&
بداية لابد من التنديد بالعملية الإسرائيلية التي استهدفت قياديين من حزب الله في الجولان السوري، كان برفقتهم عسكريون من إيران، لأنها ليست أكثر من عملية اغتيال موصوفة تنم عن جبن مرتكبها، وهي عملية موجعة تعيد إلى ذاكرة قيادة الحزب، عملية إغتيال أمينه العام السابق عباس الموسوي، وتفتح أبواب النقاش حول جديّة الاختراق الأمني الذي أدى لنجاح العملية، قبل أي حديث عن إمكانية الرد وطبيعته وتوقيته، وإذا كان الحزب يعلن أن "هذا الإستهداف يأتي في إطار الحرب المفتوحة مع العدو الإسرائيلي"، ويؤكد أن "الردّ قادم لكن لا أحد يعرف متى وكيف وأين وأن الوقت للفعل وليس للكلام الآن"، فإن المؤكد أن القرار ليس بيد الحزب منفرداً، وأن تداخلات إقليمية معروفة تؤثر فيه وتشارك في القرار.
يؤكد كثيرون أن العملية كانت رداً على التصريحات التصعيدية، التي أطلقها الشيخ نصر الله من فضائية الميادين، وهي في هذا الإطار تشكل تحدياً علنياً من إسرائيل، ربما لو كان الظرف الاقليمي مناسباً لاستوجب رداً، وقد وجد الحزب نفسه محشوراً أمام جمهوره وأمام حلفائه الإقليميين، في الفترة التي تشهد انفتاح الأبواب أمام عودة المفاوضات النووية بين إيران والدول الكبرى، وما يرافقها من حرب نفطية تؤثر على وضعها الاقتصادي، لكنها لاتسحب من يدها قرار الرد على عملية القنيطرة، والسؤال هنا كيف يكون شكل ذلك الرد؟ وهل يتم بفتح احدى الجبهات على غرار ما حدث في حرب تموز؟ وهي مسألة يبدو أن ايران ليست على استعداد لها حالياً، وربما يكون الأفضل تأجيل قرارها، إلى ما بعد تبين نتائج المفاوضات النووية، وإلى حين ذلك فإن مهمة حزب الله ستنحصر في دراسة تفاصيل العملية، والبحث عن أي خروقات أمنية أدت إلى نجاحها، دون التقليل من أهمية الخرق الكبير على يد محمد شوربه، واكتشاف عمالة عدد من قادة الحزب لصالح الموساد.
جاء الرد الإسرائيلي سريعاً على نصر الله، لم تفصله غير ثلاثة أيام على تصريحاته التصعيدية، انقضت الغارة على موكب قيادييه بمن فيهم الإيرانيون، لتستكشف مدى جدية المقابلة التصعيدية، كان نصرالله أكد أن الاعتداء على محور المقاومة، في سوريا وغيرها يعني أن المقاومة سترد، وأن حقها في الرد متوقع في أي لحظة، خصوصاً إن كان عملية قتل متعمدة، وليسمح سماحته لنا بالسؤال ألم يُقتل عناصر الموكب في القنيطرة عمدا؟، كانت ماكنة الحزب الإعلامية تجندت للتعبئة، حتى جاء خبر عملية القنيطرة، فدب الارتباك، حيث تنقل فضائية الحزب عن المواطنين أن إسرائيل لا تجرؤ على الاعتداء، وأن الردع وتوازن الرعب يمنعانها من ذلك، كان الفارق هائلاً بين ردع متخيل وجبروت لم يتعدى ما اعتدناه من خطاب مرتفع نعرف أنه بلا مضمون عملي، وبين واقع تستبيحه إسرائيل بطريقة قاسية ومهينة.
يقف حزب الله في مواجهة ثنائية شديدة القسوة، فهو لا يستطيع إلاّ أن يرد، ولكنه غير قادر على ذلك، لأن جمهورية ولي الفقيه ليست مستعدة لفتح جبهة قد تدمر كل ما بناه حزبها اللبناني، دون أن تكون في النهاية قادرة على تغيير جدي في معادلة موقع إسرائيل وواقعها السياسي والعسكري والجغرافي. فالحزب المقاوم والممانع يؤدي اليوم وظيفة واحدة، وهي خدمة طهران وسياساتها، خصوصاً المتعلقة منها بالوضع في سوريا، حيث يعني سقوط دمشق عندها انفراط مسبحة نفوذها الذي يفتش اليوم عن جغرافيا جديدة وبديلة، ربما يكون مسرحها يمن الحوثيين، لايعني ذلك أن أصحاب الرؤوس الحامية في طهران لايفكرون في التحرش بإسرائيل لصرف النظر عن نشاط إيران في مواقع أخرى، وربما تحضيراً لرد فعلها على نتائج مفاوضاتها النووية، سلبية كانت أو إيجابية.
في الأثناء يواصل الحزب مكابرته، فيشيع أن البيئة الحاضنة لقوته، رغم شعورها بالقلق وإدراكها أن أي حرب مقبلة ستكلفها الكثير من التضحيات، فإنها متمسكة بثوابتها، وهي تؤيد كل ما تقرره قيادة الحزب دون نقاش، غير أن الواقع يقول إن الخوف والحذر يظهران جلياً لمن يجوب شوارع الضاحية، والناس تتابع بدقة آخر المستجدات، فالحرب القادمة إذا وقعت ستحمل المزيد من الويلات، العنفوان والخوف هما المسيطران على أجواء الضاحية عبر ثنائية المطالبة بالرد، والخوف من شراسة الرد على الرد، ثمة من يدعو الناس للتجهز للحرب، باعتبار أن هذه الطريقة، تستبق الحرب، لدرجة الوصول إليها قبل أن تبلغهم، يقلقون وينتظرون، يتجهزون في ظل الخوف، ولكن عندما تلقي الطائرات صواريخها، فإنها لا تداهمهم، فقد انتظروها، وهي لذلك لن تثير هلعهم، سيخافون فقط، ويظلون على هذا الوضع حتى تقضي عليهم، أو تنتهي الحرب.
هل يدرك حزب نصر الله عمق المأزق الذي زج لبنان فيه بارتهانه لسياسات طهران على أسس محض مذهبية، ووضع وطن الأرز في دائرة انتظار جهنمية فحواها "الرد ليرد على الرد".

&