"ان أياً من القومية والاسلام السياسي في تطبيقاتهما الحالية... كلاهما بات متحجراً، رجعياً، مسترسلاً في رومانسية نضال تؤدي الى العنف. هذه اللغة هي اليوم محتشدة أمام جدار من الآلام والمعاناة التي انزلها العرب بأنفسهم"&(كنعان مكية / القسوة والصمت)

جلّ القراءات العربية ومنها العراقية، وخطابات السياسة والثقافة والدين، وريثة هذه الرؤية التي تحدث عنها الكاتب العراقي كنعان مكية، حتى لو تحررت من تطبيقاتها السابقة. انه اطلق هذا الكلام قبل ربع قرن تقريبا، لكن هل تغيّرت انماط التفكير؟!
منذ أن بدأت "انتفاضات" ما بعد سقوط الخلافة العثمانية، تعبيرا عن مناهضة المستعمر الكافر، ونحن نتخذ مواقفنا تجاه الغرب بذات الطريقة، نكرر ذات الخطاب... لكنا لم نتحرر، وإن توهمنا أننا فعلنا، وقعنا في شراك دكتاتوريات وحشية تبرر الاستقلال بذبحنا، وهي ليست مستقلة كما توهمنا، بل تنفذ ما يراد منها وان ظنت غير ذلك.
بعد 2003 ووجه العراقيون ممن اراد الخلاص من صدام بيد أي كان، بكل انواع التنكيل والتشويه، وحوربنا ووصفنا بالعمالة، وارسلت الينا جيوش من المقاومين الذين تحولوا الى سيوف لذبح المدنيين بمبررات عدة، وخرب كل شيء لأن الارهاب، باسم المقاومة والثورة، لم يعط العراقيين أي مجال لمواجهة ورثته.
وبعد الربيع العربي تغيّرت المعادلة وحذا حذو اولئك العراقيين اخرون ممن كانوا الى وقت قريب يشنعون، وبذات المبررات، وعاد كثير من اولئك العراقيين الى الصفوف القديمة، صفوف مواجهة "العدو المتبرص بنا"... وكأنها دوّامة تخوطنا ثم تعيد انتاجنا بهيئات جديدة وبنفس المضمون.
بعد قرن من هذه المهزلة التي خسرنا بسببها الكثير، وتشوّهنا، وانتجنا في النهاية وحشاً لا يشبه أيا من الوحوش، يجب علينا ان ننظر بعين أخرى، ونفكر بطريقة مختلفة، ونبحث عن زاوية رؤية آخرى...
امريكا دولة جبارة فيها من الشر ما يكون عند كل الدول الماسكة بالقوة والمعرفة، قد يزيد او ينقص، ليس مهما، المهم هو شر. وكل ما يقال عنها صحيح، او قد يكون صحيحا، لكن ليس المهم التوصيف، المهم كيف نتصرف كشعوب بعد قرن من الخطوات والافعال والمواقف والخطاب غير المجدية.
ليس المطلوب ان نكون عبيداً، اقول ذلك وانا متأكد اننا كنا وما زلنا مجرد "عبيد"، تارة للنظم المستبدة، واخرى للجوار وثالثة لرجال الدين والاقتصاد والسياسة، لكن اغلبنا لا يخجل أن يكون عبداً ما دام المالك مسلما او عربيا، جيد، المطلوب ان نكون اذكياء لمرة واحدة في تاريخنا، ان نبحث في تجاربنا لنعرف كيف نتعامل، ان لا نسمح لعقولنا "الاستشهادية" تأخذنا لطريق الموت اللا مجدي.
لنسأل، هل تركيا بكل نسخها، وهي حليفة امريكا، عبد؟
هل ايران بنسختها الشاهنشاهية، وهي التي يسمونها شرطي المنطقة، كانت عبدا؟
اليوم امريكا تواجه داعش، هي صنعت داعش ام لم تصنعها، اجبرت حلفاءها على هذه المعركة ام انها تنسق معهم وتخدعنا، على كل الافتراضات، المهم ان لا نستعيد ذات الخطاب الذي ورثناه من الحركات الشيوعية والقومية والدينية، لنكون شيوعيين او قوميين او دينيين او ليبراليين او اي شيء، لكن لنتخلص من ذهنية تقديم الاضاحي وريّ الارض دماً، فان المستفيدين من هذه الذهنية بناة العروش على جماجم المساكين. لنمارس لمرة واحدة بعض الدهاء.
بعض المثقفين الشيعة في العراق يقعون فيما وقع فيه مثقفون سابقون من السنة وسواهم عندما ارادت احتلال العراق، والنتيجة لم يدمر المشروع الامريكي، كما يروج، بل الذي فشل هو مشروع الحياة في العراق، وحدة الوطن وشعبه، ليس لأن امريكا ارادت ذلك، بل لأن الارادات اركعت عندما تمنعت ولم تفهم اللعبة، والثمن يدفعه العراقيون.
كانت هناك محاولات لاخراج المنطقة من هذه النمطية العقيمة، كما فعل نوري السعيد او بو رقيبة، الا أنها الغوغاء الموجهة لتخدم ارادات ليس من مصلحتها تغيير انماط التفكير.&
&