سبق ان اوضحنا في مقالة سابقة ان التمدد الجغرافي الذي حققه نظام الملالي لن يقود الى نتائج ايجابية للنظام كما يعتقد او يتمنى، لان مسار التاريخ يفيد ان الامبراطوريات الكبرى قد انكفأت بعد ان توسعت على حساب الاخر، فامبراطوريات الرومان واليونان والهكسوس والفرنجه ( الصليبيون ) وبريطانيا العظمى وفرنسا وهولندا والبرتغال واسبانيا كلها توسعت واستعمرت وقتلت شعوب الدول التي استعمرتها، اجبرت بالتالي الى الانكفاء داخل حدودها، وكذلك تجارب الولايات المتحدة في فيتنام والعراق واليوم في افغانستان قد فشلت واجبرت ان تسحب قواتها الغازية بفعل ضربات المقاوميين الوطنيين في تلك البلدان. ولم يشذ عن تلك الامثلة الامبراطورية الايرانية التي توسعت على حساب العرب ولكنها انكفأت الى داخل حدودها.

لقد كان نظام الملالي في ايران وما زال يصدر الارهاب من خلال ثقافة التطرف وتمويل شبكات الارهاب في الخارج تحت مسميات عدة. ورغم كل ما ظهر من عمليات ارهابية نسبت الى نظام الملالي الا ان الدول الغربية ما زالت تتخبط وتكيل بمكيالين، تتهم الملالي بالارهاب علنا، وتمارس معه زواج المتعة وتفاوضه وتصبر عليه في المفاوضات الخاصة بالملف النووي، وبالمقابل يناورنظام الملالي كأكبر لاعب ورق او لاعب شطرنج، وهكذا يختلق الازمات في الخارج لكي يكسب الوقت الكافي لترتيب اوضاعه وفرض شروطه على الغرب. ولا بد من الاعتراف ان الملالي قد حققوا بعض مرادهم لاسكات الداخل الايراني ولجم الاصوات المطالبة بالحرية والاصلاح الحقيقي وليس اصلاح حسن روحاني الذي شهد حكمه اكثر عمليات الاعدام وارهاب الناس الابرياء وخاصة النساء اللواتي تعرضن لرش وجوههن بالاسيد والمواد الحارقة الاخرى.

لقد حقق الملالي الكثير من طموحاتهم التوسعية لاستعادة الامبراطورية التي رسم ملامحها الشاه من قبل وساعد في ذلك بريطانيا العظمى، صاحبة مشروع تقسيم الوطن العربي وزع الكيان الصهيوني في قلبه.

ولم يجد الملالي حرجا في ان يتعاونوا مع مدرسة الارهاب التي ساعدت الولايات المتحدة في انشائها في افغانستان الا وهي القاعده، وقد نشرت العديد من التحقيقات حول تواجد رجال القاعدة فوق الاراضي الايرانية، وكيف فتحالنظام لهم معسكرات التدريب وامدهم بالسلاح لمواصلة اعمالهم الارهابية في الخارج واستخدامهم بما يخدم مصالحه الخارجية.

لقد بذل الملالي المليارات من الدولارات لامداد الاحزاب والمليشيات في خارج ايران على حساب الايرانيين الذين يعانون من ضيق العيش في ظل انهيار سعر العملة الايرانية مقابل العملات الاجنبية، ولا سيما في ظل انهيار اسعار النفط التي وصلت الى دون الخمسين دولارا.

يعتقد الملالي انهم سوف يقطفون ثمار التوسع الجغرافي سواء في العراق او سوريه او اليمن او لبنان، ولكن تلك الاماني بعيدة المنال، لان هذه الدول انهكتها الحروب والفتن التي اشعلها

نظام الملالي اصلا، واصبحت ميزانياتها خاوية حتى العراق البلد النفطي بات على ابواب العجز في ميزانيته السنوية لاكثر من سبب، اولها انهيار اسعار النفط، وثانيها : كلف الحرب والصرف على المليشيات الطائفية التي تحارب بصورة عبثية لا تخدم الا مصالح نظام الملالي والكيان الصهيوني الكامنة في تقسيم الوطن العربي الى دويلات طائفية ودينية وعرقية يسهل السيطرة عليها. وثالثها : فساد الحكام الذين عينهم نظام الملالي امثال المالكي فنُهبت ثروات العراق ووضعت في البنوك الاجنبية. اما سورية التي مضى على الانتفاضة الشعبية فيها ثلاث سنوات فقد تم تدمير البنى التحتية فيها، ويقدر كلفة اعمار ما دمرته الحرب ب 300 مليار دولار. اما اليمن فكان يعاني من ضائقة مالية قبل الانتفاضة التي عزلت علي عبدالله صالح من الحكم، لنفس الاسباب العراقية تقريبا، اي شح الموارد وفساد الحكام من حاشية الرئيس، وانخفاض اسعار النفط. التوسع له ضريبة باهضة التكاليف وليس بمقدور ايران ان تتحمل هذه التكاليف في ظل الاوضاع الدولية والاقليمية الراهنة.

