مما لا شك فيه أنه من المستبعد جدا أن يتجادل اثنان في كون أعجز منّة إلاهية تم تكريم الإنسان بها، خلافا لغيره من باقي المخلوقات، العقل كجهاز وكرة من التلافيف، قمة& في التعقيد والدّقة المتناهية والقدرة على أنماط لا حصر لها من التحليل والتمييز والإدراك والإستيعاب وغير ذلك من الوظائف الدالة على قدرة وحكمة الله...
بديهي جدا أنه على مرّ العصور وتعاقب الأزمنة، تدّرج الآدميون في تحسين ظروفهم الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والإرتقاء بها إلى الأفضل وذلك اعتمادا بالدرجة الأولى على العقل كسلاح بواسطته يسهل إيجاد الحلول للمشاكل العويصة ويتأتى التغلب على معظم الصعوبات وإكراهات الحياة والمحيط ..
&وكلنا يعلم بدايات التعامل البشري مع عنصر النار من حيث إمكانيات توليده كطاقة لا تستقيم صيرورة العنصر البشري إلا بها، أي النار لتعدد مجالات استعمالها.. هكذا وعلى سبيل المثال، نجد أنه في العصر الحجري، أقصى ما كان يتمخض عن الفهم البشري أنذاك،& حيال أسلوب إضرام النار، التوقف على نتاج الإحتكاك بين حجرين& بطريقة ديناميكية يدوية مطولة بعض الشيء.. لأجل الإستفادة منها، أي النار الموقدة، كعنصر حيوي في مجالات الطهو والتدفئة، بل وفيما يتجاوز ذلك إلى محاولة إرهاب الوحوش الضارية التي ما فتئت تشكل تهديدا لأمن واستقرار البدائيين..
ولنا أن نتأمل التطور الحاصل حاليا في& تلكم العلاقة مع هذا العنصر الأساسي والمهم، باعتباره أحد العناصر الأربعة / الماء والهواء والتراب، نظرا لتشكل الوجود& من هذه المواد قاطبة، حسب العديد من النظريات الفلسفية والعلمية...
&فقط أردت سوق هذا المثل البسيط المعبر في مضمونه، ليتضح كم أن البون جد شاسع ما بين حقبة تاريخية وأخرى تليها، من حيث أساليب العيش ومتطلبات الحياة والتفاوت من جيل لآخر في الإبتكار والإختراع والإبداع، كمّا وكيفا، مما يعكس ـــ لا محالة ـــ حقيقة باهرة تكمن في التطور المستمر والسرمدي للعقل البشري..
هذا وقد استطاع الإنسان تحقيق ازدهار ملموس، على جل ما لم نقل كافة المستويات، فطورــ بتطور العقلية الإنتاجية طبعاـــ قلت طور من الأجهزة والمعدّات الشيء الكثير، الضامن له تلبية& احتياجاته كمستهلك من جهة ثانية، والمخول له الإستفادة والغنم من موارد وثروات برية وبحرية، حتى أنه، أي الإنسان المعاصر، مستمر وجريء في غزو الفضاء وآخذ في تنمية ثقافة رقمية وتكنولوجية ولو أنها ذات وجهين إيجابي وآخر سلبي، غير أنها أسهمت وبشكل كبير في تسهيل التواصل بين شعوب العالم وإلغاء المسافات والحدود وما إلى ذلك من العوامل المكرسة لأشكال الإنغلاق والعرقية والتقوقع..
&وهكذا ثم اختزال الكرة الأرضية ككوكب بما رحب، إلى مجرد قرية صغيرة مسهلة على الطاقات والأدمغة الإسهام في المزيد من تقديم الخدمات للإنسانية تحت راية تعايش الأديان قاطبة وبعيدا عن التعصب والقوميات العمياء..
ولأن المقال هنا لا يتسع لسرد وإن على نحو مقتضب ما ثم تحقيقه من منجزات ومكتسبات حتى يومنا هذا، فبالأحرى الإستفاضة فيه، فإنه لا يسعنا إلا العودة إلى مضمون عنوان هذه المادة الدسمة المحتاجة إلى أكثر من مقال في تناولها المفصل ..
إن إفرازات التقدم البشري متنوعة ومختلفة في ميادين عدة، و متسارعة في منحى تصاعديا يمليه تعاقب الأيام حتى لا أقول الأعوام على اعتبار أنه بات لا يستغرق الأمر طويلا بين براءة اختراع وأخرى أو أنجاز معين غير مسبوق& وآخر، وهذا يسجل للإنسان العبقري وقدرته على استخدام نعمة كبيرة اسمها العقل..
