بعد التحالف الغربي برعاية واشننطن ضد تنظيم داعش الارهابي تشكل التحالف الشرقي برعاية موسكو من ايران والعراق وسوريا وروسيا، ويبدو ان الحلف الجديد يضم ايضا حزب الله الشيعي اللبناني، والساحة التي تجري عليها هذه اللعبة الاممية الجديدة سوريا والعراق، ويذكر ان هذه المواجهة العلنية بين تحالفين لم يحصل مثيل لها في التاريخ الحديث بالتنسيق او بالتعارض بين واشنطن وموسكو على ارض منطقة واحدة منذ الحرب العالمية الثانية بالرغم من مرور العالم بحرب باردة طالت اكثر من خمسين سنة، ورغم ان الغاية من التحالفين هي محاربة داعش الارهابي ولكن ارض الواقع يقرأ منها مشهد اخر.

ودخول روسيا الى سوريا شبيه بدخولها الى افغانستان حيث صارت قريبة من الخليج السني من جنوبه، وهذه المرة باتت ثريبة من الخليج من شمتله مع توجه دولي جديد هو تقوية التحالف الشيعي المشكل من ايران والعراق وسوريا وحزب الله، وهذا يعني ان هذا التحالف سيشكل خطورة على مصالح دول كبرى في المنطقة وعلى مصالح شعوبها وعلى الخليج وخاصة السعودية، وهذا التحول الجديد سيدفع بالنتيجة الى تشكيل تحالف سني من الخليج بزعامة السعودية وتركيا وبالمقابل قد تكون برعاية امريكية، وبذلك ستدخل المنطقة في لعبة اممية حربية خطيرة شبيهة بحرب افعانستان، ولكن هذه المرة ستكون حربا شيعية سنية شاملة، وستدفع شعوب الشرق الاوسط ثمنا باهضا بارواح نفوسها ودمائها وامنها وسلامها وقد تطول نار الحرب لعقود من السنين.

واول ما بدأت روسيا به من هجوم جوي على مواقع داخل سوريا تم الكشف عن نواياها وتبين ان هدف عملياتها العسكرية ليس داعش وانما المعارضة السورية كما جاء في الوكالات، وهذه الحالة يقرأ منها ان هدف روسيا هو حماية نظام بشار اسد وضرب فصائل المقاومة تحت شعار محاربة تنظيم داعش، واذا ما تواصل هذا الامر فان المستقبل القريب سيشهد تغييرا لصالح النظام في المعادلات الميدانية المثبتة حتى الان على ارض الواقع في سوريا، وبهذا فان لعبة الامم الجديدة التي تلعبها كل من واشنطن وموسكو وبصورة تدخل جوي مباشر على ارض سوريا ستكون خطوة ممهدة للوصول الى توافق استراتيجي بين العاصمتين لاعادة الحسابات والخرائط السياسية والمعادلات الامنية في المنطقة، وما يهمنا من هذه اللعبة الاممية الجديدة هو دور بغداد والكرد في العراق وسوريا.

بالنسبة للعراق فان الضرورات التسليحية قد تكون الدافع الرئيسي لبغداد للدخول في هذا التحالف المشبوه باهدافها وغاياتها، وقد يكون الضغط الايراني ايضا وراء الانضمام لدورها وتأثيرها على القرار العراقي، لاسيما وان الحلف قد تم الاعلان عنه بعد زيارة قائد الحرس الثوري قاسم سليماني الى موسكو، وهذا يعني ان للحلف اهداف روسية وايرانية اكثر مما لسوريا وللعراق، ولكن مع هذا فان المستفيد المباشر منه هو بشار الاسد لانه سيحافظ على بقائه وسيقوي من قواته وسيسمح له اعادة التمسك بزمام المبادرة اليه لاعادة سيطرته من جديد على سوريا، وبالتالي هذا يعني القضاء على تطلعات التغيير لثورة الشعب المقهور التي طالت اكثر من اربع سنوات ودفنها& في رمال ربيع الشعوب العربية الذي لم يبقى له صدى ولا اثر ناصع في منطقة الشرق الاوسط ولا في بقاع العالم العربي.

