حين هُجّرنا من المحافظات المنكوبة و اقمنا في ظل حكومة الاقليم بعد ان كان حكام بغداد يطلبون ضمانات لدخول مواطن عراقي الى عاصمة بلاده، اتاحت لنا الاقامة هناك ان ننظر الى الامور بعيون اخرى و ان يتوفر لنا الوقت لنتابع بين الحين و الاخر ما يُكتب و ما يُبث.
و في مقال كتبه احد ماركسييّ الادعاء ستالينيي السلوك وصف حكم الامارات بأنه حكم طغيان و جعل انظمة الحكم في ايران و في تركيا في سلة واحدة.
ينبغي على الماركسي لكي لا يكون مدعيا ان يحلل الواقع و اتجاهاته المحتملة و هذا لا يعطيه الحق ان يحكم بطريقة اعتباطية و ان يكون دقيقا في المسمسيات. فمع اقرارنا بأن حكم الامارات ليس حكما ديمقراطيا تمثيليا تداوليا ، و لكنه في عين الوقت ليس حكم طغيان، حكمٌ وفر لشعبه الامان و الازدهار و لم نسمع بعمليات قمع او اختطاف او اعدامات بسبب الفكر او التوجه السياسي.
اما المقارنة بين نظامي الحكم في ايران و في تركيا فكانت من السطحية حتى لامست المهزلة.
صحيح ان اردوغان طاغية متهور ويسعى للمزيد من الطغيان لكي يمسك زمام الامور بيده ولكنه لم يستطع ان يحقق مآربه و ان الدستور التركي حتى هذه اللحظة اقوى و ان الشعب يقاومه و قد جرده من سعيه نحو الاغلبية المطلقة من اجل تغيير الدستور. اردوغان ليس تركيا.
حين لا يكون بمقدور البعض الدفاع عن نظام ما بسبب مساوئه الجلية، فإن هذا البعض يلجأ الى التعمية و اطلاق قنابل الدخان و لسان حاله يقول: لا يمكن الدفاع عن نظام طهران اذن دعونا على الاقل ان نقول "كلهم سيئون" فنضع في سلة واحدة تركيا و الامارات و ايران رغم الاختلافات البينة.
هنا مقارنات لا تدحض بين النظام التركي و الايراني
اولا : تركيا دولة علمانية بحكم الدستور محكومة من قبل اسلاميين ضمن التداولية / ايران جمهورية اسلامية بموجب الدستور لا يحكمها الا مسلم شيعي اثنى عشري.
ثانيا: في تركيا رفعت عقوبة الاعدام من بداية الثمانينات و لم ينفذ حكم الاعدام بأحد منذ ذلك الحين / ايران تعمل بعقوبة الاعدام و تمثل احدى اعلى المعدلات في تنفيذ حكم الاعدام بما في ذلك اعدام النساء.
ثالثا: تركيا يمنع القانون المدني فيها تعدد الزوجات / تعدد الزوجات في ايران يقره القانون.
رابعا: الحريات الشخصية (و هي اهم المعايير) الحجاب و السفور مسموح بهما قانونا / الحجاب قانون ايراني لا يمكن خرقه و يعاقب كل من لم يعمل بغيره.
الحريات الفردية في تركيا مضمونة سواء كانت حرية ارتياد الجوامع او ارتياد المقاهي و شرب الكحول و ارتداء اي نوع من الملابس و يسمح للنساء بالسباحة بملابس السباحة العادية / كل هذه الحريات غير مسموح بها في ايران و حتى الرياضيات اللواتي يتنافسن على البطولات العالمية يجب ان يكن محجبات.
خامسا : لا توجد سلطة اعلى من سلطة الجهات المنتخبة في تركيا و حسب الدستور ، الرئيس ، رئيس الوزراء أو البرلمان / مركز المرشد الاعلى في ايران هو مدى الحياة و هو شخص غير منتخب و يمتلك السلطات الاساسية و يرتبط به الحرس الثوري و بموجب الدستور يكون صاحب سلطة اكثر من سلطة رئيس الجمهورية.
سادسا: لا توجد اي سلطة لرجال الدين على الحكم في تركيا رغم ان الحزب الحاكم حزب اسلامي / السلطة الحقيقية في ايران بيد رجال الدين و تُحكم منذ اكثر من اربعين عاما من قبل رجال دين معممين.
سابعا : نظريا يسمح لكل شخص تركي الترشح لاعلى المراكز / في ايران يعرض المرشحون على مجلس الخبراء الذي قام باستثناء العديد من المرشحين لانهم لا يتماشون مع المعايير الاسلامية حسب وجهة نظر رجال الدين.
كل هذه الحقائق و خصوصا الحريات الشخصية و الغاء عقوبة الاعدام في تركيا من جهة و كون ايران تمثل واحدة من اعلى معدلات تنفيذ الاعدام في العالم بما في ذلك النساء من جهة اخرى غابت عن المحلل الماركسي.
طوبي لماركس!
&