&في حرب نفسية لها دلائلها، يوحي أبراهيم عواد البكري السامرائي الملقب أبو بكر البغدادي لأتباعه أن الحكومة الأتحادية العراقية الزائلة مقرها بغداد وحكومة الأقليم الكردستاني مقرها أربيل. وقد قدّر الله بحكمته ورحمته الواسعة أن تكون الموصل " المدينة"عاصمته للخلافة الأسلامية القادمة. وقد ضمِنَ الطاعة بخطابه الديني، وفي الترغيب والتخويف، وسرعة البديهة وسرعة الحركة العسكرية التكتيكية ونقل المفاجأة والحرب النفسية كالصاعقة الى أعدائه وخصومه من المعارضة السورية، كما ضمن ولاء الحركات الجهادية الأسلامية الأخرى وتفوق بالقتال والموعضة وحسن الكلام والطلعة والحضور على الكثير من العقبات بأحتلاله محافظة نينوى وجعل مدينة الموصل عاصمته وعاصمة الأنصار.&

والحقيقة، وبعلم الأطراف والكتل السياسية في العراق وسوريا التي تعيش في حالة نكران الخطر بالتقليل من شأنه أو تهويله، فأن مقر أبو بكر البغدادي الأداري والعسكري المعروف هو الموصل ومنها يُصدّر أوامره ويتنقل بين مساجدها وأحياءها ويتقّبل العفو والصفح، ويُرحّب بالمهاجرين المُدرّبين الجدد الى دولته وبيعتهم له حيث أنضمت أليه مجموعات جديدة منها "جند الخلافة" في الجزائر.

منذ وصول البغدادي في تموز (يوليو) 2014 إلى جامع النوري الكبير بالموصل، واليد والقدم الثقيلة لأتباعه وعجلاتهم وناقلات جندهم وتنقلاتهم بأسلحتهم وراياتهم وأزيائهم الشيشانية والأفغانية تجوب كل المدينة وأحياءها بكل حرية ويصلها التموين والوقود والسلاح من محافظة نينوى وخارجها. والوالغون في دماء المسلمين والمسيحيين لم تتوقف إيدهم عن الذبح وسفك الدماء منذ القرن السابع الميلادي بل وقبله الى القرن الحادي والعشرين.&

والتصدع بين تنظيم القاعدة وجبهة النُصرة والجبهة الإسلامية من جهة ودولة الخلافة الإسلامية للبغدادي من جهة هي الحرب المفتوحة بين حركات غرضها الوصول الى السلطة والنفوذ وقد توسعت الفجوة بينهم بعد تهديد البغدادي لقادتها جميعاً وتحديداً بعد دعوة سلطان بن عيسى العطوي أحد زعماء«جبهة النُصرة»، «الدولة الإسلامية في العراق والشام» إلى الانضمام والتوبة إليها وحذر البغدادي من المسؤولية الضخمة التي وقعت على عاتقه لمنع الفتنة.&

الله هو المُستحدث في تنظيمات الجهاد الناشطة المختلفة، وهو يقودُ ويسلّح ويموّل المجاهدين، وببركاته بعثَ سبحانه تعالى برسول الجهاد والفتوحات ليصحح ويرشد البشر ويمنع الفتنة بذبح الكفرة الملحدين " كما يقولون" ولتتحرر مدن الخلافة الأسلامية وتزال الحدود. ويوحي البغدادي في خطبة أمر لاحقة ("خوضوا هذه الحرب وتوكلوا على الله فإنها خير لكم لأن الله دبرها لكم، والله يعلم وانتم لا تعلمون).

وفي فوضى الرهان على أستراتيجية أوباما العسكرية المعقدة الغامضة التفاصيل التي وضعتها المخابرات الأمريكية مازالت تناقش ويُعاد مناقشتها بين الأوروبين والعرب في مؤتمر باريس (لم تشترك أيران وسوريا وروسيا فيه لأنه لا يشكل مكافحة فعلية حقيقية للأرهاب) و تجلس حكومة العراق وحكومة الأقليم الكردستاني بين النار والهشيم تتفاوض مع نفسها ونوابها وعشائرها دون نتيجة فعالة، ويصرح سفيرها في واشنطن (نريد من أمريكا تكثيف ضرباتها لداعش ومعالجة المشكلة إقليمياً).&

الله المُستحدث في صيحات قتال المجاهدين (بأسم الله.. الله واكبر....وتكبير ) له خططه وتعاليمه لهم ولثقافتهم لوضع الكفر والألحاد في مصيدة إلهية دبرها لهم وتضم الأدارة الأمريكية والدول العربية وبالاخص شيعة العراق وسوريا ولبنان. ويفترض زعماء عرب أن النوايا الأمريكية لم تتضح بعد مع أنها واضحة، وإذا كانت واشنطن جادة في محاربة الإرهاب فيجب أن تعلن أولاً أن جماعة الإخوان المسلمين والنصرة والسلفية جماعات إرهابية، وتقوم بتحديد حركات الأرهاب دون تخصيص مبالغ لبعضها. كيف ستستطيع واشنطن قتالهم بجدية وهي تمول وتسلح بعضهم ويتدرب أخرون بمساعدة عربية داخل حدود تركيا؟

