لملمم الوزير ظريف عباءته وأحكم وضع العمامة، واستقل الطائرة إلى موسكو بعد زيارة العراق .
في روسيا وإيران نظامان شريكان ومتماثلان في الكثير مما يضر بمصالح الشعوب والأمن العالمي، وهما المستفيدان، أكثر من الآخرين، من وجود داعش وإخوان داعش.& النظامان، الروسي والإيراني، توسعيان وعدوانيان، ويمارسان فن المراوغة والكذب والتشويش على الحقائق، فيما هما يواصلان التدخل في شؤون الآخرين ويعملان على توسيع رقعه نفوذهما وهيمنتهما. بوتين استغل الضجة الدولية عن داعش ليقتحم& شرق أوكرانيا بدباباته وقواته رغم إنكاره الصلف. ومثلا إن رئيس ما يدعى بجمهورية دونيتسك الانفصالية شرقا يقول للصحافة إن روسيا قدمت لهم 150 عربة مدرعة منها 30 دبابة. لكن سيده بوتين ينكر. ويضيف ذاك أنه قد عاد إليهم من روسيا& 2000 مقاتل بعد أن تدربوا هناك. وبوتين ينكر. ولكنه سرعان ما يضطر لكشف الأوراق. فها هو يطالب بدولة مستقلة في شرق أوكرانيا، ومن قبل كان يطالب بالفيدرالية. وقلنا في حينه إنها لعبة، والهدف هو& الانفصال والانضمام لروسيا. بوتين يتشجع بالمواقف المائعة والمتناقضة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وأقصى ما يلوحان به هي عقوبات جديدة تجرح قليلا ولا تردع. وهما يرفضان لحد اليوم تعزيز وتطوير القدرات العسكرية لأوكرانيا رغم مطالبات حكومتها منذ شهور. بل، وقبل إعلان بوتين عن ضرورة انفصال الشرق الأوكراني بأيام، كان نائب المستشارة الألمانية قد طالب بما دعاها ب" فيدرالية حكيمة" لشرق البلاد، وهو ما شجع بوتين على توضيح مطلب الفيدرالية عنده، أي الانفصال أولا، من أجل الانضمام لروسيا. وكما إيران، فإن روسيا تواصل دعم النظام الدموي السوري برغم وقوع اكثر من 190000 قتيل وأضعافهم من الجرحى والملايين من المهاجرين، الذين هم في أتعس ظروف.
أما النظام الإيراني، وكما كتبنا في المقال الأول، فهو أيضا يناور ويصدر تصريحات متناقضة بينما لبنان بلا رئيس بسبب التدخل الإيراني، والحوثيون يهددون اليمن بدعم إيراني، والشعب السوري تزداد مآسيه بسبب التحالف الإيراني مع الأسد، والعراقيون يعانون من عبث المليشيات الإيرانية المسلحة بالأمن وتأجيجها للاحتراب الطائفي واستخدام المالكي لها ولحد يومنا لغايات تخدم إيران لا مصالح الشعب العراقي، وهذا برغم أن الدستور يحظر وجود المليشيات.
في أكثر من مقال، وعلى مدى سنوات، كنا نكتب أن إيران تحرق شيعة العراق. تتحدث عن المراقد المقدسة وتدعي حمايتها للشيعة مع أن حلفاءها هم إسلاميو الشيعة من المنتفعين وأصحاب الجاه والامتيازات والسلطان. وكيف تكون إيران حريصة على شيعة العراق أو حتى على المراقد الشيعية العراقية المقدسة وهي من كانت [ حسب تصريحات الجنرال كيسي في باريس والولايات المتحدة] وراء تفجيرات سامراء التي أشعلت الحرب الطائفية عام 2006 ولعدة سنوات لاحقة؟ ولا ننسى تصريحات عبد القادر العبيدي& وزير الدفاع الأسبق أمام البرلمان حين أكد أمام جلسة برلمانية طارئة بان الأسلحة والتفجيرات التي استعملت في تفجيرات وزارتي الخارجية والمالية في تلك السنة كانت إيرانية الصنع؟
ولا طبعا يمكن الشطب على التعاون الإيراني- السوري مع القاعدة في العراق على مدى أكثر من عشر سنوات، وبرغم أن كثيرين من الشيعة راحوا ضحايا ذلك التعاون في الحسينيات والشوارع والطرقات ..
