لم يلحظ التحالف الدولي ضد داعش الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق وسوريا، إلى تغييبها المكون السني المحلي في بناء تحالفاتها في العراق. فالمكون السني الذي تم تهميشه في تكوين التحالف واختيار الحكومة وتشكيلها قد يفضي إلى تقويضه بعد فشل المفاوضات المباشرة بين الولايات المتحدة والعشائر السنية.
إذ لم تتوصّل المفاوضات الأميركية مع الفصائل السنيّة المسلّحة في العراق، إلى نتائج إيجابيّة، إذ توقّفت المفاوضات الثنائية بشكل كامل، بسبب فشل التوصّل إلى اتّفاق، حول بعض المطالب التي تصرّ الفصائل على تنفيذها، مقابل التزامها بالمساعدة على استعادة السيطرة على مناطق عراقية، يستولي عليها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
يعود تعثّر المفاوضات، التي استمرت عدة أسابيع في العاصمة الأردنيّة عمّان، إلى إصرار الفصائل على التعامل مع المليشيات الشيعية، المموّلة إيرانياً كجماعات إرهابية، أسوة بتنظيمي "داعش" و"النصرة" في سورية والعراق، فضلاً عن مطالبتها بتوسيع نطاق العمليات العسكرية لتشمل تلك المليشيات وأبرزها كتائب حزب الله العراقي، وبدر وعصائب الحق، وجيش المهدي. وشهدت المفاوضات خلافات حادة حول مسألة تسليم أسلحة الفصائل، التي اعتبرته خطاً أحمر لا يمكن مناقشته، قبل معاينة تغيير على الأرض، بما يتعلق بالمليشيات الشيعيّة.
لم تنجح المخابرات الأردنيّة، الراعية للمفاوضات الثنائيّة، في إعادة الطرفين إلى طاولة الحوار، فيما أصرّ الجانب الأميركي على حاجته إلى التشاور، ومنَحَ الطرف الثاني مزيداً من الوقت، بموازاة تأكيده عدم قطع قنوات الاتصال في حال تحقيق أي تقدّم. يرى المفاوض الأميركي في مطلب الفصائل بالتعامل مع المليشيات كـ"منظمات إرهابية"، مطلباً سابقاً لأوانه، فالأمريكيون يعتبرون أن خطر تلك المليشيات محلي، وليس عالمياً كما هو حال تنظيمي القاعدة وداعش. ويرى الأميركيون أنّ من شأن أي خطوة مماثلة أن تؤدّي إلى حرف مسار وأهداف التحالف الدولي، وأن تخلق مشاكل سياسية عدّة، فضلاً عن مشاكل أمنية، لكنّهم في الوقت ذاته، قدّموا ضمانات أكيدة للفصائل، مفادها أنّ عمل المليشيات سيُجمّد، وهي لن تشكّل تهديداً على المناطق السنّية، وهو ما لم توافق عليه الفصائل".
لقد أثبتت الأزمة الأخيرة التي تعصف بالعراق، هشاشة مؤسسته العسكرية، التي كانت تُعدّ قوة يُحسب لها الحساب، وبعدما كان الجيش العراقي في المرتبة الخامسة عالمياً قبل حلّه عام 2003، بات اليوم مهدداً بالتفكك في أول اختبار يمرّ به، وذلك بعد مواجهة تنظيم داعش، ما جعل الحكومة العراقية ضعيفة المواجهة أمام هجوم داعش او العشائر السنية التي عانت الاضطهاد الديني والمذهبي إبان ولايتي المالكي.
فقد كشف تقرير "سري للغاية" صادر عن وزارة الدفاع، أن مجموع ما خصصته وزارة المالية لها ضمن موازنة العام 2014 يبلغ نحو 165 مليون دولار، في حين أنّها طلبت موازنة بقيمة 280 مليوناً. وكشف التقرير أن العجز المتوقع في موازنتها قد يصل إلى 70 في المئة.
وبحسب تقرير نشره موقع التصنيف الأميركي "غلوبل فاير باور"، فإن الجيش العراقي حلّ في المرتبة الثامنة عربياً، والـ68 عالمياً من ضمن 106 دول أُدخلت في التصنيف. وبالنظر إلى أسباب هذا التراجع، فإن المؤسسة العسكرية العراقية، شهدت هروب كبار قادتها وحتى وزرائها لأسباب عديدة، غالبيتها مرتبط بفضائح فساد وسرقات، فضلاً عن هروب قسم منهم في إثر هجوم "داعش".
وكان الوزير الأسبق للدفاع والمتهم بقضايا فساد، حازم الشعلان، هو أول الهاربين، تلاه الوزير عبد القادر العبيدي، المتهم بقضايا فساد أيضاً. كما هرب أيضاً أربعة من كبار قادة الدفاع لأسباب مماثلة، وتبعهم فيما بعد قائد "الفرقة 17" اللواء الركن ناصر الغنام، والذي تربطه برئيس الوزراء السابق نوري المالكي علاقات حميمة. كما سجل المشهد الأخير هروب كبار ضباط الجيش، منها محاولة هروب قائد عمليات "صلاح الدين" الفريق علي الفريجي، لاتهامه بمجزرة "سبايكر" التي راح ضحيتها 1095 جندياً، قبل ثلاثة أشهر، لكن سلطات الطيران أوقفته في المطار.
على الرغم من إعلان وزير الخارجية الأميركي جون كيري، خلال زيارته الأخيرة لبغداد، أنّه سيتم إعادة هيكلة الجيش العراقي وتدريبه من خلال استراتيجيات عدة وبمساعدة دول أخرى وليس الولايات المتحدة وحدها، غير أنّه لم يوضح خطته الجديدة، ما يعني ان اعتماد العراق على الميليشيات الشيعية المحسوبة على تيارات شيعية معروفة بتطرفها ومواقفها المذهبية من بقية المكونات العراقية سيزيد مستقبلاً، وهو ما ينذر بتقويض استراتيجية التحالف الدولي الجديد، وقد يستنزفه لسنوات طويلة.

هشام منوّر... كاتب وباحث