الـ دوينخ نوشا كلمة سريانية تتالف من مقطعين، المقطع الاول يعني المضحي والثاني نفس، ويكون معناها المضحي بالنفس او الفدائي، باتت هذه الكلمة الان تتردد في وسائل الاعلام العراقي والعالمي من خلال التقارير التي تنشر عن فوج الدويخ نوشا المؤلف من الكلدان السريان الاشوريين أو المسيحيين، والفوج تالف من البداية من عدد محدود من الاشخاص ممن عانى مما حدث لابناء شعبهم في منطقة سهل نينوى والموصل قبلها، وقرر العمل من اجل المشاركة في تحرير هذه المناطق من قبضة تنظيم داعش.

الفكرة تلبورت لدى الحزب الوطني الاشوري الذي تبناها ودعمها، ولكن المنضمون اليها من كل الكلدان السريان الاشوريين بمختلف انتماءاتهم السياسية. والان بعد ان ازداد عددهم وتجاوز المائة عنصر وبدأت تظهر فيهم المراتبية بما يهي ليكون نواة قوة شبه مستقلة مستقبلا تابعة للجيش العراقي او قوة البشمركة، بدا الاهتمام الاعلامي بهم ونشر اخبارهم في مختلف وسائل الاعلام المقروء والمسموع والمرئ.

ولكن لكل حركة او مخطط او فكرة ناجحة، او مرغوبة او هي رد على واقع غير مرغوب، هنالك من ارادة لتحويلها الى حالة هلامية لا لون ولا هدف لها. ففي الوقت الذي كانت فكرة الدويخ نوشي، هي رد للواقع المفروض على الكلدان السرياني الاشوريين، من خلال التعامل معهم كمتمم الديكور العراقي وليس كاحد اسس البناء الواجب مشاركتهم في بناء مستقبل الوطن المشترك، وفي الوقت الذي امن الكلدان السريان الاشوريين بالقانون وبان الوطن هو لكل ابناءه وان الجيش العراقي وقوات البشمركة هي متراس الدفاع عن كل ابناء العراق واقليم كوردستان، كان عملية الموصل وافراغ المسيحيين منها وبشكل مهين او عملية انسحاب قوات البشمركة من بلدات سهل نينوى، ضربة قاصمة للمسيحيين كافة وزرع فيهم الشك بالانتماء الوطني وبالشراكة الوطنية وان الكل يعمل لمكونه بالاساس وما الوطنية الا شعار او لزوم الدعاية السياسية ليس الا. ومن هنا كانت فكرة ان يقوم المسيحيين(الكلدان السريان الاشوريون) المشاركة في عملية تحرير مناطقهم والدفاع عنها من خلال قوات خاصة بهم يتم دعمها من قبل الدولة وتكون جزء من قواتها الرسمية وتتكفل بالحفاظ على الامن في مناطقهم حينما يستتب الامن ويعاد تشكيل الوطن وتوزيع الادارات وتاسيس المحافظة المشتركة منهم ومع الازيدية والشبك والاخرين في المنطقة. الا انه وكما قلنا وبدلا من تلاقي الايادي كلها لاجل تطوير الواقع والدفع به باتجاه يكون فيه هذا الوليد الجديد ممثلا لكل الشعب و لكل القوى ويرتفع الى مصاف مؤسسة تخدم اهداف الشعب وليس السياسين، نرى تهافت الاطراف الاخرى الى تشكيل تشكيلاتها الخاصة دون التقدم للعمل مع الجهة البادئة بالعمل، مما يحول تلك القوى ليس الى دويخ نوشي، بل فصائل حزبية بشعارات قومية لا غير.

فمثلا قامت الحركة الديمقراطية الاشورية بالاعلان انها تقوم بتسجيل الناس لتشكيل قوات لم يتم تحديد سقفها ومدة عملها وارتباطها ولكن ابقت الامر فضفاضا لكي تصح كل التفسيرات مع الايحاء بان قواتها ستكون مستقلة، وهو الامر المستحيل في الواقع الراهن، في اطار توزيع القوى الفاعلة على الارض ونوعية تحالفاتها الدولية، ولكن عملية خداع الناس سهلة وبا خص ان اغلبهم لا يعرف في الشأن السياسي والقانون شيئا. وعلى هذا النسق يحاول المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري الايحاء بانه يحبذ نوع من التشكيل يشابه الحشد الشعبي وحرس الوطني، كما نزل الى الساحة حزب بيت نهرين الديمقراطي واعلن تشكيل قواته الخاصة. من حيث المبداء يمكن فعل ذلك ويحق لكل طرف ان يحاول، ولكن من حيث الانجاز وفرض الاجندة القومية على البرنامج الوطني وجعله امرا لا بد منه لنجاح اي خطوة نحو استقرار الوطن، فباعتقادي المتواضع، ان ما يحدث سيحول القوى المسيحية الى شراذم لا دور لها، الا اعادة انتاج دورها السياسي اي ان تكون من مكملات الصورة وليس اكثر. هذا اذا نحن احسنا النية في التشكيلات والاحزاب التي تدعمها والاطراف الوطنية التي تتحالف معها. بمعنى ان قد يتم استغلال الخلافات الايديولوجية والحزبية والشخصية لتحويل الخلاف الفكري الى خلاف دموي. وهذا ليس بمستبعد في واقع ملئ بالاسلحة والناس التي تحركهم العواطف.

اليوم ان كانت الاحزاب الكلدانية السريانية الاشورية، في وارد تحقيق ما ترفعه من الشعارات، عليها ان تعما من اجل تحصين موقعها، ليس من خلال تاسيس ورفد هذه القوى المسلحة فقط، بل توحيدها وتدريبها وجعلها مؤسسة خاضعة لقرار سياسي وعسكري موحد. ان الحرب الحالية وكما يبدوا من المسار والتصريحات ستكون طويلة الامد، وعليه فالحاجة الى القوة العسكرية ستكون مستمرة، ولكي تكون القوة العسكرية في خدمة القرار السياسي، على هذه الاحزاب عدم الدخول في مهاترات الزعامة الفارغة، في الوقت الذي يرغب الغالبية بالهجرة وترك الوطن الذي ادماهم.

الواقع السياسي لا يخضع لمنطق الحق والعدل حسب القانون الوضعي، بل يخضع لميزان القوى، فمدى قوتة الشعب الكلداني السرياني الاشوري في موازين القوى العراقية، هو الذي يحدد مدى تطابق حقوقهم مع مطالبهم، واعتمادهم او تملقهم لبقية القوى العراقية، من خلال تاكيدهم انهم عاشوا في كنفهم اكثر من الف سنة بسلام ومحبة، لا يغيير امر في واقعهم ولا في تركهم لاراضبهم نحو المجهول. ولذا ومن خلال الواقع الحالي وتوزيع القوى الحالية ومع المصارحة مع الشعب وقول الحقيقة له، لكي لا يتم توزيع قواه وتتشتت باتجاهات مختلفة وكثيرة و متناقضة، على هذه الاحزاب رسم تحالفاتها ووضع قوتها ضمن اطار القوى المستقبلية والممكن التعايش معها والتي لها تطلعات متشابهة لتطلعات الشعب الكلداني السرياني الاشوري.

[email protected]