تثير عملية قتل جهاديين إسلاميين لصحافيين في مجلة شارلي إيبدو مرة أخرى سؤالاً لطالما ساور الجميع: هل يربح الإرهاب؟ إجابتي هي: كلا لن يربح، فحتى لو ولّد الإرهاب الحرارة، لكنه لا ينتج ضوءًا.

أمير طاهري: في العام 1947، أصدر روح الله الخميني، الذي كان وقتذاك ملا من المستوى المتوسط في قم، فتوى تجعل من واجب المؤمن أن يقتل احمد خسروي. وتطلَّب الأمر مجموعة من ثمانية مؤمنين للتخطيط لجريمة القتل وتنفيذها بعد أشهر. وقال الخميني، الذي غمرته الفرحة، للمحيطين به إنه تخلص من رمز للعقوق هذا إلى الأبد.

حسد شخصي

كان خسروي وقت مقتله من كبار المثقفين الايرانيين، رجلًا نهوضيًا بحق، وحقوقيًا في المحكمة العليا، ومؤرخًا مرموقًا، وخطيبًا مفوَّهًا، واستاذًا في النثر الفارسي، ومؤلفًا تصدرت أعماله أكثر الكتب مبيعًا.

لكن لماذا كان الخميني يريد قتله؟ هل كان السبب نجاح خسروي في إعطاء الايرانيين قراءة مغايرة لتاريخهم وثقافتهم؟ أم لأن خسروي أخضع المذهب الشيعي لتمحيص نقدي دقيق؟ أم ربما كان هناك حسد شخصي إذ كان الخميني نشر لتوه كراسه الطفولي الموسوم "كشف الأسرار"، ولم يلق عنه سوى تثاؤبات وتقطيبات وقهقهات من القلة الذين تجشموا عناء تصفحه، بينما كان نشر خسروي لأي من كتبه حدثًا وطنيًا تتردد اصداؤه في كل المجتمع.

لا يُقرأ

لكن التاريخ لا يُكتب سلفًا على الاطلاق. وبعد ما يربو قليلًا على ثلاثة عقود، كان الخميني سيد ايران يعدم اعداءَه الحقيقيين والوهميين بالآلاف. ونُبش كتاب خسروي من المكتبات والمجموعات الخاصة لحرقه، وعبث جلاوزة خمينيون بقبره. ولكن هذا ايضًا لم يكن نهاية الحكاية.

روح الله الخميني

&

فاليوم، يعود خسروي ليكون من أقرب الكتّاب إلى قلوب الايرانيين وأكثرهم قراءة، في حين أن كتب الخميني الأميِّة على نحو محرِج، التي تنشرها الحكومة بطبعات باهظة الكلفة وكثيرًا ما تُوزع مجانًا، لا تُقرأ ابدًا لأنها عصية على القراءة.

هذا كله يبين أن الإرهاب لا يجدي على المدى البعيد، بل هو في الواقع أداة السياسيين الكسالى فكريًا.

كان الخميني يعرف بعجزه واتباعه عن تحدي خسروي في مضمار القانون والتاريخ والأدب. فما كان بمستطاع الخميني أن يؤلف كتابًا بمستوى أي من كتب خسروي، أو ينافس معرفة خسروي بالفقه الاسلامي والتاريخ الايراني من دون سنوات من الدراسة الجدية، غير المتوافرة في قم، من دون انضباط فكري لم يكتسبه يومًا.

نهج إرهابي

لم يتمكن الخميني من تحدي آية الله العظمى كاظم شريعتمداري في الفقه. فأمر بوضع شريعتمداري تحت الاقامة الجبرية وإسكاته. ثم جاء دور آية الله العظمى حسين علي منتظري كي يُسام معاملة مماثلة. ومات العديد من رجال الدين الكبار في ظروف غامضة، ربما ضحايا الجني الإرهابي المنفلت نفسه.

شريعتمداري مع الخميني

&

يقتل الإرهابي لأنه لا يستطيع التنافس مع خصومه، وبدلاً من الرد على رواية سلمان رشدي، سيئة البناء وغير المقروءة، برواية محكمة الحبكة وحسنة الصياغة، دعا الإرهابي إلى قتله. والإرهابي لا يستطيع تحدي فيلم تيو فان كوخ الوثائقي المثير للجدل بفيلم أفضل فيقرر طعنه حتى الموت.

ويزخر تاريخ الإرهاب الاسلامي المعاصر بالأمثلة على القتل بدم بارد، بناء على اوامر اولئك الذين لم يتمكنوا من منافسة أندادهم في الميادين الأدبية أو السياسية أو الاجتماعية أو الفقهية.

ومع صعود العولمة، يستطيع الإرهاب الاسلامي الآن أن يضرب خارج حدود العالم الاسلامي. لكن العقلية الكسولة نفسها هي العاملة هنا ايضًا. فالإرهابي يعرف أنه غير قادر على بناء حضارة بديلة قادرة على التنافس مع الحضارة التي يحتقرها فيحاول تدمير ما يصبح سبب مهانته.