والمراقب السياسي لا يفهم مغزى قرار بغداد للمشاركة في هذا الحلف االذي تقوده دولة مشبوهة في ادوارها ومراحلها ومواقفها التاريخية حيث كثيرا ما اضرت بشعوب ودول ومناطق عديدة خاصة منها الشرق الاوسط، وحتى على الصعيد العالمي، وعلى سبيل المثال فان مصر لم تخرج من حلفها مع روسيا الا متضررا وكذلك العراق وسوريا وليبيا والعرب بصورة عامة، وحتى فلسطين اصابتها اضرار كبيرة من جراء اعتمادها على موسكو، وبالتالي فان تاريخ احداث المنطقة اثبتت ان هذه الدولة - التي سيطرت عليها مافيا كبيرة برئاسة بوتين وخروج غورباتشوف منها خالي اليدين - انتهازية تتصرف وفق اهوائها مصالجها ولا تعير لمصالح ومعاناة الشعوب اهمية لكونها بنيت من الاول على اساس النظام الدكتاتوري بعيدا عن مراعاة المباديء والقيم الانسانية، ولهذا لا بتوقع من هذا الحلف خيرا للعراق ولا لشعوبها ولا منفعة تذكر للحكومة الاتحادية في بغداد، اللهم الا التزود بالسلاح ولكن حتى هذا ستكون خردة نافذة لفعاليته.

اما بالنسبة للكرد فان التعامل السياسي والامني والعسكري بدأ تتغير بوصلته لصالجهم خاصة بعد مواجهات التصدي الشجاع والباسل التي حققتها قوات الشيرفان في كردستان الغربية والبيشمركة في كردستان الجنوبية خلال المعارك البطولية بمعاونة التحالف الغربي ضد التقدم الهمجي والهجمات الوحشية لمسلحي داعش الارهابي على المناطق الكردية في العراق وسوريا، واشادة زعماء زوقادة دول العالم خاصة الكبرى منها ببطولات القوات الكردية تعتبر اول مكسب سياسي ومعنوي وعسكري كبير للكرد وقواته الباسلة، لاسيما وان الشعب الكردستاني لم يحظى بها الاعتبار الدولي وبهذه الدرجة من الفخر والاعتزاز على الصعيد العالمي منذ& تاريخه القديم والحديث، ولهذا وبعد هذا التقدير والمكانة المهمة على الكرد التأن والتحسب الشديد في علاقاته الاقليمية والدولية وخاصة من الحلف الروسي الجديد لتحاشي النوايا المبهمة لموسكو والغامضة لطهران، ولا ينسى ان الكرد قد اصابهم ضرر تاريخي من قبل روسيا الحمراء قبل اكثر من سبعين سنة عندما تخلت عن جمهورية مهاباد الكردية في شمال ايران بالرغم من دعمها بالبداية والوقوف وراء اعلانهاـ وكذلك تخاذلها مع جمهورية اذربيجان في نفس الوقت حيث نقضت وعودها مع هاتين الجمهوريتين الفتيتين وتركتهما تواجهان مصيرا اسودا مع نظام الشاه المقبور.

ولهذا على سلطة الكرد في اقليم كردستان - بالرغم من فسادها القاروني وتسببها لازمات ومشاكل كبيرة للشعب - وقادة الكرد في كردستان الغربية ان تتعاملان بحكمة وروية مع الحلف الروسي الجديد، وان لا يقعوا في اوهام اي وعد قد تقطعه موسكو لهم، واستمرار تعاونهما وتواصلهما مع الحلف الغربي والولايات المتحدة يظل هو السبيل الامن والميزان الارجح لصالح الكرد في هذه المرحلة التاريحية العامة والحساسة للعبور منها بسلام الى شاطيء الامان.

وبنفس الوقت نأمل من حكومة بغداد مراجعة مشاركتها ودخولها في هذا الحلف المصبوغ بالصبعة الشيعية الايرانية لانه اولا واخيرا فان المستفيد منه هو روسيا وسوريا وايران وليس العراق، ولانه يتعارض مع الحارطة الاقليمية للمنطقة خاصة تعارضها مع مصالح دول الخليج، ولهذا نأمل التعقل والحكمة للخروج بتأني من هذا الحلف فبل الوقوع بموقف يضر بالعراق وبحاضره ومستقبله ويومها لا ينفع الندم ولا البكاء الحسيني.

واخيرا لا يستبعد ان تتحول هذه اللعبة الاممية الخبيثة الى حرب شيعية سنية شاملة بين ايران وحلقائها والسعودية وحلفائها وبمشاركة من موسكو وواشنطن لحرق المنطقة بما فيها من شعوب ومصالح دولية، قد تكون الهدف الرئيسي منها تقسيمها من جديد ولكن هذه المرة بمحاصصة روسية وامريكية واوربية.

كاتب صحفي
&