأة، بل على العكس يذكر المؤرخون ومن عاصر تلك الأحداث إنهم كانوا مثال الفروسية والأخلاق، وحافظوا عبر تاريخهم على شرف الآخرين لأنهم بجدارة شرفاء انقيا كرماء رأس مالهم عزة النفس لا يأبهون بالفقر حينما يكرمون، تعرفهم كل العشائر العربية المتداخلة معهم في الأرض والرزق والجيرة وتعرف كم هم مسالمون اجتماعيون يحترمون الأديان كاحترام أهلها لها، حتى أنهم دافعوا عن الإسلام وآذانه وصلواته وكتابه حينما خرج شخص أراد أن يمنع الآذان والصلاة، فانتفضوا قبل المسلمين وأعادوا شهادة (لا اله إلا الله محمدا رسول الله) إلى جوامع المدينة ومآذنها!

ترى أي قوة روحية عالية يمتلكها هؤلاء الايزيديون لكي تدفع إلى العالم هكذا أخلاقيات وممارسات رفيعة، وفي المقابل أي روح وأخلاقيات وأفكار يحملها تتار العصر داعش ومن والاهم من كل الفاشيين والنازيين الجدد من بعثيين صداميين وعرب عنصريين وإسلاميين منحرفين ومرضى السادية والسايكوباث واللقطاء القادمين من الزوايا الملوثة في المدن العربية والإسلامية ومن منحرفي أوربا وأمريكا وشواذها، دفعتهم لذبح آلاف الشباب والأطفال العزل وسبي نساءهم وبيع البنات في أسواق النخاسة في الموصل وتلعفر والبعاج والرقة والشداد!؟

معادلة سنترك موازنتها وإجاباتها للأفعال في القادمة من الأيام حيث امتدت الأيادي إلى القيم العليا وحافات الجحيم، وساعتها ستمزق الشمس كتل الظلام المدلهم وتعيد الأمور إلى نصابها والطبيعة إلى حقيقتها.