الان والحكومة في طريقها للتشكل من رؤوس وصقور وزعامات، لم يعد الحديث عن حكومة التكنوقراط واقعيا.
لكن، هذه المقولة العريضة التي تتكرر عند كل مناسبة، مقولة حكومة تكنوقراط مع كل هذا الصخب السياسي والخلافات القاتلة، مجرد مزحة، لأن المشكلة الاولى ليست فقط في اختصاص الوزراء، بل في عدم وجود القرار السياسي بإصلاح البلاد.
وزيرا الكهرباء لدورتين (شلاش ـ وحيد) هما اختصاص في الكهرباء "تكنوقراط"،& ولم يعالجا خللاً، بل تفاقم السوء، وزير النفط الاسبق كان تكنوقراطاً ايضا، ولكن الوزارة ظلت تحت سيطرة الحزب الواقف خلف اسم الوزير.
كل ما يقال عن حكومة التكنوقراط منفصل عن الواقع، لأن قلة الخبرة لا يحلها وزير خبير، بل تحلها مؤسسة خبيرة، ولأن الارادة السياسية هي المشكلة، فإنها لن تكون قابلة للحل مهما جيء بأصحاب الخبرات على رأس الوزارات. مهم فعلا أن يكون وزير التربية جزءاً منها، ووزير التعليم العالي صاحب مكانة جامعية، ووزير الصحة طبيبا، الا أن الاهم قبل كل ذلك أن تتوفر الارادة لخلق واقع بديل، وصناعة التغيير.
الارادة السياسية تعني اولا، عدم اخضاع تطوير البناء الخدمي للمناكفة السياسية، وتعني ملاحقة مافيات الفساد والمستفيدين من الخراب، مثل تلك الموجودة في وزارة الكهرباء، وهي أيضا تحتاج الى حكومة منسجمة وليس حكومة رؤوس متناشزة. عندما تتوفر تلك الارادة، كما توفرت عند رجل ليس تكنوقراطا، كرئيس دولة الامارات وبانيها زايد ال نهيان، فإنها كفيلة بتحقيق الكثير، لأن رأس الهرم هو قرار، الخبرة في الكوادر الفاعلة، في الدرجات الاخرى من العملية الوزارية، خصوصا وان الوزارات يفترض ان تدار عبر خريطة وكلاء وزراء ومدراء عامين ومستشارين. والاهم رقابة نيابية صريحة وتفصيلية ومتخصصة أيضا.
الا ان نموذج ال نهيان الفريد، لن يتحقق في العراق، فالرجل المميز الذي لا يبني جملتين صحيحتين لغويا، لا يشبهه هؤلاء الرجال الماهرون باللغة، لأنهم ماهرون بالكذب ايضا، بل ان اللغة عندهم وسيلة للتدليس، وخداع الجماهير... كل خبراتهم السياسية والثقافية وحتى الادارية تستخدم باتجاه المصالح الخاصة. فعملية تشكيل الحكومة التي نعيش تفصيلاتها وتقلباتها كل يوم، هي معركة حزبية، لعبة بين جماعات تتقاتل بكل ضراوة كي تكسب مناصبا ومراكز قوة، حتى الطوائف لم تعد حاضرة، بل الفئويات الاضيق.
فالإرادة وليس الخطاب السياسي المنافق، ان توفرت، تستقطب المستشارين المعنيين، وتسعى للبحث عن معالجات، وتتحرك باتجاه المسؤوليات الموكلة... هي تعني مجلس نواب يمتلك قرارا بإصلاح البلاد، وليس الخضوع لإرادة المناكفة، وتعني مكافأة النجاح ومعاقبة الفشل.
بدون ذلك، لو جيء بستيف جوبز وجاك ليو وبترايوس وكيسنجر، بل لو قدم نيلسون منديلا الى العراق، فلن يتحقق شيء، لأن القرار ليس مجرد خبرات عالية ولا حراك لفرد، انما ارادة يجب ان تتحكم بمفاصل البلاد، لتشكل دولة، عندها فقط سيصبح الحديث عن حكومة تكنوقراط حديثا مناسبا وفي الوقت السليم.
العراق فلم سينمائي سيء الاخراج والانتاج، لو كان بطله آل باتشينو لن يكون سوى نسخة عراقية. فارادة الصقور، يمكن أن تختار في المستقبل حكومة تكنوقراط، للخداع السياسي.&
&