&لقد مرّ على تاريخ اقليم كردستان منذ عام 1992 كابينات حكومية متعاقبة منها السيئ ومنها ما هو الأسوأ، لكن لم نرى مثل التشكيلة الثامنة الحالية الفاشلة بكل المقاييس حيث ومنذ انطلاقتها بدأت التباينات والخلافات تظهر بين مكوناتها من الرئيس الى نائبه الى الوزراء وحتى الكتل التي تشكل هذه الحكومة والتي سميت بـ( حكومة القاعدة العريضة).

ان حكومة السيد البارزاني، التي ولدت بعملية قيصرية بعد مرور اكثر من تسعة اشهر على اعلان نتائج الانتخابات التي جرت في الاقليم في 21/9/2013، أصيبت بفيروس الصراعات السياسية بين الاحزاب والكتل المشاركة في الحكومة، فبدل ان تعمل حكومة( القاعدة العريضة ) على بناء حكومة فعالة وشفافة اساسها المواطنة وفصل السلطات والسلم والعدالة الاجتماعية وحقوق الانسان وبالأخص حقوق المرأة والطفل وسيادة القانون و ايجاد الحلول المناسبة لمواجهة كل انواع الفساد في الدوائر والمؤسسات الحكومية. و تطوير القطاع الزراعي وتطوير الخدمات الضرورية من الطرق والمياه الصالحة للشرب ودعم الانتاج المحلي. والاستمرار في اجراء الاصلاحات في قطاع التربية والتعليم وتطويره والاهتمام بالبحوث والدراسات والجانب المهني والعمل على تطوير قطاع الصحة وفصل القطاعين العام والخاص في مجال تقديم الخدمات الصحية، فبدل ان تعمل حكومة( القاعدة العريضة ) على بناء تشكيلة فعالة منسجمة وكفؤة وقادرة على تجاوز مشاكل المرحلة، عملت منذ تشكيلها عكس ماجاء في برنامجها العام، و لم تتمكن من ترجمة التزاماتها على أرض الواقع, وعليه نرى اليوم عجزها وشللها وعدم قدرتها حتى على تسيير الأعمال، فكل حزب وتكتل ركض ولايزال يركض خلف مصالحه الخاصة ضاربأ عرض الحائط بارادة الشعب الذي انتخبهم.

&اما البرلمان، والذي يقال بانه (صوت الشعب)، فهي ايضاً معطلة، متوقفة، مجمدة، مشلولة ومصابة بفيروس التنحار والتباعد والتفرقة والتجاذبات السياسية، اسوة بمجلس الوزراء بعد ان اضاع كل حس بالمسؤولية الوطنية ونحر مصلحة الشعب على مذبح مصالحهم الحزبية الضيقة...&

نعم فكل شيء معطل في الاقليم الا قطاع (النفط) فهو القطاع الوحيد الذي يعمل ويوفر لحكومة (القاعدة العريضة) او بالاحرى حكومة ( الجيوب العريضة) مبالغ طائلة فيما يُذَلّ الشعب نتيجة الضائقة المالية و تأخر صرف الرواتب وانعدام الخدمات بشكل عام...&

ان تجربة السنين الماضية اثبتت بان حكومة الاقليم في وادي والشعب في واد اخر, اضافة الى ان الاحزاب المشاركة في حكومة (القاعدة الهشة) عملت ولاتزال تعمل لتقوية نفوذها للسيطرة الكاملة على البرلمان وجميع مؤسسات الاقليم دون منازع، وعليه يعتقد الكثيرون بان البرلمان خلال هذه الدورة تحديدا، لم يستطيع ان يؤدي دوره الرقابي ويواجهة الفساد والابتعاد عن خندق الاحزاب واملاءاتها، وعليه نرى اليوم بانه يتراجع الى الوراء يوم بعد يوم، رغم سيل من المقترحات و الانتقادات التي وجهت له من كل حدب وصوب،وتحديدا من ابناء الشعب الكردستاني، طبعا لادائه الذي شابه القصور ولعجزه عن تواصل تمثيل الشعب، حيث أصبح البرلمان بمرور الزمن في خانة أخرى بعيدة عن الناس وهمومها اليومية.....مما ادى الى حدوث فجوة كبيرة بينه وبين الجماهير.&

