الزيارة التاريخية، والدخول الجغرافي للرئيس المصري للكاتدرائية المرقصية للمصريين المسيحيين بالعباسية بالقاهرة، أثناء الاحتفال بقداس عيد الميلاد، هما ما شجعاني على أن أكتب عن المكالمة الهاتفية التي جاءتني مِن ديوان رئاسة الجمهورية بعد زيارة الكاتدرائية بعشرة أيام.

السابعة صباح يوم الجمعة، الأجازة الأسبوعية للمصالح الحكومية، ومع ذلك أتلقى مُكالمة هاتفية مفاجئة جادة مِن ديوان رئاسة الجمهورية. المفاجئة السارة، وجدية المكالمة وعدم توقعها، إلا أن توقيتها يَدُل على يَقظة المسئولين،وإصرارهم على العمل المُنظم المُبكر الجاد.

حقًا، كَمْ نَحتاج إلى جدية العمل وتنظيمه أكثر مِن تلك الأوقات الضائعة في مُمَارسة العبادات والطقوس الدينية في أوقات العمل الرسمية.

أبلغني الفاضل المتصل، بعد التعريف بنفسه، بأن أكون مُستعدا غدًا لمقابلة هامة في ديوان رئاسة الجمهورية لحوار شخصي وسماع وجهة نظر أحد أفراد الشعب المصري الذي أعلن رأيه صراحة في أكثر مِن برنامج تليفزيوني شهير بأن له موقف مِن الأديان.

طبعا، شكرت سيادته على تقديره واحترامه، وأكدت أنني لَستُ مُمَثلًا لأي فئة أو طائفة أو جماعة مِن أي عقيدة أو مَذهب أو خَلفية، أنا أُمثل شخصي فقط. وأوضحت له أنني باحث وقارئ، وكل ما يَهمني هو المعاملة الحسنة الراقية بين أفراد الوطن، وأن يَعيش الإنسان في جو إنساني راقي، والعلاقة بين الفرد وما يؤمن به هي علاقة شخصية، لا تتدخل فيها الدولة. فالدولة كيان محايد، ليس له هوية دينية، وبالتالي فيجب أن يُقّدِر جميع الهويات الدينية لجميع المواطنين بالتساوي، حتى لو كان فرد واحد له إيمان مختلف عن الجميع.

كَان الفاضل المُتصل عند حُسن ظني في سماع وجهة نظري الأولى عبر الهاتف.

بعد انتهاء المُكالمة واستعراض تفاصيل بروتوكول المقابلة، كتبت هذا الخبر على حسابي في موقع التواصل الاجتماعي على الفيس بوك، مُناشدًا أصدقائي ممن لهم موقف مشابه مِن الأديان، أو المتدينيين المصريين، ولهم طلبات خاصة يريدون أن ينقلوها مِن واقع المجتمع للسيد المسئول بعيدًا عن التقارير الرسمية الروتينية.

وقد أستأذنت أصدقائي الأعزاء أن أنقل مَا يكتبونه لكي يصل للسيد المسئول مِن على لسان حال فئات متنوعة مِن الشعب المصري، ربما لا يَعرفهم ولا يَعرفونه، وتكون هذه الزيارة فاتحة خير للتواصل المباشر بين مَسئول هام في ديوان رئاسة الجمهورية وبين فئات متنوعة مِن الشعب المصري.

وكانت هذه بعض مِن الطلبات التي نَقلتها عن أصدقائي الأفاضل:

السيد الفاضل المسؤول، إذا كنت تَسعى لأن تكون مصر دولة مَدنية حَديثة تَتماشى مع مُعطيات العصر الحديث فعلى سيادتكم تغيير استراتيجية التعليم المصري مِن جذوره، وأول هذا التغيير يَتمثل في إلغاء التمييز الديني والتربية الدينية في المدارس، لكي تَكون الأخلاق العامة هي السائدة بين التلاميذ وبالتالي بين الشعب عامة، ومَن يُريد أن يَدرس أمور دينه، فعليه بالذهاب إلى مكان عبادته. وفي هذا الإطار يجب وخلال أقل وقت ممكن السماح بالدراسة للمختلفين في العقيدة بالدراسة في أي مؤسسة دينية متواجدة على أرض مصر. ويجب أن يكون التعليم الديني في جميع مستوياته تحت إشراف ومتابعة الدولة، ليس مِن باب التدخل في حرية التعبير، لكن لكي تكون كل المناهج منصهرة في بوتقة الوطن المصري. توثيق وترسيخ مبدأ قبول الآخر في مناهج التعليم، تتطلب تعريف بعقائد هذا الآخر وعاداته ومبادئه وتعاليمه.&

إطلاق الحرية الكاملة للتعبير عن الرأي والمعتقد، وحرية تغيير الفرد المستقل لعقيدته دون مُتابعات ومُلاحقات مِن أي نوع أو مستوى بعض مِن أصدقائي أجبروا على تَرك أعمالهم بسبب معتقداتهم المغايرة، أو تعبيرهم عن ذلك في وسائل الإعلام وهذا يتطلب إلغاء خانة الديانة مِن الأوراق الثبوتية، ليكون جميع أفراد الوطن متساويين أمام القانون الذي لا يُفرق بِناء على خلفية أو عقيدة أي مواطن أيًا مَا يَكون.