لقد اضطرت إيران للموافقة على استبدال المالكي، ولكنها لا تزال من ورائه، فهو يتصرف كالحاكم الفعلي رغم أن الأكثرية نحته بالرغم عنه وعن صرخاته وتشبثاته. وهو، كما فلنا آنفا، بعمل بلا هوادة على عرقلة تشكيل الحكومة مستعينا بأمثال حنان الفتلاوي لتسخين الخلافات، ولاسيما مع& الناطقين باسم السنة بعد ان تقاربت المواقف نسبيا بين التحالف الكردستاني والتحالف السياسي الشيعي. ومما يدعو للأسف، وكما نقرأ في الصحف والمواقع، أن مختلف الكتل الأساسية لا تزال متشبثة بنظام المحاصصة رغم أن الجميع كانوا يشكون منه! وإلا فما معني طرح موضوع النسب في مؤسسات الدولة بين " المكونات"؟ وما معنى الاستمرار في طرح القضية كما لو أن العراق هو مجرد ثلاثي شيعة- سنة- كرد، بدلا من الطرح الوطني العام؟ وما معنى ما يترشح عن مطالبة الائتلاف السياسي الشيعي [ الوطني] بوزارات الدفاع والخارجية والمالية، أي العودة للهيمنة؟
صحيح أن الخروج من محاصصات " الإخوة الأعداء"ليس سهلا ويحتاج للوقت. ومن هنا، فيمكن مثلا، مرحليا ولوقت قصير قادم، حصر ما تدعى بالوزارات السيادية& في الدفاع والداخلية والخارجية وحسب، وتعيين الشخصيات المستقلة والأكفاء من التكنوقراط وغيرهم لبقية الوزارات لأنها، حسب رأينا، جميعا خدمية. وفكرة مماثلة طرحها الدكتور غسان العطية في مقالته المشار إليها آنفا..
إزاحة المالكي لم تعجب إيران، وهي ستواصل مناورات& التثبيط والعرقلة وتسخين الخلافات لكي تأتي التشكيلة الوزارية القادمة حسب هواها. آملين أن لا يقع الدكتور العبادي في الفخاخ، رغم علمنا بكثرة وتعقيدات ما يواجهه من تحديات بسبب تراكم المشاكل وكثرة الضغوط والمناورات.
كما نرى أن الاتفاقات السياسية يجب أن تتم في وقت واحد، أي عدم انفراد طرفين مثلا لوحدهما قبل توصل الجميع إلى اتفاق عام على برنامج وطني مشترك وجدول زمني لتنفيذ الأهداف، سواء ما هو ملح وعاجل منها أو ما يتطلب بعض الوقت.
إن من المهام العاجلة التعبئة العامة ضد خطر داعش وتنظيف الجيش وتسريح المليشيات الحزبية وإطلاق سراح الآلاف من المعتقلين بلا محاكمات[*]، وعلى الهوية المذهبية، ومكافحة الطائفية& وتحسين العلاقات بين المركز وإقليم كردستان، والإسراع بالتصويت على& مشاريع القوانين المعدة منذ سنوات، كقانون النفط والغاز والعفو العام ومعالجة البند 140 من الدستور وتلبية ما هو عادل ومبرر من مطالب سكان المناطق الغربية والسير لمكافحة الفساد وترطيب العلاقات مع الدول العربية وتقوية التعاون العسكري مع الولايات المتحدة والدول الغربية الاخرى..&
إن هذه هي من بين الأهداف العاجلة.. ولكن أمام العراق أهدافا أخرى وهامة جدا، ويتطلب تحقيقها الوقت وحسن التخطيط، ولاسيما في الشؤون الاقتصادية ومكافحة البطالة ورفع المستوى المعيشي للمواطنين وإصلاح نظم ومواد التربية والتعليم العالي بعد أن لوثتها الطائفية والتخلف والجهل. ومطلوب من الحكومة القادمة إقامة علاقات ثقة مع منظمات المجتمع المدني ورفع القيود عن النوادي الاجتماعية والثقافية التي حاربها زبانية المالكي تحت ستار أنها تجلب الفساد وبذريعة أن العلمانية عدوة للإسلام. ولابد من دفن قانون الأحوال الشخصية الجعفري والعودة لقانون عبد الكريم قاسم ورفع الغبن والضغوط عن المرأة العراقية المظلومة.
إن خروج العراق من حافة الانهيار إلى بر الأمان والاستقرار واللحمة الوطنية والازدهار الاقتصادي يتطلب الوقت والصبر والمثابرة وقوة الإرادة الوطنية وتضامن الجميع ومرونتهم . وهذه مهام لا يمكن لحكومة انتقالية كحكومة العبادي [ لو تشكلت على أسس سليمة] لوحدها إنجازها، ولكن العبادي قد يفتح الطريق النير ليسير من يأتون من يعده على الأثر.
إيلاف في الأول من سبتمبر 2014
[* يجب ان نتذكر& شهادة القاضي منير حداد الذي شارك في محاكمة صدام عن الاعتقالات الاعتباطية ودور المخبرين والاعتداءات في المعتقلات والسجون والتي كان ضحاياها من السنة . كما تحدث منذ أوائل العام المنصرم عن وجود مخطط للتغيير السكاني على أساس طائفي في حزام بغداد& ضد السكان السنة وهو ما تمت خطوات منه ولا تزال المسيرة الشريرة مستمرة في بغداد ومناطق أخرى. والأبطال هم المليشيات المسلحة كبدر والعصائب وأمثالهما والتي قامت طوال الشهور القليلة الماضية بقتل حوالي 300 معتقل وسجين من السنة. وقد سميناها، كما سماها كتاب آخرون،& بالداعشيين الشيعة.]&

&