أيام انهيار السلطة الدكتاتورية في كوردستان العراق إبان انتفاضة ربيع 1991م وسيطرة الأهالي وقواهم الحزبية والعسكرية على زمام الأمور في المدن الكبيرة والبلدات والقرى، وتحديدا مراكز محافظات اربيل ودهوك والسليمانية وبعض الاقضية والنواحي الملحقة إداريا إلى كل من صلاح الدين ونينوى وديالى، وبعد سنة من تحريرها نجحت الجبهة الكوردستانية في إجراء أول انتخابات حرة لممثلي الشعب في المناطق المحررة، وانبثاق أول برلمان كوردستاني أنتج فيما بعد المؤسسات الرسمية وفي مقدمتها الحكومة الإقليمية.

في الطرف الآخر وضمن سياق نهج حزب البعث ورئيسه صدام حسين في الإصرار على الخطأ، ومحاولة إيهام الرأي العام بان هزائمه هي انتصارات غير مرئية ستدركها الأجيال القادمة، مثل ما اعتبر ما يسمى ( أم المعارك انتصار تاريخي عظيم) رغم انها تسببت في إعادة العراق إلى عصر الظلام والتوحش والهمجية، مما نحصده اليوم من بكتريا وجراثيم تم إنتاجها في مختبرات البعث وأفكاره الشوفينية والفاشية وخرجت علينا بأسمائها الجديدة، داعش ومن شابهها من عصابات الجريمة والإرهاب، وتطبيقا لذلك النهج اصدر صدام حسين أوامره بان محافظات اربيل ودهوك والسليمانية ما تزال تنهج بنهجه وان شعبها ما يزال يردد خلف القائد ( بالروح بالدم نفديك يا صدام ) وعليه يجب فتح مقراتها في كل من الموصل وكركوك، ويترتب على ذلك دوام المحافظين وغيرهم من الموظفين لإدارة شؤون الشعب، وفعلا فتحت تلك المقرات التي كانت تشبه مجسمات المهندسين لمشاريعهم، فترى في الموصل مباني مكتوب عليها محافظة دهوك يداوم فيها محافظ وموظفيه ويقضون أوقاتهم بلعب الطاولة أو تمشية أمور من هرب من كوردستان سواء من الموظفين أو المواطنين الذين ربطوا مصيرهم بالبعث آنذاك، أملا منهم بعودة عقارب الساعة إلى الوراء!

ورغم إن الفارق كبير بين ما حدث آنذاك في كوردستان، وما حصل للموصل والانبار وتكريت وبعض البلدات الأخرى التي اجتاحتها فايروسات&البعث والهمجية، والبون الشاسع بين التحرير والسقوط، إلا إن ما يحصل اليوم من بعض السلوكيات لا يختلف كثيرا عما حصل في مطلع تسعينيات القرن الماضي، حيث تصر إدارات المحافظات والبلدات التي سقطت تحت سيطرة عصابات داعش وبعد ما يقرب من عامين، على تمسكها بالسلطة والامتيازات وكأنها ما تزال في مواقعها، بل إصرارها على إجراء تصويتات لانتخاب أو تعيين محافظين ومدراء نواحي وقائمقاميين، في الوقت الذي تدرك تماما بأن كثير من الأهالي يتهمونها بعدم الشرعية لتسببها بأي شكل من الأشكال في وقوع كارثة احتلال مدنهم بسبب عدم كفاءتهم وفشلهم وفسادهم المالي والإداري.

وإزاء ما يحصل اليوم وبعد عامين من سقوط هذه المدن يوجه الأهالي النازحين من محافظات نينوى والانبار وصلاح الدين وبمرارة وإحباط، سيل من الأسئلة عما جرى لهم بسبب انتخابهم لأناس تسببوا بفسادهم وعدم إخلاصهم في هذه الكارثة، بينما لا احد يعرف إلا الله كم نجحت تلك العصابات في غسل أدمغة المتبقين تحت سطوتهم، وما هي خياراتهم اليوم، وهل فعلا إن هذه الإدارات الحالية التي تشبه مجسمات المشاريع، تمثل هؤلاء الأهالي في كلا الطرفين النازح منهم والمُستَعمَر!

وكما قال لي أحد النازحين وهو يعلق على انتخاب محافظ لآحدى تلك المدن، إن الخشية أن يكون هذا المنصب كما كانت وزارة الوحدة على أيام حكم العارف الأول، والتي توفي وزيرها ولم ير لا الوزارة ولا الوحدة!

&