المقال بالانكليزية هنا

&

يريد طريقًا مختصرًا

السياسة شأن جاد يتطلب عملًا مضنيًا، تحتاج إلى ايجاد طرق لإبقاء المجتمع في وئام مع تلبية حاجاته الأساسية، وتوفير الظروف لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وكتابة قصيدة وانشاء بناية وتأليف سمفونية ورسم لوحة وإعداد دراسة فقهية وانتاج فيلم ليس بالأمر السهل، لكن من السهل تفخيخ سيارة.

فالعمل "الفكري" الذي انجزه الملا محمد عمر، زعيم طالبان، يتألف من 30 صفحة من الهذر ضد الكفار. لكن العمليات الإرهابية التي نظمها وشارك فيها منذ العام 1992، عندما جندته الاستخبارات العسكرية الباكستانية، تُعد بالمئات.

فالإرهابي لا يحتاج إلى تطوير سياسات وبناء تحالفات وتعبئة مواقف شعبية مع برامجه. فهذا كله يتطلب عملاً شاقًا، مثل الفوز بانتخابات. والإرهابي لا يحب العمل الشاق، فهو في عجلة من امره ويريد طريقًا مختصرًا نحو أهدافه، حتى إذا كان ذلك يعني تحويل نفسه إلى قنبلة بشرية.

زعيم طالبان الملا محمد عمر

&

والإرهابي لا يصبر على بشر أقل منزلة منه، يناقشون ويردون ويرفضون الالتزام بشيء ما لم يقتنعوا بتحليله عقلانيًا. وهذا كله يعني سياسة، وهو شيء يخافه الإرهابي. لا وقت لدى الإرهابي لإعداد قهوة على الوجه المطلوب بل قهوة آنية هي كل ما يريده.

الذبابة الإرهابية

الإرهابيون دائمًا يذكرونني بقصة قصيرة لفولتير، فيها ذبابة يغيضها صوت دقات الساعة على الجدار، فتقرر تدمير "الوحش". لكن ليس لديها وقت لتستكشف كيف تُصنع الساعة، ولماذا هي موجودة هناك، وما إذا كانت هناك طرق أخرى للتخفيف من صوت دقاتها. الذبابة إرهابية، تريد نتائج آنية من محاولة واحدة، لذا تقرر الاندفاع صوب الساعة مثلها مثل واحد من انتحاريي هذه الأيام.

عقارب الساعة تتوقف جزءًا ضئيلًا من الثانية، ثم تواصل احتساب الوقت بلا هوادة بدقات عالية ابدًا. لكن ذبابتنا التي تبحث عن الشهادة تسقط ارضًا، مسحوقة وهامدة بلا حياة. وبعد هنيهات تكنس المنظفة جثة الذبابة الشهيدة الانتحارية إلى المزبلة.

فالإرهاب لا يمكن أن يربح ابدًا. فقد يولِّد الكثير من الحرارة، لكنه لا ينتج ضوءًا. ومن دون الخوض عميقًا في التاريخ، فإن نظرة على العقود القليلة الماضية لا تقدم مثالًا واحدًا على تمكن الإرهاب من تغيير مسار المجتمع ناهيكم عن تحويله بالكامل.

مجرد ملاحظة

ربما تسبب الإرهابيون في الجزائر بموت ربع مليون شخص منذ العام 1992، لكنهم أبعد عن نيل السلطة من أي وقت مضى، بل إن نسختهم من الاسلاموية فقدت كل فرصة لايجاد مكان لها في الجزائر.

واسفرت الحروب الإرهابية في تركيا ومصر إبان الثمانينات والتسعينات عن مقتل أكثر من 60 الف شخص، لكنّ الإرهابيين لم يحققوا سوى لعنة الشعب، وربما إدانة أبدية.

وبعد عقد على هجمات 11 ايلول (سبتمبر)، نيويورك اليوم مدينة حيوية أكثر من أي وقت مضى. فأسعار عقاراتها تناطح السحاب لكنها تستضيف رقمًا قياسيًا من الشركات والزوار. وبعد هجمات 7 تموز (يوليو) بفترة وجيزة، عادت لندن، كما ساعة فولتير، إلى حياتها الطبيعة. والشيء نفسه سيحدث في شرم الشيخ ما إن تُزال انقاض الهجمات، فتبقى الشمس تشرق ويبقى البحر الأحمر مغريًا.

وبعد الف عام، سيُذكَر خسروي الكاتب والمفكر الايراني العظيم، في حين يبقى الخميني ملاحظة على هامش التاريخ، مثله مثل كثيرين من الطغاة الدمويين الذين جاؤوا، وقتلوا ثم رحلوا. ألم تسمعوا بجنكيز خان؟

*أمير طاهري، عضو سابق في المجلس التنفيذي لمعهد الصحافة الدولي