&

"طعمي التم بتستحي العين"

مثل شامي

&

يقول المثل الشعبي: " من يأكل من خبز السلطان يضرب بسيفه" حقيقة هذا كان حال كل المستفيدين من النظام البعثي في سوريا لعقودٍ من الزمان، حتى أن بعض الناقمين على رجالات النظام ومن يدورون في فلكه، كانوا يسمون تلك الفئة القريبة من السلطة بالمرتزقة، ولكن المثل لم يتوقف عند البعثِ ومرتزقتهم، إنما غدا بالنسبة للكثير من السوريين ثقافة معاشة أينما مكث الواحد منهم أو انتقل، باعتبار أن المحاباة التي تربوا عليها في ظل النظام الأسدي صارت اسلوب حياة لدى الكثير من مواطني ذلك البلد على مختلف مشاربهم وانتماءاتهم السياسية والفكرية والاجتماعية.

فبالرغم من أن الثورة السورية جاءت لتقوض تلك البنية الفاسدة، وكان من المفروض أن تكون الثورة أولا وأخيراً ضد شروش البعث وثقافته العفنة، إلا أن ما يُلاحظ هو أن السيل السوري رغم إطالة عمره الذي قارب الخمس سنوات فلم يشمل الجذور الى هذا اليوم، بل ثمة مناطق كثيرة في بنية المجتمع السوري لم تصل إليها حتى رطوبة الثورة ولا طالتها حِمم البركان السوري بعد، والدليل أن ما زرعه العفالقة لما يزيد عن أربعين سنة راح يتنقل مع السوريين في كل الأقاليم والبلاد والأماكن، ومعظمهم لم يستطع تطهير نفسه من أدران البعث وعفونته، بالرغم من ادعائه بأنه من الثائرين ضد النظام بكل مرتكزاته الامنية والسياسية والعسكرية والثقافية.

فيبدو أن ما تشربه المواطن السوري لا يزال معمولاً به، أي أن ثقافة تأليه المُستفاد منهُ أياً كان لا تزال سائرة معهم في أغلب مناطق انتقالهم إليه سواءً في الدول الاقليمية أو عواصم العالم، بل تلك الثقافة لا تزال ممارسة بحذافيرها حتى عند الكثير ممن وصلوا بشق الانفس الى قارة أوروبا بعد مكوثهم فترة من الزمن في تركيا ومدحهم وتصفيقهم المتواصل لأردوغان وحكومة حزب العدالة والتنمية قبل الهجرة الى الدول الاوربية، إذ تم الترويج للرئيس التركي من قبل الكثير من السوريين وكأن السيد أردوغان غدا منقذاً للبشرية كلها وليس منقذ السوريين وحدهم، علماً أن السوري بعد مكوثه بتركيا فترة من الزمان يُلاحظ بأن سعره في ذلك البلد من أرخص الأسعار في بورصة الأوادم وما من أي قلنونٍ أو مرسومٍ يضمن أصغر حق من حقوقه الآدمية، بالرغم من تطبيله لخليفة الدولة العثمانية على مدار الشهور، إلى أن اكتشف بأن السوريين الذين قُتلوا بيد الجندرمة التركية أكثير من كل الذين قُتلوا على حدود كل دول العالم بما فها اسرائيل.

