الفشل محصلة وحيدة لسنوات حكم رئيس الوزراء الإسرائيلي بعد أن هزم في كل المعارك التي خاضها عسكريا وسياسيا ولم يحقق لإسرائيل سوى ما تمنى لها أعداؤها الكثر.

في خضم صراعاته التي لا تنتهي لم يبقى لنتنياهو سوى محاولات إظهار نفسه كبطل قومي في خضم حملة انتخابية يميزها غياب الزعامات القادرة على تسويق صورة إسرائيل الديمقراطية المحاصرة بالعرب القتلة المجرمين، وأمام انعدام الخيارات السياسية والعسكرية لم يبقى سوى استغلال الوضع السوري والدخول بقوة لدعم المعارضة وإظهار قدرة إسرائيل بقصف متكرر وغير مبرر لمواقع الجيش السوري لتحقيق مكاسب انتخابية تعكس قناعة عجز دمشق عن الرد أو فتح جبهة جديدة في ظل عشرات الجبهات المفتوحة داخل الأراضي السورية من المجموعات الإرهابية.

رد حزب الله على التصعيد الإسرائيلي في عملية ذكية بكل المقاييس تدل على قراءة سليمة للخريطة السياسية الإقليمية والدولية، أعاد الكرة لملعب رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي لن يجد حلاً سوى ابتلاع خيبته والصمت محاولا البحث عن معركة جديدة يخرج فيها بطلا ولو ضد طواحين الهواء.

فرص كثيرة أتيحت للنتنياهو ليثبت قدرته على قيادة الحكومة للسنوات الخمس المقبلة لكن طول المدة التي عاشها بالقرب من القيادات العربية حوله ليمتلك نفس مواصفات الغباء التي تميز الكثير منهم، فتفنن في إضاعة فرص الانتصار في الحروب أو تحقيق السلام، وخلق صورة سيئة لقيادات غبية متعجرفة تتوهم أكثر من حقائقها وقدرتها على الفعل السياسي والعسكري.

قبل أقل من شهرين على الانتخابات البرلمانية تضيق خيارات البطولة وتنعدم فرص المناورة أمام نتنياهو داخليا وإقليميا ودوليا وفشل حكومته في استثمار مذبحة "شارلي ايبدو" يعكس لأي مدى انتكس وضع إسرائيل في الساحة الدولية وفشلها حتى في الترحيب بحضورها في مناسبات مماثلة لمسيرة باريس ضد الإرهاب.

عملية حزب الله أفهمت نتنياهو أن حربا جديدة غير ممكنة حاليا وإسرائيل عاجزة عن تحمل تبعاتها السياسية يضاف لفشلها في إدارة كل أزماتها المفتعلة ويضعها أمام البحث عن عدو لا يرد الفعل ويبتلع الأذى بصمت.

الفلسطينيون الحلقة الأضعف في الجوار الإسرائيلي لا يشكلون في مساحة حروبها فكرة تذكر، ومخاطر الصدام معهم لن تتجاوز ضم الأراضي وتوسيع المستوطنات والتعجيل بدفن حلم الدولتين وإحياء فكرة دولة ثنائية القومية، أو تقسيم الضفة الغربية لكنتونات مسيطر عليها في حال تم ضم منطقة بيت لحم وفصل منطقة الخليل عن امتدادها الجغرافي لتكون أول معزل "غيتو" للفلسطينيين.

أخر حروب نتنياهو سيخوضها بداية شهر مارس في الكونغرس الأمريكي ضد الرئيس أوباما الذي تحولت الخلافات معه لشخصية بحتة، والسيطرة الصهيونية على قيادات الكونغرس ستتجسد بأن يكون خطابه الذي سيلقيه أمام مجلسي الشيوخ والنواب، ولا يلتقي بأي مسئول في الإدارة الأمريكية سابقة في إهانة الرئيس الأمريكي برضا وتشجيع أعضاء المجلسين.

إسرائيل تعض على أصابعها وتتجرع فشلها بعد رد متواضع من حزب الله أفشل أحلام نتنياهو بالعودة ليكون بطلا قوميا في مجتمع تعتصره توجهات السير بسرعة نحو التطرف بعد أن مل حكم اليمين المتصلب، فكيف ستكون صورة إسرائيل القادمة، المؤكد أنها لن تتحسن، ويمكن أن تكون أكثر قتامه بعد الانتخابات القادمة.