إن جمود الفكر السياسي العراقي خطر وغباء لا مثيل لهما حيث تستمر مرحلة الذهول والجمود والتشرد الفكري للشد والجذب بين كتله التي في السلطة، ويتحول أقطابها الى التصريح والمطالبة باختيارات مشروطة لنوع الخدمة الوزارية المفترضة التي سيقدمونها للشعب والتي لاتمس مضامينها أحتواء خطر عصابات المغول من داعش.&

الأحباط الذي يصيبنا مرة بعد أخرى هو ثنائية وسذاجة التفكير التي يمارسها كلاً من المذهب الشيعي والسني وربطنا كشعب بمساوماتهما التي نالت من شعب العراق أشد المنال وأوصلت القادة منهم الى نقطة اللاعودة لكثرة أطلاق التهديدات الكلامية وإستمرار التفجيرات اليومية وكأنّهم لا يسمعون ولا يرون مشاهد المحافظات وسكانها واراضيها ومفاصلها وهي تتجزأ خارج سيطرة الدولة منتظرةً حماية الحقوق الأنسانية الأساسية من مؤسسات خارجية ومنظمات دولية.&

لقد صح القول بأن المشهد العراقي مذهل ورهيب ويتطلب دعم وجهود حيدر العبادي رئيس الوزراء المكلف بكل قوة وطنية شعبية ولو إن فرص نجاحه تبدو ضئيلة كما ترجحها بعض المؤشرات، فقد بدأ بعض الساسة من جديد دق أبواب السفارات الأمريكية والبريطانية والخليجية طلباً للسلاح والمساعدة. كذلك بعض المشاهد المطروحة حالياً التي يقدمها أشخاص لا يعون الواجب الوطني ولا يلبون نداءَه، وأعني بذلك، الصمم التام لأنهُمُ في غيبوبة لا يهتمون إلا لمصالحهم الخاصة، ولازالوا يركزون على رئيس الحكومة المكلف ومحاولة إضعافه، وبصراحة، لأنه شيعي المذهب، فقد أستبقوه بتقديم المطالب والشروط والمساومات على نوع المناصب المفضلة لمكوناتهم. هذه الأقطاب الفطرية التصرف مازالت تختفي وراء العقل الطائفي القومي دافعة للتحريض بين المواطنين والعشائر، ويزيد من حالة التوتر المجتمعي والفوضى (هذا المكون شيعي وهذا المكون سني،) والتي مايزال لهذه العناصر مقاعد نيابية تتبع منها طرق التعنت والمراوغة والابتزاز والأنتقاص من أهلنا بأسم سياسة الأستحقاق الوطني وضمان تنفيذ مطالب لمناصب خاصة والاستهتار بمصالح الشعب العراقي الذي إنتخبهم لتمثيله.

&ولتبيان سياسة الأستجداء من جهة والتعنت من جهة أخرى لابد أن نتطرق على النحو الآتي لجملة أمور ساهمت في هدم البناء الدكتاتوري وتركت أنقاضه للنقاش الغير مثمر.&

فإن وضعُ شروط وعقبات وفرضُ إستحقاقات أمام الحكومة المقبلة وإضعافها هو أول مشهد متوقع ظهر في قائمة الأئتلاف الوطني التي قدمت 18 مطلباً، يبدو كتهيئة معادة لأجواء التوتر وذلك بالحديث عن "ألاقلية المهمشة" و"الرؤية الوطنية الصحيحة". فهذا الأسلوب السلبي يدلّلُ بأن بعض المسوؤلين لا يرون أو يرون ويباركون الخطر القادم على أبواب مدننا التاريخية من عصابات داعش التي تنوي إذلال أهلنا وإنتقاص كرامتهم.&

إن خطورة الوضع في العراق بدخول دولة الخلافة مدن عراقية ونهبها وتدميرها وتشريد أهاليها، يُفترض أن يشكل همة وجهد في ردة فعل كافية للعمل المشترك بين كافة المكونات السياسية. كان الأفضل والأهم للعمل الوطني وضع خطط جدية لأحتواء خطر داعش وتحديد زمر الأرهاب وعصابات الظلام وتطبيق محاكم عرفية لما حصل في قاعدة تكريت الجوية سبايكر من قتل همجي وحشي لأكثر من 1700 جندي من طلبتها دون أي ذنب، وكذلك العمل الأجرامي ألأخر الذي شهدته محافظة ديالى، يوم 22 آب 2014، بمقتل أكثر من 68 مسلماً مدنياً وموجة القتل الجماعي بهجوم مسلح استهدف مصلين في مسجد مصعب بن عمير دون أي ذنب. كذلك الذي حصل في قرية كوجو في جبل سنجار عندما قامت عصابات داعش باعدام وتشريد اكثر من 2000 من شباب وشيوخ ونساء الطائفة الأيزيدية.&

لا أستطيع أن أتصور بعد كل سنوات الأرهاب أن تخرج سيدة عراقية برلمانية لتصرح دون تريث وإنتظار ومع تأييد كامل من شيخ عشيرة في الأنبار يقيم في القرية الايطالية وسط اربيل، بأن العمل الأجرامي الذي شهدته محافظة ديالى بهجوم مسلح الذي استهدف فيها المصلين في مسجد مصعب بن عمير هو من عمل (ميليشيات شيعية شنت الهجوم على المسجد، انتقاما لتعرض عدد من قيادييها لهجوم) ثم (تتهم الحكومة لرفضها تسليح بعض العشائر والاهالي في محافظة ديالى بسبب انعدام الثقة) ثم تناقض كلامها لتؤكد (على ضرورة احترام القانون وحصر السلاح بيد الدولة).&

