تناول مفكرون وكتّاب في الآونة الأخيرة الوهابية ووجهوا عدة انتقادات لها ولا تخلو بعضها من تحامل وبعضها صحيحة، ولكن لايخلو منهجها من أخطاء ولا أقصد أخطاء منسوبيها أو أتباعها وتشويههم للدعوة بل المنهج نفسه المؤطر من علماء سابقين تابعين للدعوة الوهابية، ولا يكفي الخطاب المكرور منذ ظهورها وإلى الآن من أن الدعوة تعتمد على ما جاء في الكتاب والسنة ونهج السلف الصالح فما من صاحب ملة إلا ويقول ذلك ولذا لابد من خطوات حقيقية لضمان استمرارها ومن ضمنها :

أولا: قيام أتباعها بعملية غربلة وتجديد وتنقيح لها والتبرؤ او التخلي عن المواقف المتشنجة في بعض الأطروحات القديمة، فما يُطالب به الشيعة من تنقيح لمذهبهم والتبرؤ مما هو موجود في كتبهم العقدية القديمة يُطالب به الوهابية أيضا مع تراثهم الفقهي بل والعقدي خاصة التكفير منها.

ثانيا: الاعتراف بوقوع أخطاء في الفتاوى وعدم المكابرة، والتراجع عنها خاصة ما كان منها قبل عدة عقود فبعضها ما زالوا مستمرين عليها إلى الآن، فللأسف أن التراجع والاعتراف بالأخطاء شبه معدوم لديهم، أو تبيان أنها كانت مرتبطة بظرف راهن وقت صدورها إذا كانوا يرون أن الرجوع الصريح صعب ومخجل.

ثالثا: ضرورة إدخال النسبية إلى فتاويهم وأحكامهم بدلا من تدبيجها بآيات الإلتزام والطاعة التي يصدرون بها فتاويهم، وذكر الخلاف واعتباره خاصة إذا كان يتبناه مذاهب او مجموعات بشرية في الداخل او الخارج. وفي التكفير ينبغي عدم الاكتفاء بترداد أننا لانكفر المعين، فحتى التكفير العام به مبالغة فقولهم التوسل بالصالحين شرك أو مناصرة الكافرين ردة خطأ لأنه لايوجد لهما صورة بهذه الطريقة التي يعرضونهما بها وإنما لابد من سرد كافة الاحتمالات، وإذا أرادوا تبديع أمر وهذا أكثر ما يشتهر عنهم وما يؤخذ عليهم فعليهم أن يبينوا أن هذا فيما يظهر لهم وأن التبديع مرتبط بالفعل وليس صفة للفاعل وقد يكون للمخالف جواب آخر وألا يعرضوها كبدع التحريف الكبرى التي حصلت للأديان السابقة. فهذه الخطوات الثلاث من أبرز الإصلاحات والمراجعات التي يجب أن يقوموا بها.

رابعا: عدم حث الحاكم السياسي على تطبيق القول بل حثه أو حث الأجهزة الحكومية والقضاء على عدم الإنكار في المسائل الخلافية بما فيها التي صدر بها الخلاف حديثا من علماء معاصرين، بل ولا حتى حث الناس على القول المشتهر عندهم، والتقليل من فكرة فرض الدين بالسياسة لأنها فرض بالقوة وتشوه الإسلام.

خامسا: التقليل من نظرية المؤامرة وعدم إدراجها في الأحكام والفتاوى او حتى الخطاب العام وحث أتباعها على ذلك. والتقليل من الدخول في المسائل التي هي في الأصل دنيوية كمواضيع السياسة والمرأة. والتقليل من استخدام كلمة "الثوابت" والإمتناع عن تردادها في كل صغيرة وكبيرة والاقتصار على ما خالف القطعيات الثبوتية والدلالية فقط، واعتبار الأشخاص المخالفين لهم والذين لم يخالفوا الثوابت الحقيقية والإقرار بخيريتهم سواء خالفوهم في الأصول أو الفروع وعدم التحزب ضدهم في الوظائف.

ما سبق وصفة يمكن للوهابية أن تُحدث معها تعايشا مع الأطياف الأخرى بدلا من هذه العزلة وأن تبعد عن نفسها تهمة تغذية الإرهاب، أما مسايرة العصر فتحتاج لآلية أخرى وليس هذا موضوعها الآن، مع ملاحظة أن أغلب الخطوات السابقة تنصب على الموقف أكثر من المذهب نفسه فإشكاليتها في مواقفها أكثر من الأحكام الدينية التي تتبناها، بل أقول كمتخصص أنها صحيحة ولكنها نسبية وتحتمل الصحة والخطأ كالمخالِفة لها، ولا يحق لأحد التعرض للوهابية لتبنيهم قولا فقهيا أو عقديا فإن فعلوا فهم المتشددون، وإنما يقر كل طرف الآخر في الفروع أو الأصول التي ينتهجها كمسائل التوسل والبناء على القبور وتأويل الصفات، وبما أنها مواقف فهذا يعني أن السياسي قد يدخل في عملية الإصلاح وحثهم لأن الوهابية خليط بين السياسة والاعتقاد أو التمذهب فليست مذهبا عقديا صرفا وإنما بها جانب سياسي كبير.

&