تبدأ القصّة بأرقام ولاتنتهي بها. مؤسّسات إعلامية ضخمة ومراكز للمراقبة والرصد وحلقات مُكثّفة للعمل التوثيقي الطوعيّ والغير طوعيّ، مُنظّمات لأذرع دوليّة معروفة، وأًخرى مُرتبطة بمحيط إقليميّ مسيس، وبالمُجمل كتلة هائلة تحاول الإحاطة بالحدث السوريّ من الزّاوية الإنسانيّة على عرفها، ونتاج هذا العمل المُتناسل ينتهي بأرقام مفزعة عن ملايين من النازحين واللاجئين في صِراع الإستجداء من الدول المانحة لمجاراة الحدث.

في مُحيط الدّولة السّوريّة او ماتبقى منها، تتوارد أرقام مخيفة عن مايقارب الثلاث ملايين لاجئ (أحدث تقرير للمفوّضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تحدث عن ثلاثة ملايين لاجئ سوري) منتشرين على شكل طوّق غير متجانس السّويّة حول سوريّة يطلّ الجزء المفتوح منه على المنطقة المحاذية لإسرائيل؟! حيث تنتشر الخيم والتجمعات والّتي وكل أمر إدراتها إلى المنظمات الدّوليّة بالتعاون مع الدّول المُضيفة والمتورّط بعضها إلى حدّ مُخجل في توسعة هذه البؤر المحزنة في لعبة المصالح السياسيّة والإقتصادية وأليات التمددات السّنّيّة الشّيعية وخلفياتها المحركة كدول كبرى بالأضافة إلى السبب الرئيس في ولادة هكذا مشهد والمتمثل بالنظام وآلاته الوحشيّة مضافاً اليهم جميعًا توّحش الطرف المُجابه وإنبثاق تنظيمات دمويّة (داعش وجبهة النصرة....) وضياع بوصلة المستقبل للجميع في كمّاشة الثنائي ومن ورائهما.

وراء تلك الأرقام عالم مُتهدّم تختزل مشاكله في كيفيّة توفير العطايا الدّوليّة كحل براق يغطي الحقيقة. فتقريب الصّورة لمخيم في تركيا واخر في لبنان وثالث في الاردن ورابع في كردستان العراق ماهي الا لوحة تراجيديّة بشرية مؤلمة رغم التفاوت. فتناسي الجمع لقضيّة تثبيت الخيم بالصّورة الّتي تحدث وتركيز العمل على تشتيت الحل في توسّعتها كعلاج. أقرب مايكون مُخدّر موضعيّ، يدعو الى الإنذار وتقريع الأجراس لمدى هوّل الإتفاق على إنهيار المنظومة الاجتماعيّة الهشّة الأصل. وتجريد روابط قد تبدو مضحكة ولكنها أقرب الى التنظيم والتشارُكيّة الطبيعيّة في مُجتمع مُسوّر برسم خريطة إستعماريّة يُقارب عمرها القرْن. وفي مُجابهة الحل بإنهيارها ثمّة من يتناسى بأن هناك الان الآلاف من الأطفال السوريين الّذين عهدوا المُخيّمات لثلاث سنوات، ولا يزال الغموض يكتنف ديمومتها. وثمّة من يصرّ على ان يتناسى ان الهيكل الأسري تداعى الى حدّ التهدّم في هذه البقع المُتنافسة الضياع. بؤر تفتقر الى آليات الحفاظ على المنظومة الأسرية ولو بشروط أقل. فقط تركيز وتدوير مُنصب على الترويض لجموع أرادت التنفس في قوقعة عقود أربع لاغير، فتحول التنفس الى صناديق خيرات يتبجّح بها ملوك

بلاد النخيل بالتجانس مع السُلطان المُحدث والاخر المُتّشح بالسواد في قوقعته في قم وليس أخرًا الحاكم المقلّم الأظافر في بلاد العمّ سام.

عمليّة التقصير والاختزال لمجمل الكُتلة الهائلة المساعدة! في رزم المساعدات وصناديق الخلاص المؤنقة في مسعى أقرب مايكون بالتشتيت المُتعمد، هو ايذاناً بالفواتير القادمة لجيل سيفتقد وبدأ فعليًا الإفتقاد لروح المُجتمعية كجمع، والأسريّة كأهمّ خليّة داخل الحيّز العام. والتي ستختتم في النِهاية الى التبصّر والإنتظار لذلك الاخر القادم من الكمال لإعطاء دروس التكامل!! لمجتمع نَسيَ التجانس، وخيّر له وبيديه ان يبقى عداد لآلة الصيرورة الدوليّة الجَشِعة.

&

كاتب كردي سوري