أثبتت قرارات حلف الناتو الأخيرة بأنه لم يعد هناك مكان لإنعزلية للدول والبشر كما في القرون السابقة..فالتغييرات التكنولوجية وثورة الإتصالات نجحت في كسر الحدود وإن لم تنجح في كبح جماح الشر في الإنسان.. ولكنها أثبتت بأن الغرائز الأخرى كالجشع والطمع والفساد يقابلها الفقر والجوع والحرمان هي وقود لغريزة الشر..ولكن أن يتسلح الإنسان بعقيدة يوظفها لتكون وقودا لمثل هذا الشر المطلق فهو ما لم يستطع أحد أن يتقبله أو يتفهمه حتى من المعتنقين الاخرين للعقيدة ذاتها... وعليه جاءت قرارات الحلف لتؤكد بأن من يعتقدون بأنهم يستطيعون فرض حصار بشري أو حصار فكري في دولهم واهمون.. وأن سرعة إنتشار الأفكار هي الخطر التكنولوجي والبشري الأكبر الذي يواجه المجتمع الدولي. خاصة وأن هذه الأفكار تهدد السلم والأمن العالميين.

وعليه حدد الحلف المشكلتين الرئيسيتين اللتين تهددان السلم العالمي..وكلاهما تهب من رياح الشرق..&

الأولى.. القادمه من الحرب في أوكرانيا.. والتي إستبقت روسيا نتائج القمة بتحذير الحلف من أي خطط لتوسيع وجوده في أوروبا الشرقية.. حتى أنها لم تستبعد خيار ضربة إستباقية نووية.. وبرغم ذلك أكد رئيس الحلف بأن الحلف يسعى لإعلان وحدة تدخل سريع لردع التوسع الروسي في أوروبا الشرقية.. كلاهما ربما قرر الخيار العسكري وهو ما ’يستطاع البت فيه بمنتصر ومهزوم لمحدودية نطاقها الجغرافي بغض النظر عن الضحايا البشرية..!!!

الثانية... وهي الأخطر لأنها تتفوق على أي حل عسكري ’يستطاع البت فيه لأنها عابرة للقارات ولا حدود جغرافية لها... تحمل في طياتها صراع أيدلوجي إنتهى منه الغرب منذ أكثر من قرن.. حين فصل سلطة الكنيسة عن السياسه.. وتحمل معها صراع إجتماعي ضفيرته الفقر والفساد والجهل تترؤسها عقيدة ترفض الإعتراف بالواقع الدولي الجديد في هذا العالم.. و’تصر على أن شرائعها هي الأصلح لقيادة العالم كله.. وبهذا تؤكد خطرها وتهديدها للأمن ليس فقط في منطقتها.. ولكن على الأمن الدولي بأكمله.. وعلى هذا الأساس جاءت قرارات حلف الناتو واضحه ومصممه على إقتلاعها.. ومن جذورها التي تبيّن للمجتمع الدولي مساهمة اجهزة النظام السوري في تشكيلها حين أطلق من سجونه 3000 متطرف بهدف ضرب المعارضة الوطنية من الداخل عام 2012.. في دهاء معروف في عائلته..وهو ما واجهه الحلف بصلابة حين نفى قطعيا ما كان يحلم به النظام وأصدقاؤه بحتمية بقائه ولو لفترة إنتقالية طويله وبيّن بما لا يدع مجالا للشك رفض وتصميم بريطانيا والمجتمع الدولي على التعامل معه وإعتبر أن وحشيته هي من أسباب ظهور مثل هذا التنظيم!!

&المحير هنا.. كيف سيتعامل النظام الإيراني مع هذا القرار.. وهو الذي مهد الطريق قبل قرارات الناتو لإقناع الدول العربية بأنه لا يمكن هزيمة الدولة الإسلامية بدون التعاون والتنسيق مع النظام السوري.. وعمل على تحالف كسر فيه جمود علاقته مع السعودية.. ومصر التي في حالة مد وجزر في التعامل الحذر معه.. والإمارات العربية التي لا زالت في حال نزاع معه لإحتلاله الجزر الثلاث.. والأردن..

ليس من المهم التحدث عن هذا المحور الذي مات أمل إيران فيه في مهده. المهم ملاحظة كيف ستتغير السياسات والإرادات تبعا للمصالح.. مما سيجبر إيران عاجلآ أم آجلآ على إعادة صياغة موقفها.. خاصة أمام التصميم الدولي على إقتلاع جذور النظام.. وداعش.. فالكل ’مجمع على خطر الدولة الإسلامية.. بما فيها إيران والسعودية وكل الدول الكبرى والصغرى..وحتى تركيا التي تستفيد يوميا من داعش حيث تقول الانباء انها تشتري النفط بأسعار بخيسة ستنضم لإبعاد شبهة الأسلمة التي رفضها المجتمع التركي في ثورة تقسيم؟ ولكن لا زال هناك فراغ.. فمثل هذه الحرب كما ’يقال بالعامية مقدور عليها عسكريا.. ولكن كيف ممكن كفاية شرها داخليا.. وهو الأمر الذي حدا بالصين لإستباق الخطر وإصدار قرارات داخلية تحظر على المسلمات ليس النقاب وعلى الرجال إطلاق اللحية... كإجراء اولي ستتبعه بقرارات أخرى مماثله لكسر خطر التطرف الإسلامي الذي يهدد بالوصول إلى أراضيها.. بدون أن تولي أي إهتمام لموضوع إنتهاكات حقوق الإنسان..