ماهو الغرض المفترض فهمه هنا؟

الغرض المستغرب للعرب وليس مستغرباً للغرب هي سياسة إنتقاص كل المذاهب الأسلامية في نظرية إحتواء الخطر الجهادي. سياسة التمسك بمنطلق ومنطق قمة ويلز ومؤتمر جدة ومؤتمر باريس في انتقائية المخابرات الأمريكية لشرائح إسلامية سورية مختارة لقتال دولة خلافة البغدادي ونظام الأسد بمراهنة تجارية بحتة. وبموجبها يزوّد الجيش الحر الذي يُطلق عليه إسم المعارضة المعتدلة ويقدم لها مبلغ 500 مليون دولار لمنازلة داعش. سياسة ألاحتواء هذه،هي سياسة السيطرة على المجموعالت الأرهابية الإسلامية وإحتواء خطر أرهابييها بتوجيه وتسخير صراعهم مع مجموعات جهادية مناوئة. فالولايات المتحدة لاتفرق بين وجوه الأرهاب وتعتبرها جميعاً (وجه واحد) مهما إختلفت التسميات،وتسعى خفية مع شركحائهم الى تسخير قادته للأستمرار في القتال وإشغالهم به "على بلادتهم للقتال الأبدي" في الحكم الشرعي الطامحين إليه. وسبب قبول بعض مجموعات الجهاد الأموال الأمريكية، فالأمر مفهوم عندما تضع الدولار لعبيده. المراهنة التي وضعها السناتور الجمهوري جان مكين ودعوته لتمكين فرقة إسلامية موالية وأخرى معادية هي المراهنة التجارية البحته التي تحقق تمزيق الأثنين وإحتواء الأرهاب وحصره في سوريا والعراق، وتحقيق سلامة الدولة اليهودية بأبعادها عن الصراع.&

فوضى عدم التخطيط الفعلي لمكافحة الأرهاب والموافقة العراقية التي تتم وفق الرغبة الأمريكية في العمل على إستنزاف اطراف النزاع المسلح الأسلامي المتطرف وحصر القتال والخسائر المالية والبشرية وسقوط القنابل والقذائف الصاروخية المدمرة داخل العراق وسوريا ( دون تنسيق ميداني بين الحكومة العراقية والسورية) هو ماأدلى به إبراهيم الجعفري وزير الخارجية العراقي الحالي، إضافة الى مبادرة معظم الدول منع طيران خطوطها الجوية المدنية التحليق فوق العراق وسوريا وألغاء الرحلات الى مطارات البلدين، مع إعتقادي بأن انتقاء القوى الإرهابية وطبيعة القتال في المنطقة والعالم ستتغير بشكل دراماتيكي مدمر.

ماأقوله هنا هو مايصلني من سيل التقارير المرعبة والسجل الوحشي عن سحق المكونات المذهبية والحقوق القومية للشعب العراقي والشعب السوري منذ وصول الحركات الجهادية المُسيّرة الى سوريا وإنتشار نفوذها السياسي والمعنوي بسقوط الموصل بأيدي البرابرة والله الذي إستحدثوه.&

&في العراق كل شيئ مؤجل، معلق، أو لم تنضج له فكرة بعد. وتحرير الموصل من الرعاع و تجفيف منابع الأرهاب لايزيد عن كونه إنجاز خطابي حكومي معنوي، والطلب الى أورويا وأمريكا لأرسال مزيد من السلاح والعتاد دون تحالف عسكري حقيقي ملزم لها ولدول الخليج العربية للمشاركة الحقيقية بإرسال قوات خاصة لتنضوي تحت قيادة عراقية عسكرية مشتركة. ولذا فأنه تحالف مجزء محدود ومقيد.

&تحرير الموصل وأهاليها مازال في الأنتظار لمزيد من المؤتمرات الحكومية التي تتحاور دون نتيجة وسيناريوهات عاجزة عن مواكبة التحديات ومباحثات ومفاوضات يعقدها عبيد السلطة ولاتتجاوز أكثر من إشغالنا بها بهم وبأنفسهم وإدعاءاتهم السياسية بأنهم جاءوا لنصرة الفقراء والمظلومين والمحرومين. ومؤخراً أضافوا بأنهم الحريصون المعنيون باللاجئين النازحين من أهالي نينوى والأنبار وديالى وصلاح الدين. لقد شغل عبيد السلطة دولاً وحكومات بطروحاتهم القومية منها والأثنية والمذهبية المملة وأبرزوا من خلالها خلافاتهم وتنابزهم وإيماءاتهم وألغازهم وهم يتنافسون على النفوذ والسلطة والشهرة. أمور مكشوفة وعابرة لاأهمية لها بين رؤساء الدول والمنظمات الدولية.&

&

كاتب وباحث سياسي&

&