السيد المسؤول الفاضل، نطالبك بأن تسود يد الدولة العليا على قوانين الأحوال الشخصية بالتساوي بين كُل أفراد الشعب على اختلاف طوائفهم ومللهم ونحلهم، دون أن يَكون لمؤسساتهم الدينية السلطة العليا على الدولة. وفي تجربة الدول المتقدمة أمثلة معبرة عن ذلك،فمَن أراد أن تُباركه مؤسسته الدينية فعليه بالتوجه الفردي لها دونما فرض ذلك على غيره، أو دون أن تكون للمؤسسات الدينية تدخل في صنع القوانين الاجتماعية.

حرية الرأي والتعبير هي مِن المتطلبات العامة التي لم يختلف عليها اثنين مِن أصدقائي، وطالبوا مني إبلاغ السيد المسئول بإلغاء العمل بالقوانين سيئة السمعة مثل قانون إزدراء الأديان، لأن الإنسان الواعي العاقل، في عصر الانفتاح المعرفي، هو الذي يُقرر بذاته متى يَختار، وكيف يَختار مَن يَعبد، أو كيف يَعتنق مِن آراء ومعتقدات، الأهم هو أن يَسود قانون واحد على الجميع يساوي بينهم، ويطلق حرية الراي والمعتقد إذا كان لا يتعدى على حرية المحيطين به في المجتمع، حتى لو كان فردا واحدا.

مجموعة راقية مِن أصدقائي، طالبوني بأن أنقل طلبات حرية العبادة لكل الأديان، أيًا مَا تكون مَرجعيتها، سواء ما يُسميه البعض "سماوية" أو مَن يسميه البعض "وضعية"، فيجب أن يكون مِن منطلق حرية العقيدة أن يكون الجميع سواسية أمام القانون العام، سواء مِن أصحاب الديانة الأكثر انتشارا، أو الأقل انتشارا، فيجب أن يكون الجميع على قدم المساواة في التعامل كمواطنين، لهم ما للجميع مِن حقوق، وعليهم ما على الجميع مِن واجبات. فعلى سبيل المثال، ينال المصري "البهائي" ما للمصري "السُني" مِن حقوق، كما يتمتع "الشيعي" ما يتمتع به "المصري المسيحي الأرثوذكسي"، وكذلك "المصري المسيحي البروتستانتي" مثل "المصري المسيحي السبتي" أو"شهود يهوه" أو حتى "عابدي الحجر" ماداموا لا يؤذوا غيرهم بهذا "الحجر".&

كثير مِن أصدقائي كانوا في غاية الحزن لأجل الحكم على الطالب الجامعي "كريم البنا" الذي أخذ حُكم ثلاث سنوات سجن، ليس بسبب انضمامه لتنظيم إرهابي، أو ممارسته تهريب أسلحة أو تخريبه لمباني جامعته، ولكن للأسف بسبب كتابته "بوست إلحادي" غير ما يقبله المجتمع على حسابه في الفيس بوك، على اعتبار أن ذلك إزدراء بالأديان المعترف بها في مصر. حقيقي، كم هو موقف مؤسف وإزدراء بقيمة الإنسان المصري، أن يُسجن طالب جامعي مصري لأنه عَبّر عن رأيه المختلف والمغاير لمعتقدات المحيطين به.

السيد المسئول الفاضل، الإعلام هو البوق الذي يُمكنه أن يُغير ويساعد على التغيير، إذا اتيحت الفرصة أمام الجميع للتعبير عن آرائهم بحرية ودون خوف مِن تبعات القوانين سيئة السمعة التي تطارد أصحاب الآراء المختلفة. هواء الحرية يُطهر ويَطرد ديدان التخلف التي تعشش في البرامج التي تدعو للغيبيات وتبيع الوهم للبسطاء. إتاحة حرية الإعلام يتطلب فورا إلغاء الجمارك عن الورق المستخدم في طباعة الكتب والمطبوعات والجرائد، وزيادة دعم وسائل الاتصالات، لاتاحة الفرصة أمام المعرفة الحرة لكي ينضج أفراد الشعب، ويكونوا أكثر قدرة على التماشي مع الدول المتقدمة المبدعة.

أصدقائي القراء الكرام، مِن حقوقي الإنسانية أن "أحلم" بغٍد أكثر إشراقًا.

مِن حقي أن "أحلم"بمُعاملة إنسانية في وطن يَسع الجميع دون تفرقة بِناء على عقيدة أو مذهب أو دين.

مِن حقي أن "أحلم" بمقابلة أعلى مسؤول في وطني، وأن يَستمع إلى أحلامي وأن يُحققها لي مادامت تَتماشى مع إنسانية الإنسان طبقًا لمواثيق حقوق الإنسان العالمية.

&

[email protected]