ولكن يظهر أن معظم السوريين لا يستطيعون مخالفة السمة البعثية المركونة في أعماقهم، لذا فحتى في الدول التي لا تحتاج حكوماتها الى مديح السوريين وتمجيدهم، ترى بينهم من يدافع عن سلطات تلك الدول وحكوماتها أكثر من أهل البلد أنفسهم، وذلك باعتبار أنه قد تم إيواءه في تلك المضارب بعد الهجرة إليها بدعوى الهروب من الحرب ولعنتها، عموماً فرب قائلٍ يقول: بأن اللاجئ الفار معذور لأن حاله كحال الخارج لتوه من قبوٍ معتم الى النور، فهو من شدة انبهاره بالأماكن الجديدة، أي بنورها المُبهر لم يعد يرى أمامه، ولا يلمس أي خللٍ في الأماكن التي حط رحاله بها، لذلك فقد يمدح المقاطعة التي ركن بها أكثر من أهل الدار أنفسهم، إذ أن واحدهم من شوق طلته الجديدة على أنظمة دولٍ يغيب فيها مرأى صور العسكر وأجهزة الأمن، فيخال له بأن تلك البلاد لا تُمارس فيها أية سلطة على مواطنيها، وأن الانسان فيها حر من كل القيود بخلاف ما كان معمولاً به في بلاده، وذلك باعتبار أن مفهوم السلطة لدية وكما تعلمه ولمسه لفترةٍ طويلة مرتبط فقط بفروع الأمن على اختلافها وكذاك بالمباني والدوائر الحكومية، لذا لم يشعر في عالمه الجديد بأي أثر للسلطة، بينما ابن المكان يعرف جيداً بأن السلطة موجودة بوضوحٍ تام ولكنها لا تستمد أهلية وجودها فقط من القاعات البرلمانية ومراكز السلطة السياسية وفروع الأمن كما هي الحال في بلاد المُهاجِر، إنما هي موجودة في سراديب المستشفيات، وأجنحة المعزولين، وقاعات الدرس، والهايمات، ومؤسسات المجتمع المدني، وفي نظام السوسيال نفسه، إلا أن الطارئ على المكان قد يطول به الزمان حتى يكتشف ذلك.&

كما أن الجديد على المكان من أثر فرحة الوصول بكونه فاز بموطئ قدم له في تلك الأقاليم المباركة، فلا يرى أي خللٍ أو عيبٍ بها، بل يرى بأن المكان الذي فلح به أخيراً هو الفردوس الذي تحدثوا طويلاً أمامه قبل انتقاله إليها، بينما نرى كبار فلاسفة الغرب يتحدثون عن مقابح مجتمعاتهم بكل جرأة ومنهم الفيلسوف الالماني فريدريك نيتشة حيث يقول: " أن المجتمع الصناعي المتقدم هو النموذج الاعلى لاتحاد السلطة بالمعرفة وأن ذلك التحويل أدى الى ضرب القيم والعلاقات الاجتماعية"، كما أن الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو يقول: " بأن العقلانية الغربية في عصر الحداثة وما بعد الحداثة، لم تنتج العلوم والتكنولوجيا فقط، بل أقامت أيضاً منطقاً جديداً يقوم على الاقصاء والاستعباد والقتل، وأن تلك العقلانية ستؤدي إلى الإقرار لإنسانيةٍ ممزقة".

&وبالعودة الى مضمون المثل وتنقله مع الشرقي عموماً والسوري على وجه الخصوص أينما حل وارتحل، فإنه بعد الانتماء لجوقة السلطة في سوريا وتصفيقه المتواصل للبعث ورب البعث مقابل الاستفادة في التقرب من أصحاب النفوذ، لذلك فإن السلطان الرمزي للسوسيال في موقعه الجديد ربما سيحضه على امتداح أهل الحكم ليس بالضرورة حباً، إنما قد يكون خوفاً من فقدانه لذلك المصدر المعيشي الذي ارتبط دوامه واستمراره في ذهنه بالإفراط أو الاكثار من تراكيب المديح والإطراء لمن يحتاج الى إرضائه كما كان يفعلها في مسقط رأسه بالضبط، وحتماً سيغمض عينه عن أي خطأٍ يراه أمامه هناك باعتباره بحاجة ماسة الى ذلك المردود المادي، وربما يقول أحدهم بأنه من الطبيعي أن لا يكتشف الضيفُ تلك المقابح كما هو الحال لدى المفكرين الغربيين لأسبابٍ فكرية أو سياسية بحتة، أو يقول فحتى إن اكتشفها يوماً فإن ثمن الإيواء والإطعام ربما سيمنعانه من التحدث عنها أو انتقادها أمام الملأ، لذا فمن الطبيعي حسب رصيده وموروثه الثقافي القائم على التقريظ لكل سلطان، بأن يصبح يوماً من جوقة المداحين لأردوغان ويوماً آخر من المطبلين للست ميركيل وهلمجرا، وذلك على غرار ما كان يفعله كل المقربين من النظام السوري والمستفيدين من الأسد وزبانيته.