انشغلت وسائل الإعلام الفلسطينية وأوساط السياسيين الفلسطينيين خاصة الفتحاويين الأسابيع الماضية بما أطلقوا عليه "قنبلة محمود عباس في الأمم المتحدة " أي ما سيأتي في خطابه الذي ألقاه في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك يوم الأربعاء، الثلاثين من سبتمبر 2015 ، حيث سبق ذلك رفع علم فلسطين بجانب أعلام دول الأمم المتحدة البالغة 193 دولة، وفي حالة فلسطين دولة غير عضو& مثل دولة الفاتيكان الرمزية. والمدهش أو المثير للبكاء أو لضحك مثل البكاء هو ذلك الإنشغال والتشويق الذي مارسته أوساط السلطة الفلسطينية حول تلك القنبلة التي سيطلقها محمود عباس في خطابه ذلك، إلى حد تنوع وتضارب آراء المقربين من عباس وحكومته من هذه القنبلة، رغم تأكيد البعض منهم أنّ ذلك الخطاب تمّ إعداده وكتابته في رام الله واطلّع عليه كثيرون من دائرة محمود عباس وحكومته مسبقا، وأدلوا برأيهم فيه قبل القائه في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، وللمرة الأولى أعرف أنّ لمحمود عباس مستشار للشؤون الدينية اسمه " محمود الهباش" إذ كنت أعرف أنّ هذا الشخص عضو في حركة حماس ثم عرفت أنّ الحركة طردته بسبب سرقات واختلاسات مالية حسب بيانات الحركة أي أنني لست مسؤولا عن هذه المعلومة، فهرب ملتحقا بالسلطة الفلسطينية التي لا سلطة لها على أي شأن من الشؤون الفلسطينية.& هذا الهباش قال عن خطاب هباشه محمود عباس قبل القائه: " إنّ الرئيس محمود عباس لن يفاجىء أحد في خطابه. لن تكون هناك مفاجأة لم تبلّغ بها كل الأطراف العربية والدولية مسبقا ". وقد كان "عباس زكي" عضو اللجنة المركزية لحركة فتح أكثر وضوحا عندما قال: ": لا شيء جديد سوف يتضمنمه خطاب محمود عباس "، وهذا ما كان بعد سماع الخطاب ، فقد كان مجرد بيانات خطابية أو وعود خيالية ليس في مقدور السلطة الفلسطينية تنفيذها في ظلّ غطرسة الاحتلال الإسرائيلي وسكوت العالم كله بما فيه الدول العربية والإسلامية على هذه الغطرسة والاكتفاء بنفس بيانات الإدانة اللفظية.

هل تستطيع السلطة الفلسطينية الغاء اتفاقية أوسلو؟
قال محمود عباس في خطابه بصدد إتفاقية أوسلو دون أن يذكرها بالإسم: " سنبدأ في تنفيذ إعلان عدم التزامنا بالاتفاقيات مع إسرائيل بالطرق القانونية والسلمية..لن نلتزم بالاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل وعليها أن تتولى مسؤوليتها كسلطة احتلال". وهذا النص غامض ومتناقض مع وقائع قائمة على الأرض، فهو لا يعني الغاء اتفاقية أوسلو لأنّ "عدم الالتزام" لا يعني الإلغاء، وأيضا ما معنى مطالبة دولة إسرائيل تولي مسؤوليتها كسلطة احتلال مع وجود وبقاء السلطة الفلسطينية؟. قانونيا وعرفا دوليا وجود السلطة الفلسطينية تحكم وتدير الضفة الغربية وحركة حماس قطاع غزة، لا يستدعي ممارسة إسرائيل سلطتها كدولة احتلال، وهذا ما يعطيها كافة الفرص لممارسة جرائمها اليومية من هدم واعتقالات وقتل وبناء مستوطنات، وذلك بعكس الحالة التي كانت سائدة من عام هزيمة 1967 حيث احتلت إسرائيل كامل القطاع والضفة حتى عودة السلطة الفلسطينية بعد توقيع اتفاقية اوسلو عام 1993 . من عام 1967 حتى عام 1994 رغم سيطرة الاحتلال الكاملة إلا أنّه لم يمارس نسبة من جرائمه المستمرة منذ عام 1994 وحتى اليوم. وبالتالي فلا يختلف الوضع الإجرامي الاحتلالي اليوم عن حالته فيما لو صدر بيان انشائي من السلطة الفلسطينية بإلغاء اتفاقية أوسلو، بالعكس ربما يعطي هذا الإلغاء الإنشائي ذريعة للإحتلال لتصعيد جرائمه ومستوطناته. و أساسا وواقعيا ميدانيا لا تجرؤ السلطة الفلسطينية على القيام بهذا الإلغاء رغم شكليته الديكورية، إذ أنّ الوجود الاحتلالي في الضفة الغربية بما فيها التنسيق الأمني المشترك تجعل المسيطر على الضفة الغربية تماما هو الاحتلال وليس سلطة عباس.

لذلك كان موقف إعلام الإحتلال شامتا ومستهزئا،
لأنهم يدركون ويعرفون من خلال سكوت السلطة الفلسطينية الكامل على جرائم وتعديات الإحتلال منذ عودتها عام 1994 ، حيث هذه الجرائم والاجتياحات والاعتقالات يومية تطال عشرات من أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني وتقتل الأطفال والنساء والرجال. ويكفي كمثال على الاستهزاء الإسرائيلي بخطاب محمود عباس ما كتبه " باراك ديفيد" في جريدة "هآرتس" حيث قال: "& إن عباس هذه المرّة وخلافاً للماضي وفى بوعده، فقد أخرج فعلاً القنبلة من جعبته، ووضعها على الطاولة، عندما أعلن أن الفلسطينيين لن يطبقوا الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل.إلا أن السؤال الذي ظل معلقاً، هو هل سيتم تفجير هذه القنبلة فوراً ليسبب تفجيرها دوياً وارتدادات مهمة؟ أم هل ستبقى مجرد قنبلة يمكن أن تنفجر في كل لحظة؟ أم سيتضح في نهاية المطاف أننا لسنا أمام قنبلة متفجرة وإنما قنبلة تطلق روائح كريهة لا غير سرعان ما ستتبخر رائحتها؟. الخيار الأخير هو الذي سيحدث مع تعديل بسيط وهو: إنّ خطاب محمود عباس مجرد قنبلة خطابية إنشائية تستدّر عطف قرابة مائتي دولة لتتحرك لدعم قيام دولة فلسطينية، والكل يعرف أنّ هذه الدول لن تتحرك طالما دولة الإحتلال الإسرائيلي هي المسيطرة والقوية، فغالبية دول العالم سوف تتضامن مع خطاب محمود عباس ببيانات خطابية انشائية أيضا، وسوف يستمر الوضع الحالي كما هو سنوات طويلة حيث أهم ملامحه :
_ استمرار القتل والاعتقالات وهدم البيوت.
_ تصعيد بناء المستوطنات لتستولي على مزيد من أراضي الضفة الغربية.
_ مواصلة التعديات في القدس على طريق مزيد من تهويد ملامحها لأنّها كقدس موحدة في عرف الإحتلال هي عاصمة الدولة اليهودية التي ينادي بها ويريدها الإحتلال.
_ استمرار الإنقسام الفلسطيني حيث إمارة حماس في القطاع ودويلة عباس الكرتونية في الضفة.
ولا نملك إلا القول.." من يجيرنا مما هو أعظم ". لا أحد فالتاريخ يكتبه الأقوياء.
www.drabumatar.com

&