لقد أكد الرئيس الأميركي أمرين.. الأول لتفادي الدخول في حرب يعرف مسبقا مخاطرها وتبعاتها بأن الولايات المتحدة ليس لديها إستراتيجية محددة للتعامل مع الشرق الأوسط؟؟ وعاد وأكد بأنها أيضا لن تدخل في حرب نيابة عن دول المنطقة.. ولكنه وبعد قتل الصحافيين وتحت الضغط الشعبي الأميركي.. عدل عن قراره الأول.. وعمل على تكوين تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة للعمل سويا على إقتلاع داعش.. وأستفاق ليؤكد بأن الحل العسكري وحده لن يحقق النتائج المرجوة بل يجب أن يتلازم مع جهود إقليمية من القيادات المسلمة والحكومية لمواجهة التشدد؟؟؟؟ ولكنه لم ’يبين مفصلا ما هي الجهود المرجوة من الدول العربية.. وبدون إستراتيجية أيضا لإلزامها على التطبيق؟؟؟&

فهل ستجرؤ الدول الغربية على إلزام دول المنطقة بإعادة النظر في مناهجهم التعليمة التي ’تروّج ضمنا لأفكار داعش وبالأخص لعقيدة الجهاد في الإسلام وهي أسمى وأسرع الطرق للوصول إلى الجنه وتفادي عذاب القبر وملاقاة الحوريات..وهو الهدف الذي جعل 59 سعوديا ممن ’أعيد تأهيلهم.. الهرب والإنضمام لداعش؟؟؟&

هل ستجرؤ الدول الغربية بالمثل على إجبار دول المنطقة على الإصلاح السياسي والإقتصادي للقضاء على الفساد والفقر..

&هل ستجرؤ على إجبار 21 نائب أردني ( أعتقد جازمة بأن منهم ممثلين عن منطقة الزرقاء التي لا زالت مؤمنة بأفكار الزرقاوي أحد المؤسسين الأولين لداعش ) رفضوا التوقيع على المذكرة رقم 21 التي تدعو لإسهام الأردن بالمعركة ضد داعش على إعتبار أنها ليست حرب الأردن؟؟؟؟؟ فهل ينتظرون اللحظه للتوأمة مع داعش للوصول إلى السلطة في الأردن وأسلمة المجتمع.

هل ستجرؤ الدول الغربية على مواجهة أفكار التشدد من بعض مواطنيها المسلمين بإجراءات صارمة وربما مماثله لما قامت به الصين.. خاصة وحين تجرأ أحدهم بالقول على شاشة ال بي بي سي الإنجليزية بأنه يتمنى الجهاد مع داعش.. وأنه يعمل على تطبيق أحكام الشريعة في بريطانيا..!!!&

في المقابل.....&

هل ستستطيع الدول العربية تبني إستراتيجية واحدة لإيجاد سياسية وإقتصادية تعمل على التغيير الإجتماعي للقضاء على الحاضنة الطبيعية الموجودة في هذا الفكر المتطرف.. لتكون عونا للإستراتيجية العسكرية الغربية في القضاء على داعش؟؟؟&

هل ستستطيع الدول العربية إقناع الغرب والعالم بأن هناك إسلام معتدل.. لقطع الطريق على الإسلام السياسي المتشدد إن لم يعملوا متحدين على ترويجه داخليا لقطع الطريق على فكرة التعاطف مع داعش..

هل ستستطيع الدول العربية تغيير مجتمع تعتمد شريحة كبيرة فيه على الفتاوي.. ومن ضمنها فتاوي التكفير للشيعة ولأي من المعتقدين لأديان أخرى.. وهو الأمر الذي ينطبق على العديد من الدول العربية الأخرى!!!

&هل ستستطيع المملكة العربية السعودية إعادة تأهيل مجتمع بكامله قام على الخوف من فرق العمل بالمعروف والنهي عن المنكر (المطاوعه ).. التي إلتبس عليها الأمر مؤخرا واعتدت على رجل بريطاني وزوجته في مجمع للتسوق؟

هل ستعمل المملكة السعودية على إستئصال هذا التناقض.. فهي تريد محاربة داعش وأفكارها بينما &(الهيئة) بأفكارها وتصرفاتها المتطرفة تزداد نشاطا، بدلآ من إستبدالها بعناصر شرطة وبوليس.

السؤال الذي على الدول العربية مجتمعة أن تجيبه بدون مراوغة.. هل ستتفهم الألم الذي تعانية الأقليات من إضطهاد المسلمين لهم والذي يروّج له فقهاء الدين.. وتعمل بخطة موحده على لجم الفقهاء وتأكيد بأن الدين لله والوطن للجميع.. وتعمل على ترويج المواطنة المتساوية في فصل الدين عن الدولة&

لقد أكد الأمين العام للحلف "أندرس فوغ راسموسن" بأن هذه القمه أكثر القمم أهمية.. ولكني أؤمن بأن نتائج هذه القمه وما سيترتب عليها ستكون العلامة الفارقه بين قرنين.. تماما كما حصل بعد الحرب العالمية الثانية.. العالم كله أصبح قرية صغيرة وبحاجة إلى خطة مارشال جديدة للقضاء على الفقر والجوع والمرض.. مضافا إليها خطة مارشالية جديدة للقضاء على التطرف العقائدي الذي يؤمن بامتلاك الحقيقة المطلقه.. في القرن الحادي والعشرين نحن أحوج ما نكون لعقيدة تضع الإنسان على قمة الحقيقة المطلقة وحياته وأمنه ومستقبله هي أقدس ما يجب أن نعمل له جميعا.. لقتل الشر.. وقتل إبليس الذي يعشعش في ضمير الدولة الإسلامية.

&

&- منظمة بصيرة للحقوق الإنسانية&