يشاع أن طارق نجم عبد الله يطرح الان بديلاً عن حيدر العبادي. بعد أن تبين أن الأخير لم يرض الامريكيين في تحقيق التقارب مع السنة، ولا المرجعية الدينية في تنفيذ الاصلاحات، ولا الحلفاء الشيعة والكرد حين تحرك بمعزل عنهم، وتحفظ الايرانيون على وجوده سابقاً.

الاشاعة المزدوجة، التي ترتب ابعاد العبادي بطريقة لعبة الشطرنج، وتأتي برجل من الظل، تنتمي لسلسلة من الاشاعات بدأت منذ جهود سحب الثقة من المالكي، والتي قادها الصدر في عام 2011.& حيث طرح اسم طارق نجم في ذلك التاريخ، باعتباره البديل، وتكثفت التخمينات بعد الانتخابات الأخيرة، حين بان بأن صاحب الولاية الثالثة لن يحصل على الثالثة.

ليس هناك أكثر من الاشاعة السياسية في العراق، بلد مبني عليها. الا أن بعض الحقائق تمرر في عسل الاشاعات. الاسماء أحيانا تطرح للاختبار، تصبح حقيقة حين تتفاعل وتحظى بالرضا. رغم ان اسمي المالكي والعبادي اخذا طريقهما في آخر لحظة دون الاعتماد على الاشاعات، باعتبارهما حلاً أوسط بين ما هو متوفر.

يصعب أن نعرف من يقف خلف الاصرار على تقديم نجم كمرشح بديل، رغم انه بعد الانتخابات الأخيرة غادر المشهد الى لندن، هاربا من كل ما يطرح حوله. ونسب إليه انذاك، أنه لن يرضى نفسه بديلا لصديقه القديم، لكن الأصح انه لم يكن يريد أن يكون بديلا في لحظة المحرقة.

طارق نجم، مدير مكتب رئيس الوزراء في الدورة الأولى، غادر منصبه باختياره. الامر حوله الكثير من اللغط والملابسات، من بينها تحفظه على دور نجل رئيس الحكومة، أو زعله منه على خلفية بعض السلوكيات المرتجلة. والمعلومات تقول أن المالكي ألح على زميله ان يعود في النصف الثاني من الدورة الثانية، لكنها امتنع. أهميته المفترضة تكمن في ذكائه السياسي العالي وفي مقبوليته من قبل اطراف داخلية واقليمية ودولية متعددة. يقال ان بريطانيا تريده، وايران لا ترفضه، وأن له مع اوغلو في تركيا علاقة وثيقة، ويقال ان الامارتيين يحترمونه، وقطر لا تنظر اليه كما تنظر لسواه، ويجيد الحوار مع الامريكيين. وداخليا، هو العضو الوحيد من حزب الدعوة الذي يمتلك صلات وثيقة ومرضية مع المرجعية، ومقبول كردياً، ولا يوجد هناك موقف صريح ضده صدريا وحكيمياً... كل هذه التقييمات حول الرجل، تشير الى قيمته سياسيا.

لكن لم يسأل اي ممن يتحدث عنه، ماذا عن الشارع العراقي؟!
إن عمليتنا السياسية تبنى بمعزل عن الشارع، حتى النخب حين تتحدث عن شخوص بعينها، لا ترى المجتمع والشعب، فهو ليس مهماً، لا يسأل عن رأيه، هو انتخب ورفعت يده بعد الانتخابات. فحتى لو اتفقت القوى المنتخبة على اختيار شخص من المريخ، لا يوجد مانع. وهنا لا اوجه اللوم الى السيد طارق نجم، على العكس، ما يقال عنه مريح، على الاقل بالنسبة لعملية سياسية تفتقر لرجال مقبولين من قبل اغلب الاطراف. لكن غياب معيار الشارع في بث الاشاعة، فضلا عن الحقيقة، مؤشر خطير على غياب كامل له عن التأثير في مجريات الأحداث، الا اذا لقنت التظاهرات والانتخابات هذه الزعامات درسا عميقاً في احترام الناس.

فضلا عن إن الأشخاص في العراق جزء من المشكلة، وليسوا كلها، هناك عدد من المشكلات المستعصية التي يصعب معالجتها بدون معالجة تأثير مراكز القوى ومنظومة العملية السياسية والماسكين بخيوطها. فرئيس الوزراء احد وجوه المأزق، والباقي يرتبط بالعديد من أصحاب النفوذ، ليس باعتبارهم اشخاصاً باسماء معينة انما باعتبارهم قوى مؤثرة على الارض تتوارث وتتناسل القوة والنفوذ على حساب المؤسسات الدستورية.

السياسات غريبة، غريبة جداً.. وسط الموت، الخوف، النزوح والهجرة... لا أحد يسأل عن الموتى، بل عن الأحياء الذين عاشوا طويلا وهم يقررون دون توقف الموت، رغم أن قراراتهم لم توقف نزيف دمائنا سابقا، ورغم هذا ما يزالون يعتمدون عليها في تحديد المصير.
&