توافر لدى مراكز المتابعة والتقصي السياسية الإعلامية والحقوقية في لندن خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي الكثير من الدلائل التى تؤكد تنامي مؤشرات القلق والضبابية لدي الحكومة البريطانية برئاسة ديفيد كاميرون حول النتائج المرتقبة للإستفتاء الذي سيشارك فيه سكان مقاطعة إسكوتلاندا يوم 18 من الشهر الجاري للإختيار بين البقاء ضمن الإتحاد الذي انضموا إليه منذ عام 1707 أو الاستقلال بمقاطعتهم!

لماذا؟

لأن إستطلاعين للرأي كشفا أن نسبة المؤيدين للإستقلال تعدت لأول مرة منذ نحو ستة أشهر – تتابعت فيها قياسات الرأي العام - نسبة الـ 50 %.. الأستطلاع الأول الذي أجراه مركز " يوجوف " يقول أن نسبة من سيصوت بنعم ارتفعت إلي مستوي 51 %، أما الثاني الذي اجراه معهد " بانليس " فيؤكد ان من سيرفضون الإستقلال تعدوا مستوي 52 %.

قبل هذا الكشف " المقلق " كما وصفته الملكة إليزابيث الثانية وفق ما نشرته صحيفة صنداي تايمز، كانت النسب المؤيدين للبقاء ضمن منظومة الإتحاد تدور صعوداً وهبوطاً لصالح ما بين 61 و 53 %.

ترجمة مخاوف الحكومة البريطانية التى إستشعرها الشارعين السياسي والإعلامي جاءت في شكل وعود براقة جرت علي لسان وزير المالية جورج أوزبورن في حديث له مع إذاعة " بي بي سي " مساء الأحد ( 7 الجاري ) أكد من خلاله أن الحكومة انتهت من إقرار مجموعة من الخطط – وافقت عليها الأحزاب الثلاثة الكبري المحافظون والليبراليون والعمال بمجلس العموم – ستتمتع بموجبها حكومة إسكوتلاندا بمزيد من الإستقلالية فيما يتعلق بتحصيل الضرائب وأوجه الإنقاق الحكومى وزيادة أوجه الرعاية الإجتماعية " إذا جاءت نتيجة التصويت لصالح البقاء ضمن الإتحاد الذي يضم إلي جانب إسكوتلاندا كل من انجلترا و ويلز و أيرلندا الشمالية ".

إسكوتلاندا التي تتمتع منذ عام 1999 ببرلمان مستقل من حقه اصدار التشريعات الخاصة بالتعليم والصحة والبيئة، وحكومة تتمتع بحرية لا يستهان بها فيما يتعلق بإدارة شئون المقاطعة بعيداً عن السياسات النقدية والدفاعية والخارجية، تطمح بقيادة رئيس وزرائها الحالي أليكس سالموند أن يصوت الغالبية من سكانها البالغ عددهم 2ر4 مليون نسمة، لصالح الإنفصال عن المملكة المتحدة!! أما دعاة البقاء تحت شعار " معا أفضل " بقيادة إليستير دارلينج، فيعملون بكل طاقتهم لكي تبقي المقاطعة داخل دائرته لأطول فترة زمنية قادمة..&

تقول العديد من التقارير أن بريق إستقلال إسكوتلاندا لن يكون محققا لطموحات اليكس سالموند!! لأن الإنفصال سيتطلب أن يكون للكيان السياسي الجديد.

أولاً.. توجهاته السياسية والاقتصادية والمجتمعية الداخلية وكذا الخارجية والأمنية والمعلوماتية والعسكرية التى تسمح له في المستقبل القريب أن يكون عضواً عاملاً علي مستوي دول الإتحاد الأوربي من ناحية والكتلة الغربية بكل اطيافها من ناحية أخري، الأمر الذي لم تتضح معالمه المتكاملة بعد والذي يَشك كثيرون في أن تتحقق علي حساب علاقة دول الاتحاد بحكومات المملكة المتحدة المتعاقبة في لندن.

ثانيا ً.. عملته الوطنية التى تحتاج لسوق إقتصادية داخلية لا تتوافر لها إشتراطات المناعة والصمود في وجه تحديات العصر والتنافس التي تحكم العلاقات الإقتصادية علي مستوي دول الاتحاد الأوربي من ناحية ودول العالم من ناحية أخري.