هذه التصريحات تدل على جمود الفكر ومرحلة الذهول والتشرد الفكري والتشدد الطائفي والتحريض في وقت يسعى الجميع لاطفاء نار الفتنة، وما أعلنه محافظ ديالى عامر المجمعي قد يجيب على جزء مما نقلته البرلمانية والشيخ الحاتم المتسرع للتصريح للصحافة والتهديد بالثورة قبل البدء بالتحقيق. فقد تم إلقاء القبض على ثلاثة اشخاص من قبيلة "زركوش" لتورطهم في مجزرة المسجد وكان لهم اليد في ما حصل وهم: (منير مزهر حاجم سلطان الزركوشي، وصدام مزهر حاجم سلطان الزركوشي، وسالم مزهر حاجم سلطان الزركوشي.) فقد تبنى تنظيم داعش الإرهابي إرتكاب مجزرة المسجد وقتل المصلين داخله، وتحذير كل أهالي ديالى وهيئات علماء المسلمين من ملاقاة نفس المصير في حالة عدم الامتثال لأوامر التنظيم وشريعة الخليفة أبو بكر البغدادي. ثم كان فيديو إعدام أحد عناصر قوات البيشمركة الكردية بقطع رأسه وسط مدينة الموصل التي يسيطر عليها كتحذير للقوات الكردية “البيشمركة" شمال العراق.

&وقد يطول الحديث المر عن قوى الأرهاب وجنسيات مجاهديهم المعروفة، فما يهمنا هنا قيام الدولة بمكافحة هذه القوى التكفيرية والعمل على اطفاء نار الفتنة التي يُحرض عليها أناس يفضلون حمل السلاح لأبتزاز الدولة ودق مسمار العداء بين أبناء هذه القوميات المختلفة، فأنهيار البعث عام 2003 لحقه إنهيارات في القيم الأجتماعية والأخلاقية وتسلط القيم المذهبية وألعاب الفيديو على شباب يستسهلون القتل والذبح لاسباب تافهة بعقولهم المريضة والظهور أمام الكاميرات التلفزيونية حاملين السلاح. كما يطول الحديث عن شروط المشاركة في الحكومة الأتحادية وتخويلها لجعل أولوياتها نزع أسلحة عصابات الرعب بدلاً من عدد المناصب الوزارية المرغوب فيها.&

هذا المشهد ليس مشهداً ثانوياً بسيطاً. أنه مشهد مروع ورهيب ويأتي بعد التضحية بمئات ألالاف من شعب العراق في نينوى وصلاح الدين وديالى والأنبار وبغداد، وفتح الأبواب للتتر من داعش ليجلسوا على رقعة واسعة من أرض الرافدين بعون من جيش النقشبندية والموالين لنظام تكريت البعث العشائري. ويأتي هذا المشهد اليوم ومن جديد من نفس العناصر التي ساهمت بتدمير العراق وتسليمه للأجانب، ولمشاركتهم عصابات المافيا في إختلاساتها المالية ليزداد شغفهم اليوم في السلطة والنفوذ (وهم داخلها وبرواتبهم وإمتيازاتهم الضخمة) ويقومون بتقديم مقترحات تعطيلية للسنوات الأربع القادمة الى جهة تشريعية هم واجهتها وأساسها.&

فإلى جانب تضخم الرئاسات الثلاث وترهلها، فأن بعض القوائم تواصل توضيح رؤيتها للمرحلة المقبلة قبل تشكيل الحكومة وبالأخص الفقرات التي ينبغي نقدها بحدة، ويقول نصها (بأن رؤيتها بعيدة عن المناصب والمكاسب السياسية)، ونقاط أخرى ملتوية الفهم&(كتنفيذ المصالحة الوطنية "الحقيقية "، واصدار العفو العام، ونقاط أخرى غير مفهومة والحاجة الى (احياء مشروع مجلس السياسات الاستراتيجي)، ( وقيادة جماعية للقوات المسلحة وتشكيل قوات أمنية مرتبطة بوزارة الدفاع من أبناء المحافظات السّنية، وتعديل قانون المساءلة والعدالة والكفاءات العلمية في الحكومة المقبلة والتوازن في مؤسسات الدولة وتفعيل النظام الداخلي لمجلس الوزراء).

أليست هذه الشروط الأفتراضية تعجيزية وترجعنا زمنياً الى 2006 بينما تصول وتجول العصابات الأرهابية في مدن العراق؟ ولا توجد دولة في العالم يختلف نواب نفس الكتلة.

التاريخ السياسي هو سجل للأحداث نسجل فيه أفراحنا وأتراحنا، سعادتنا وهمومنا، أيجابياتنا وسلبياتنا، حضارتنا وصروحها. ولن يتوقف هذا التاريخ عند شخص رئيس حكومة وقرارته، وقراءتنا للواقع العراقي يزيح الستار عن حالة محزنة لإفتراضات من كتل سياسية ترمي اللوم لمصائب العراق على شخص واحد هو رئيس السلطة التنفيذية، أعتقاداً منهم أنه يمسك بالعصا السحرية. عليهم أن يفكروا: ماذا سيترتب على إفشال الحكومة الخامسة؟

&

باحث وكاتب سياسي&

&