قامت القيامة الدولية على تنظيم الدولة الاسلامية متأخرة سنتين تقريبًا. فحتى الأميركي يعرف أن تردده المشوه في دعم ثورة سورية لم تكن قد تغلفت بعد بغلاف الدين كان جديرًا بوأد ثمرة التطرف في مهدها. فعندما كان النداء في سوريا "ما إلنا غيرك يا الله"، كانت الثورة على النظام السوري بعيدة كل البعد عن التأسلم، وعندما سمى الجيش السوري الحر ألويته وأفواجه بأسماء إسلامية، كان ذلك نابعًا من تربية إسلامية عادية، غير مغالية في إسلامها. وعندما تم تنصيب الشيخ أحمد معاذ الخطيب رئيسًا على الائتلاف السوري المعارض، بقي هذا في إطار سوري محلي، يلعب فيه الدين محركًا، بين محركات أخرى، لإستنهاض الجماهير، التي كانت تخرج إثر كل صلاة جمعة، بتظاهرات سلمية منادية بإسقاط النظام.

تأخر الأميركي، لكنه يبدو – ومن غير تأكيد قاطع – أنه حزم أمره لقتال تنظيم الدولة الاسلامية. ونقول من دون تأكيد قاطع لأن ثمة هواجس تدور في الصدور، تأججت مع إعلان التحالف أنه يعد العدة لضرب التنظيم في العراق وسوريا. فالضرب لم يأتِ مفاجئًا، كما هي أصول الحروب، بل كان ثمة وقت كاف للتنظيم كي يعيد انتشاره، متوقيًا من الغارات، وهذا ما يجعل الحملة غير مجدية من دون قوات برية على الأرض.

وكان الضرب موجهًا، كما قال مسؤولون عسكريون اميركيون، على مراكز القيادة والتحكم والاتصال التابعة للتنظيم في سوريا، فتبين أنه استهدف مراكز أخلاها التنظيم سريعًا قبل الغارات. وكذلك، استهدفت طائرات التحالف مصاف للنفط غير رئيسية، وبالتالي لم تحرم التنظيم من مصادره المالية الكبرى.

وبادرت الولايات المتحدة، مع نفر قليل من الحلفاء، بشن الغارات قبل أن يتضح شكل التحالف أو حجمه، ومن دون تدخل بري يستفيد من الغطاء الجوي للسيطرة على الأرض التي ينبغي أن يخليها عناصر التنظيم بفعل الغارات.

أما شكل التحالف وحجمه، فهو ما يزيد الهواجس، إذ غابت الوحدة في القرار، وتأخرت بريطانيا ايامًا، بعدما بدأت الولايات المتحدة وفرنسا ودول عربية تشن الغارات في سوريا. وأعلن جون كيري، وزير الدفاع الأميركي، أن التحالف يضم 40 دولة، بينما لم يتجاوز عددهم حتى الآن 15 دولة. وهذا يوحي بوجود تعارض في الرأي حول استراتيجية الحرب على التنظيم، التي أعلنها الرئيس الأميركي باراك أوباما. لربما كان أحد الأسباب هو التضارب في المعلومات، وهذه نكسة إستخبارية للغرب، إذ كان التقدير الأولي لعديد التنظيم 20 إلى 25 ألف رجل، وإذ به يقفز إلى أكثر من 50 ألفًا، يحتاج قتالهم برًا إلى تدريب أكثر من 15 ألف مسلح سوري "معتدل".

وتدريب هؤلاء لا يتم بين ليلة وضحاها، بل يستغرق سنوات، لذا لا يستغرب أن يقدر وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل زمن الحملة على التنظيم بما يتراوح بين شهرين وعقد من الزمان. وهنا الهاجس الأكبر: هل يستمر التحالف صديدًا كل هذا الزمن، علمًا أن التكلفة اليومية للغارات التحالفية تصل إلى 400 مليون دولار، بينما كل الدول المشاركة تنوء تحت مصائب إقتصادية قاسية؟ وهل يستمر الدعم الشعبي السني "المعتدل" لهذه الحملة، بعد مشاهد المدنيين القتلى بفعل صواريخ التحالف؟

لن يطول أمد هذا الدعم الشعبي السني المعتدل، خصوصًا إذا صحت الشائعات المتواترة، والتي تقول إن بريطانيا وفرنسا تفضلان حصر المعركة الآن في العراق، وحجتهما أن تعزيز الجيش العراقي يمكن أن يحوله إلى يد برية تسيطر على المناطق التي تدفع الغارات بالتنظيم إلى إخلائها، بينما هذا غير متوافر اليوم في سوريا، بانتظار بلورة قوة من مقاتلي المعارضة، تلعب هذا الدور، أو الاتفاق مع النظام السوري، لعقد هدنة بين جيشه وبقايا الجيش السوري الحر والكتائب المعتدلة، من أجل الاجهاز على التنظيم، وتأجيل الصراع السوري الأساسي إلى حين ميسرة.

إلا أن ثمة من يشكك في هذا السيناريو، خصوصًا إذا طالت الضربات المدنيين. فالاتفاق مع النظام سيدفع بغالبية الكتائب السورية المعارضة، التي كانت تقاتل التنظيم، إلى الوقوف معه أمام "الغزو الغربي"، فتتوحد البنادق المتعارضة، وتصعب مهمة القضاء على التنظيم.

وثمة أطراف غربية أخرى تطرح الاستفادة من انفتاح طهران على الغرب، الذي يبديه الرئيس حسن روحاني، من أجل الإستعانة بقوات إيرانية للقضاء على التنظيم في العراق، وتاليًا في سوريا، طالما أن قوات من الحرس الثوري الإيراني موجودة أصلًا وتشارك في الدفاع عن النظام السوري هناك. وإن كان هذا يسبب حساسية خليجية، تعاظمت بعد سقوط العاصمة اليمنية صنعاء بيد الحوثيين الشيعة، المدعومين من إيران، فلا بأس من تدخل تركي في الأراضي السورية، الحدودية على الأقل، ما يبرر الحشد التركي الهادىء على الحدود السورية.

حتى الساعة، التخبط في التحالف هو سيد الموقف، بينما تنظيم الدولة الاسلامية مستمر في سيطرته على أراض جديدة، لن تكون آخرها عين العرب (كوباني)، المهددة بالسقوط بين لحظة وأخرى. وحتى الساعة، تتزايد الهواجس بينما صار شغل السوريين الشاغل هو التفريق بين صاروخ توماهوك الأميركي وبرميل النظام السوري.

&