ثالثا.. إقرار بضرورة التنسيق بينه وبين ومقاطعات المملكة المتحدة خاصة انجلترا فيما يتعلق بترسيم الحدود بينهما، وما يترتب علي ذلك تواجد حرس للحدود ونقاط مرور وعبور للأفراد والسيارات والحافلات وحركة البضائع لفحص جوزات السفر والأوراق الرسمية.. الخ.. مما سيؤدي حتماً إلي مجموعة متشابكة من التعقيدات، إخفها ما يتعلق بتنقل المواطنين علي الجانبين علي مدار الساعة.

رابعاً.. خطة واضحة لتوفير فرص عمل داخلية لعشرات الألآف من الإسكوتلانديين - الذين يعلمون في الجنوب ( انجلترا ) وفي الغرب ( ويلز ) والذين يبلغ تعدادهم نحو مليون شخص - في حالة ما إذا تم الاستغناء عنهم لأي سبب من الأسباب..&

خامسا.. العمل علي إبرام اتفاقات امنية ومعلوماتية مع حكومة لندن..&

الجدير بالإشارة هنا أن احزاب بريطانيا الكبري متوافقة علي ضرورة العمل معا لضمان أن تبقي إسكوتلاندا ضمن المملكة المتحدة..&

الأكثر من ذلك ان رئيس الوزراء المحافظ ديفيد كاميرون لم يَجد غضاضة سياسية أن يدفع بخصمة اللدود إد ميليباند زعيم حزب العمال - الذي يستعد لخوض الإنتخابات التشريعية القادمة التى ستجري منتصف العام القادم – لكي يشارك بكل طاقته في دعوة الإسكتلاندين للبقاء ضمن دائرة الاتحاد، لأنه يدرك حجم التأييد الذي يحظي به حزبه علي مستوي المقاطعة بعد أن قاس بمقياس عقلاني مدي الاستفادة التى ستعود علي المملكة المتحدة وأمنها القومي إيجابيات أن تأتي نتيجة الإستفاء علي هوي حكومة لندن!! رغم ما يعنيه هذا – إذا تحقق - من دعاية مجانية لحزب العمال كمنافس يشيع زعيمه من الآن انه سيتولي تشكيل حكومة البلاد القادمة..

ينقسم المجتمع الإسكوتلاندي حيال كافة هذه القضايا الحيوية بين مؤكد للقدرة الذاتية علي التعهد بها والقيام بأمرها علي خير وجه!! وبين متخوف من نتائجها وسط غابة السياسة المتنازعة وحروب أسواق الانتاج المتوحشة وميادين الاستثمار شديدة التأرجح و التى قد لا يقدر عليها شعب مقاطعة إسكوتلاندا المستقلة..&

لندن من جانبها تستعد لترتيب خطواتها تجاه نتيجة الإستفتاء التي ربما تظهر مؤشراتها مساء الخميس 18 الجاري معلنة ميلاد " أدنبرة " كعاصمة لدولة أوربية جديدة.. فبرغم أن الإعلان الرسمي للكيان الجديد تقرر له مسبقا شهر مارس عام 2016، إلا ان هذه الخطوة سيسبقها مفاوضات مضنيه بين الجانبين حول ملفات صعبة مثل عملة المستقلين وقيمتها السوقية مقارنة أولاً وقب لكل شئ بالجنية الاسترليني، وكذا نصيب شعب إسكوتلاندا من دين المملكة المتحدة العام، بالاضافة إلي كيفية إدارة وإستغلال نفط بحر الشمال وتوزيع انصبته وعوائده بين الجانبين، وفوق كل هذا وذاك وربما قبله مستقبل قاعدة الغواصات النووية البريطانية في المقاطعة..

بالرغم من هذه الحالة الضبابية التى لا يملك المتابعين لها مقومات التنبأ الإقرب للحقيقة لما ستقرره الغالبية من الإسكوتلانديين قبل أيام معدودة من الثامن عشر من الشهر الحالي، إلا ان الكثيرون علي جانبي الشارعين السياسي والإعلامي هنا وهناك يأملون أن تبقي المملكة المتحدة علي مكوناتها الاتحادية، ولكل فريق توجهاته واطماعة وترتيباته المستقبلية والغرض الخفي في نفسه!! وإن غداً لناظره قريب..&

&

* إستشاري أعلامي مقيم في بريطانيا [email protected]&