بعد عشرات السنين من حياة الفضيلة والتقوى، وبعد جهاد السنين ضد الشهوات والرغبات، وبعد حرب ضروس من اجل الوصول لحالة الكمال وجد رجل تقي نفسه أمام كائن عجيب وجهاً لوجه. الرجل التقي بهدوء واستقرار يسأل من أنت؟ فيجيبه أنا الشيطان.... أنا ذاك الذي يحبك طوال هذه السنين.. أنا ذاك الذي يقف بجوارك من دون أن تراني... أساعدك من دون أن تطلب مني. وأنت لازلت تكرهني و بأبشع الصفات تصفني، وليل نهار تشكو مني وتلعنني..

صرخ الرجل التقي بصوت عالي لينتهرك الرب أيها الشيطان أعوذ بالله منك... يارب ارحمني ونجني كي لا أهلك.

أجابه الشيطان قائلا ألم أقل لك أنك تجهلني وعوضا عن شكري لأني أساعدك في تحقيق طموحاتك تنتهرني وتلعنني وتعتبرني عدواً لك ولا تحبني!! فقال الرجل التقي مخاطبا الشيطان أنت لا تساعدني أيها المخادع؟ أنت لا تحبني أيها الخادع؟؟ فأجابه الشيطان مهلا يا بن الإنسان لا تتسرع كعادتك في الحكم بدون معرفة. فأنا اقدم لك دوما الكمية المناسبة من الخطأ لتستمر في الوجود... فهذه هي وظيفتي منذ البدء أن أحافظ عل وجودك الإنساني فأقدم لك الخطأ بمقدار فلا يكون كبيرا لا يتناسب مع قدراتك فتتحول إلى شيطان ولا يكون الخطأ منعدما بقيمة الصفر فتتلاشى إنسانيتك وتتحول إلى إله. وقوانين الطبيعة لا تسمح لك بأن يكون الخطأ صفر وما لانهاية في آن واحد...نعم أنا السبب في سعادتك..

أجاب الرجل التقي اذهب عني يا ملعون سعادتي في التوبة ونوال الغفران... وهنا بدأ الشيطان في التفسير قائلاً وهل توجد توبة بدون خطيئة يا رجل؟ فمن ذا الذي يشجعك إذن على الخطيئة ويهيئها لك؟ ألست أنا!!! إن الله القدوس لا يفعل ذلك فهذه مهمتي أنا...فأنا هو ذاك الذي يشجعك على الخطأ وأنت تتوب فتنال الغفران..أنا أدفعك نحو السقوط وأنت تقوم مرنماً "لا تشمتي بي يا عدوتي لأني إن سقطت أقوم" فتشعر بنشوة الانتصار.. أليست في هذا سعادة تبتغيها!.. أيها التقي ألا تعلم أن الله غفور رحيم فلمن يغفر الله إذن في حالة عدم وجود خطاه؟؟ هل تريد أن تحرم الله من صفاته الطبيعية؟

اسمع يا رجل.. الإنسان يحتاج إلى الخطأ كما يحتاج إلى الماء والهواء فهو سر الوجود فلولا الخطأ ما كنت أنت موجود ولولا الخطأ ما كنت أنا موجود ولولا الخطأ ما كان الوجود موجود.

وسأل الشيطان الرجل التقي هل تنكر أن عندك أخطاء؟ قال الرجل التقي بكل تأكيد توجد أخطاء وصرخ قائلاً اللهم ارحمني أنا الخاطئ. فسأله الشيطان أيضاً وهل تريد أن تتخلص من أخطاءك و أوزارك وخطاياك وشرورك جميعها فلا يتبقى منها إلا الصفر؟ أجاب بنعم. عندئذ صرخ الشيطان بصوت عال وانتهر الرجل قائلاً ما هذا الهراء... هل تريد أن تكون مثل الله بلا خطأ وبلا خطيئة؟؟... فبكى الرجل وطلب من الله العفو والغفران.

بعد ذلك قال الشيطان للرجل ها أنت الآن وقد تأكدت من حاجتك لكمية من الخطأ تساعدك في تحقيق حالة الاتزان بين متطلبات النفس والجسد والروح وأنا الذي يساعدك على ذلك فلماذا تكرهني إذن؟ فصرخ الرجل التقي وقال اذهب عني يا ملعون فذهب الشيطان وتركه ولا يزال الشيطان يفكر كيف للإنسان أن يكرهني وأنا مصدر سعادته وكيف له أن ينتهرني وأنا سبب في وجوده في حالة الإنسان.

أما الرجل فهو أيضاً لا يزال متسائلاً في ذاته هل حقاً إن الشيطان يحب الإنسان؟ أم إنها الخدعة والخديعة؟ أم أن الإنسان جهول وظالم كقول الشاعر " والظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم".

[email protected]