بعد جملة العوامل الانف ذكرها لم يعد باستطاعة نظام الملالي ان يتحمل كلف التوسع الارهابي في الخارج ولاسيما ان الاوضاع الداخلية غير مستقرة سياسيا فهناك انقسامات في بين اركان السلطة في ايران، وقد برز اسم رافسنجاني مرة اخرى الى واجهة الاحداث، وقد يتحرك مع اتباعه للانقلاب على سلطة الخامينئي، ولكن هذه المهمة صعبة ومكلفة وقد تتطلب مدة زمنية اضافة الى الاعباء الاخرى. وينطلق رافسنجاني وامثاله من الضائقة الاقتصادية في ايران في ظل انهيار اسعار النفط وانهيار سعر العملة وارتفاع اسعار المواد الغذائية، وكذلك من الاوضاع الامنية القاسية التي يعيشها المواطن الايراني الذي ينشد الحرية وقول الحقيقة، ويقابلها عنف ضد المناوئين لنظام الملالي، يتمثل بالاعدام في الساحات العامة، ومطاردة الطلبة في الجامعات، ومطاردة النساء بدعاوى عديدة ومعاقبتهن برش وجوههن بالاسيد الحارق.

لقد برز الصراع جليا بين اركان النظام وظهر ذلك جليا في الصحف الحكومية. التي صعدت من هجومها على حكومة روحاني بشكل غير مسبوق مقتبسة عبارات من تصريحات الخامنئي. وعلى سبيل المثال عبارة تقول " هل تسمح لنا نخوتنا "، ان لا نتوحد. كما هاجمت صحيفة «رسالت» رئيس النظام الإيراني حسن روحاني بالتعبير عن مواضيع خاطئة. بينما اعتبرت صحيفة أخرى تابعة الى الخامنئي، تصريحات روحاني بمثابة إلحاق «خسائر لاتعوض» بالنظام الإيراني. وفي المقابل جاء في موقع «خبر آنلاين» التابع لرفسنجاني- روحاني، اخبارا استهدفت قوات الحرس والصحف التابعة للجناح المنافس كصحيفة «جوان» المحسوبة لقوات ميليشيات الباسيج المعادية للشعب، الصادرة في عددها الخميس 8كانون الثاني/يناير حيث أعرب الموقع عن قلقه بشأن تواجد « أفاعي مخملية خلابة» في داخل النظام الإيراني. ومن جانبها وصفت صحيفة «إيران» التابعة للحكومة في 8كانون الثاني/يناير، هجمات غير مسبوقة تشن على الملا روحاني بــأنه تفوح منها «رائحة تغيير نتنة في جبهة معارضي الحكومة».

ويكمن خوف الخاميئني ليس النيل من قوة ايران العسكرية او القوة الاقتصادية، بل الخوف من ان ينال العدو من عقيدة " ولاية الفقيه " التي انكشف عقمها وعدم مجاراتها للزمن والتقدم الحاصل في العالم من حرية العقائد والانفتاح على العالم بكل معتقداته. ولهذا فانه يدعو الى الوحدة، ولكن تلك الدعوة لم تعد تلقى اذانا صاغية من الجميع، بل صدحت اصوات المعارضة من كورس النظام نفسه، لان العازف المايسترو صار يغرد خارج السرب، فاصبح اللحن نشازا لا يطرب الجميع، وعليه فان المشهد الداخلي مقبل على العديد من الاحتمالات والتوقعات التي لن تصب في صالح الملالي.

والنظام اليوم يواجه تحدي اقرار الميزانية السنوية للعام 2015، اذ تم حساب العجز على اعتبار سعر برميل النفط 60 او 80 دولار، وهذا التوقع غير عملي لان النفط في انهيار متصاعد وقد يصل سعره الى 35 دولار عما قريب. وقد توقعت منظمة الاوبك ان يستقر النفط بعد ستة اشهر على سعر 60 دورا. وعليه فان العجز في الميزانية الايرانية سيكون كبيرا، وهذا سوف ينعكس على معيشة المواطن الايراني، وهو سبب يدفع المعارضين لتصعيد نقدهم لسياسة الملالي التوسعية على حساب العرب.

ان مشكلة ايران الأساسية انها تخضع لعقوبات اقتصادية قاسية فرضتها الدول الغربية وهذه العقوبات عرقلت برامج تطوير البنية التحتية لمنشآت إنتاج النفط الهادفة لزيادة إنتاج وتصدير النفط، ونظراً للأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها إيران وعدم قدرة النظام على تصدير كميات اضافية من النفط سيزيد من تفاقم الأزمة الاقتصادية وسيضطر الى اتخاذ خطوات غير عادية مثل رفع الدعم عن بعض السلع الأساسية والتي ستضربمعيشة الفقراء وقد تخلق حالة من الاستياء الشعبي والاحتجاجات. ويعتقد المراقبون ان استمرار هبوط أسعار النفط قد يجبر ايران على قبول شروط رفضتها سابقا بما يتعلق بملفها النووي.

لقد اعتقد نظام الملالي ان دبلوماسيته قد فازت وحققت له ما اراد، ولا سيما بعد المهلة التي منحتها اليه دول الغرب المعنية بالتفاوض معه بشأن الملف النووي، وان بامكانه الاستمرار في التحايل على الغرب، ريثما يتمكن من انتاج سلاح نووي يهدد به دول المنطقة، ولا سيما في ظل الظروف التي تعيشها من تمزق وانقسام واحتراب. اما العدو الصهيوني فلن يتأثر من سلاح ايران النووي، في ظل " زواج المتعة " السري بين الطرفين. ومهما بلغت شطارة الملالي واللعب على حبال الدبلوماسية فانه بالتالي سيرضخ لمطالب الغرب ويخضع منشأته للتفتيش من قبل اللجنة الدولية للطاقة الذرية. او تظهر نتائج اخرى تكون في مصلحة الايرانيين عموما.

&

*كاتب اردني