كما أنها متعددة أيضا، صور أو مظاهر الفهم الخاطئ لهذه الإفرازات، نكتفي هنا بتسليط الضوء على البعض منها و بعجالة..
مثلا، لو أخذنا الكتاب الورقي ومؤشرات تلاشيه، أو ندرته مستقبلا، لتبين لنا جليا هيمنة الكتاب الإلكتروني عليه، متوهمين أن العيب في ما آلت إليه التكنولوجيا الحديثة من استحقاقات ورتب تفوّق جنونية، غير أن العيب كمين فينا نحن، لا فيما أحرزه هذا البعبع من تفشي وانتشار، وذلك بأن منحنا هذه الثورة الرقمية أسباب أسرنا ومفاتيح التحكم فينا، بل أننا بتنا نرى ونسمع بحالات شاذة ومدمنة في هذا الباب، بدل الإتسام بالوسطية والإعتدال والتعقلن في كيفية التعاطي معها، وفق ما يقتضي نشر ثقافة إنصاف الكتاب الورقي، وهو ما زاد الطين بلة وعمّق من ظاهرة العزوف عن قراءة المطبوعات...
في السياق ذاته، وأيضا، على سبيل المثال، لا الحصر، أقول ... لو تطرقنا إلى الجانب المتعلق بالتسلح والسباق المحموم نحو امتلاك أحدث الأسلحة والترسانة العسكرية وأوسعها نطاقا من حيث القدرة على الفتك والتسبب بالدمار الشامل، لتأكد لنا تزايد الأصوات المروجة لهذا الطرح، خاصة، داخل الدول العظمى ذات النفوذ والمصالح الكبرى في العالمين المتخلف والمتنامي، والأغرب من هذا وذاك، أن هذه الدعايات وهذا التطبيل والتهليل، تمرّرتحت مظلات وأقنعة التعبئة السياسة والديبلوماسة المشحونة بالشعارات المقتضية حضر مثل هذه الأسلحة على دول بعينها، بل الأدهى من ذلك،كمين فيما يكرّس لتجارب ميدانية هادفة إلى معرفة مدى فعالية تلك الأدوات والتقنيات، عبر إيقاظ فتن أهلية وطائفية& محفزة على استخداماتها بين بني الجنس الواجد، والوقوق موقف المحايد المكتفي بالفرجة على ما يدور من تطاحن واقتتال دامي محيل على قواسم مشتركة بين مصاصة الدماء كما في الأفلام وهؤلاء الذين يوقدون الحروب الضارية بنفخة أو كلمة..
&وهكذا، عوضا عن تعبيد سبل احتضام كل ما من شأنه أن يضخ في الروح& قبل الضمير، دماء الجنوح إلى النزعة الإنسانية، دوما، وعولمتها، يحصل النقيض لهذا كله،وفي سبيل الحفاظ على المصالح وتوسيع الأطماع& وتغذية وقود الإمبريالية الوسخة،يسمح& لشهوة التصنيع المحضور ظاهريا، بالبروز و الإستأساد، والخاتمة تكون& انتهاج ما لا يتعدى& الدفع بعجلة التقدم المغلوط صوب ما يجعل الآلة تستعبد الإنسان...
وأخيرا أقول ... لو تناولنا قضية غزو الفضاء، من زاوية مغايرة، لاتضح لنا من أول وهلة كيف أن المسألة ليست سوى ظلالا وزخم& من الإنعكاسات وردود أفعال للرغد والترف والفائض من الأموال لدى صفوة / اوروبية ـــ أمريكية داخل حدود دول الريادة في هذا المضمار، وحتى لو كان الأمر كذلك، وافترضنا جدلا أنه لا عيب فيه،& وإذن ...
أيهما أولى ؟ أن تنقف بسخاء، دول الرخاء والمستويات المعيشية الراقية، من أجل القضاء على الفقر والبطالة ومحاربة الأمراض المستعصية على العلاج الطافية فجأة على السطح، واستهداف الفئات الهشة والمهمشة، وما ناغم ذلك من أعمال البر والخير والإحسان ...
&أم خلافا لذلك تهدر الأموال بأرقام مهولة في اختلاق قصص خيالية من قبيل مخلوقات فضائية تهدد الكرة الرضية وصحون طائرة وما إلى ذلك من ذرائع واهية مجسدة لأنانية ممقوتة خرقاء تدفع ثمن الميل إليها الإنسانية جمعاء..؟
وخلاصة القول تكمن في كون الضير ليس في تبني منحى دون ضديده، بقدر ما الضير بارز في الغلو والشذوذ والإدمان والحالات المرضية الأخرى المنتحية بالإنسان باتجاه ما ليس للصالح العام...
&شاعر مغربي
&