&
لم يكن الكيان اللبناني يوماً ما كياناً سياسياً بأيّ معنى أو صيغة؛ فبَعد استئصاله من جسده الأم 'بلاد الشام' من قِبَل الفرنسيين، تزعّمَت كل طائفة احتكار السلطة السياسية وتحوّلَ الواقع اللبناني لشبه اتّفاق بين مجموعة طوائف بل الأجدَر أن يُقال بين عدّة قبائل اتّفقوا على اقتسام السلطة والبلد على أساس طائفي بامتياز، وهكذا تمّ تقسيم لبنان على أساس مجموعة طوائف/قبائل لا وطن ومواطنين!!&
&
وعندما يُحكَم أي بلد على أساس طائفي، بل ويرعى هذه الصيغة القانون، تصبح الطائفية "ثقافة بلد ومجتمع" ولاحقاً موروث عائلي واجتماعي وديني/سياسي ولا تَعُد مجرد وليدة بيئة معينة أو ظروف خاصة، وبهذا فإنّ صيغة 'عدم التّعميم' هنا غير واردة لهذه الحالة لأنّ الموضوعَ ليس شخصياً أو مُوَجَّهاً لفئة معينة دون غيرها؛ الموضوع كما طرحت هو ثقافة عامة يتلقّاها اللبناني منذ الصِّغَر وموروث فِكري عائلي واجتماعي يتناقله هذا الشعب ويُورّثه لأبنائه جيلاً فجيل. فالشعب اللبناني نفسه يُعاني من عدة عقود منذ نشأة لبنان من الطائفية، ويستطيع الشخص العادي فقط بزيارة إلى لبنان قاطعاً بيروت مروراً بطرابلس أن يلتمسَ وبوضوح التقسيم الإجتماعي والمَناطِقي على أساس طائفي عنصري بحت!&
&
فحين التحدث عن التعامُل الطائفي من قِبَل اللبنانيين تجاه السوريين، لا يمكننا إلاّ العودة لمَنشأ هذا البلد وتعامُل أبنائه مع بعضهم البعض أولاً ونوعية الفِكر الذي يحملونه للآخَر المُختلف عنهم (في نفس البلد)، فكم بالحَري للآخر المختلف عنهم من بلد آخر وكم بالحري أيضاً إذا كان هذا البلد سوريا وبحيث يرتبط المشهد هنا بالوجود السوري الذي دامَ طويلاً في لبنان وخَلَّف ذكرى قاتِمة لدى اللبنانيين!!&
&
وتباعاً لهذا، فالروح الطائفية كانت وما زالت هي المُهَيمِنة في سماء لبنان، فهذا ما فعلوه اللبنانيون ببعضهم طيلة الحرب الأهلية ومنذ نشوء لبنان حتى يومنا هذا، وهذا تماماً ما تفعلُه الطائفية؛ أقلّها تجعل شعورك الإنساني انتقائي، وهذا أخطر ما يُصيب الإنسان وفِكره الإنساني وقِيَمه الأخلاقية حيث الإنسانية لا تتجزّأ ولا يمكن أن يكونَ الحِسّ الإنساني انتقائياً ومَشروطاً!! فإذا كان هذا ما فعلوه ويفعلونه ببعضهم فكيف يكون الحال مع الغريب - السوري - الضعيف المُهَجَّر!!&
&
لكن، ومن ناحية أخرى، ولكي أكون أكثر دقّة وموضوعية، فنحن نُعاني في كل البلدان العربية من الطائفية؛ هذه الأخيرة التي تَرعى العُنصرية وتُغذّي التطرّف وتُوجّه فِكر حاملها ليشعرَ برِضا عن مشاعره العدائية تجاه مَن يختلف عنه بالطائفة بل وتمتدّ لتحوي مَن يختلف معه بالفِكر والبيئة والخَلفية الإجتماعية. ولكن، ولأنّ مسألة الطائفة في لبنان كان وما زال لها امتداداً سياسياً مُرتبِطاً ارتباطاً وثيقاً بالسلطة والحكم وبرعاية الدستور؛ فتداعياتها أشمَل وأخطر على النفوس وعلى المجتمع والبلد كَكُل!!&
&
وبرغم كل هذا، لبنان كان منبع الثقافة والفِكر ومَقصداً للعلم والإنفتاح والفَن والجمال، وكان أول بلد عربي يفتح دور للنشر والثقافة والعلم! لكن لبنان اليوم، ليس إلاّ عبوة طائفية جاهزة للإنفجار في أي لحظة، وقد تذوّقوا اللبنانيون مِراراً هذه المأساة وهذه الحرب وكانت سوريا ملجأهم الآمِن وحضناً لهم بغضّ النظر عن خِلافاتِهم السياسية والعقائدية مع السوريين؛ فبيوت السوريين فُتِحَت لكل لبناني في الأزمات السابقة ولم يكونوا بينهم إلاّ أهلاً ولم يستقبلوهم إلاّ سهلاً، فأين اللبنانيون مِمّا يتعرّض له السوريون في لبنان اليوم؟! وإن لم تجمعهم السياسة أو العقيدة أو حتى الهلال الخصيب؛ فما زالت تجمعهم الإنسانية، فأين لبنان منها وأين اللبنانيون من كُلِّ هذا؟