إن أسباب التدهور في مستوى معيشة الفرد الكردستاني بحاجة إلى بحوث ميدانية يقوم بها لفيف من الباحثين، استنادا لقاعدة بيانات لها مصداقية وشاملة لجميع المؤثرات الحقيقية على هذا الموضوع، ولكن صار معروفأ لغالبية ابناء الشعب والمتابعين بموضوعية لما يجري في الاقليم، وهي بالاساس أسباب داخلية، تمثلت بالصراع على النفوذ والمصالح الحزبية والشخصية بين الاحزاب الخمسة: (الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير والاتحاد الإسلامي الكردستاني والجماعة الإسلامية الكردستانية)، اضافة الى تفشي الفساد والمحسوبية والمنسوبية و تردي الخدمات وارتفاع أعداد العاطلين من العمل و الازمة المالية الخانقة.. والخ...&

لقد اكدنا و نوَّهنا في مقالاتنا السابقة وحذرنا (حركة التغيير) تحديدا من الانجرار وراء المناصب والمصالح الحزبية الضيقة ومخاطر مشاركتها في التشكيلة الثامنة لحكومة إقليم كردستان العراق، وقلنا بان السلطة الحالية في الإقليم هدفها الواضح هو القضاء على أى صوت معارض، فهى لا ترغب فى وجود أى ضغط ولو بسيط عليها وتريد ممارسة كل قراراتها بدون اعتراض من أحد.

نعم....كنا نتمنى أن تلتزم المعارضة الكردية بوعوداتها لبناء الوطن ومحاربة الفساد والتوزيع العادل للثروات وبناء البنية التحتية وإصلاح النظام السياسي وكتابة دستور للإقليم يفصل بين السلطات بدلًا من ارتهانها وتبعيتها للسلطة ومشاركتها في التشكيلة الثامنة لحكومة إقليم كردستان والتي أثبتت فشلها بكل المقاييس....!!

ومن خلال ما اوردناه اعلاه، لابد لنا من طرح الأسئلة التالية: بعد ان فشلت المعارضة الكردية تماما في اداء مهامها بدرجة امتياز، إلى أي حد يمكن الحديث عن وجود او ايجاد معارضة كردية حقيقية قادرة على أن تعيد التوازن الى البرلمان وتشكل سلطة مضادة للسلطة التنفيذية لتدافع عن المبادئ الأساسية (للديمقراطية) و(الحريات العامة) وتراقب العمل الحكومي و تقود الرأي الأخر و تتولى قيادة الناس المعارضين لقرارات وتصرفات السلطة،وتقف بالمرصاد لإدانة التجاوزات كيفما كان نوعها واستخدام الوسائل الشرعية من أجل ربح الرهان السياسي...,عكس ما فعلت حركة التغيير والقوى المعارضة بشكل عام والتي وقعت في فخ السلطة بعد انتقالها من المعارضة إلى السلطة والمشاركة في التشكيلة الثامنة لحكومة إقليم كردستان بعد ان كانت القوة الوحيدة في الاقليم تمتلك القدرة على (التغيير والإصلاح الحقيقي و كسر سلاسل التبعية الاقتصادية والسياسية وقيادة الجماهير الكردستانية الغاضبة من نهج وسياسة السلطة المحلية )...؟.&

اذا كان التوجه نحو إِجراء انتخابات تشريعية مبكرة أمراً ليس سهلا وحلا غير واقعيأ للازمة السياسية في الوقت الحاضر،لاسباب عديدة منها: (الازمة المالية والاقتصادية التي تعصف بالاقليم، الحرب ضد داعش،عدم حسم ملف المناطق المتازع عليها، عدم تحديث سجل الناخبين، والسبب الاخير والاهم من كل هذه الاسباب التي ذُكرت هو: عدم قبول الخاسر بالهزيمة والنتيجة واللجوء الى العنف وخاصة في هذه المرحلة الحساسة والخاصة التي يمر بها الاقليم والتي باتت واضحة للاعين ولايمكن اخفاؤها او التقليل من حجم مخاطرها )، اذن ما هي البدائل الممكنة الاخرى للخروج من الأزمة الحالية في حال عدم التوصل القوى السياسية الكردية إلى توافق بشأن أزمة الرئاسة، وخاصة ان الظروف السياسية والاقتصادية التي يمر بها الإقليم الان تجاوزت (المعقول والممكن) معأ؟ هل هناك حلا اخر غير (التوافق) لاستمرار حكومة ( القاعدة الهشة) في تخبطها. الى متى تستمر لعبة شد الحبل بين الاخوة الاعداء؟ من يدفع ضريبة الانقسامات والتناحرات والتطاحنات الحزبية بين الاحزاب الكردية ( 4 1 + )؟.

اختم مقالتي بمقولة الاديب الروسي الكبير (مكسيم غوركي) وهي: فتشوا دائما عن الحقيقة، ودافعوا عنها ولو كلفكم ذالك حياتكم، إذ إن اولادكم سيعيشون بعدكم سعداء.