&

عندما قال نزار:
والعالم العربي أما نعجة مذبوحة أو حاكم قصاب..
فإنه بحدس الشاعر الملهم يقصد أنه لولا وجود النعجة في الأصل التي تملك قابلية الذبح لما سن القصاب سكينة ليذبحها كلما جاع أو هاج أو إشتاق لرؤية الدم المسال.
الغريب أن شاعرا كنزار لم يحدد نسبة النعاج في أمته مقابل نسبة القصابين.. قد يكون بسبب أن الشاعر لا يملك موهبة الرياضي في فهم الحساب والنسب الرياضية مثلما أن أينشتاين مبدع النظرية النسبية لم يقدر على إبداع بيت شعر كقول نزار مثلا:
بعض النساء وجوههن جميلة وتصير أجمل عندما يبكين
تلك الدموع الهاميات أحبها وأحب خلف سقوطها تشرين!
وقد يكون نزار عمد على إخفاء توقعه للنسبة التي قد لاتخفى على قارئ بسيط فما بالنا بشاعر عبقري كنزار الذي ترك الأمر للمتلقي كي يسبح في الخيال المؤدي الى خلق نوع من التفكير الإيجابي؟!
لأن من يقرأ ذلك البيت الشعري يعتقد أن نصف العرب نعاج ونصفهم الآخر قصابون وهي معلومة غير صحيحة.. والمؤكد أن أية أمة ضعيفة تنجب قصابينها لكن نسبة القصابين تكون أقل من نسبة المقصوبين , والقصب هنا ليس المقصود منه فقط قطع الرؤوس بشكل عام وانما المعنى المجازي للذبح الذي تردده العامة كتعبير عن أية حالة من الكبت أو القمع وقد يكون مصحوبا ببعض السحل أو جز رقاب لبعض المخالفين لأنظمة القصاب!
لذلك فأنا دائما ضد من يحملون الأنظمة مسؤولية قهر الشعوب والدليل أن الشعب العراقي تخلص من القصاب صدام بدعم من شعوب تحررت منذ عقود من ظلم القصابين حتى لو كانت لدول تلك الشعوب مصالحها.. فإذا بالعراقيين يصنعون قصابين أكثر عنفا وقطعا للرؤوس , وبدلا من وجود قصاب واحد للعراق أصبح لديهم آلاف القصابين.. وكذلك في بقية الدول الربيعية العربية التي ثارت بعض فئات الشعوب فيها من أجل التحرر من القصابين فخرج لهم آلاف القصابين المتوحشين كدليل على أن الأمة العربية تملك نسبة عالية من خلايا الجين المستنعج السابح في الدماء الهادرة عشقا في صنع المزيد من القصابين والنصابين أكثر من أن تكون تلك الثورات من أجل التخلص من قصاب واحد ربما كان أرحم بكثير من وحشية القصابين الجدد!
وان هذه الأمة لديها قوة عجيبة في خلق واقع متوحش تستمتع فيه بقسوة الساديين الذين لايمارسون ساديتهم ولا وحشيتهم إلا ضد أمتهم المستنعَجة!
وعندما ذكر مالك بن نبي أنه لو لم يكن عند أمة قابلية للإستعمار لما استعمرها أحد فإنه لم يخطئ القول ونستطيع أن نقيس على قوله بأنه لو لم يكن عند أمة قابلية للإستنعاج لما اقتصبها قصاب ولما خرجت الملايين تهتف ضد قصاب لتنجب آلاف القصابين !
والإسم قصاب له جرس موسيقي كجرس الإسمين نصاب و اغتصاب وجميع صفات الأسماء الثلاثة تجتمع في أي واحد منهم.. فالقادر على القصب هو نفسه المغتصب النصاب.
سيأتي من يقول لكن فكر التوحش والحث على ممارسته موجود في مدارس أغلب الدول العربية مما يساعد على صناعة أجيال من المستنعجين والقصابين.. لكننا نعود لنتذكر قول مالك بن نبي حول قابلية الانسان وخضوعه لفكر معين يتناسب مع طبيعته أو تكوينه أو جينه أن يكون مستعمَرا أو مستنعَجا ،لأننا لو سلمنا أن مناهج معينة أو منابر تشارك في صناعة الإنسان النعجة أو القصاب لتساءلنا بكل استغراب , ولم تكون البيئة حاضنة أو قابلة لفكر يستبد بحياتها لو لم تكن تلك البيئة بأغلبية ساكنيها تملك الرغبة والإنسجام مع ذلك المنهج أو المنبر الذي يجعلها مناسبة لحالة معينة من العيش في الحياة عكس بيئة أخرى مناقضة لها ترفض أن تعيش نفس الحالة بسبب إختلاف فكرها وقابليتها عن تلك البيئة الحاضنة لفكر الإستنعاج؟!
لماذا مثلا نرى العربي يتقبل فكرة التعايش مع الآخرين بكل اختلافاتهم الدينية والعرقية والفكرية والسياسية عندما يعيش في عالم غير عالمه العربي بل ويعكس حالة السرور والابتهاج وهو يمارس حريته دون مساءلة من أحد ثم ينقلب الى انسان خائف ومتوحش ومتناقض عندما يعود للبيئة الحاضنة في أغلبية سكانها لكل فكر استنعاجي وترفض التعايش؟!
لذلك فإنه لا غرابة أن نرى دولة تؤسس مناهج تعليمها ووسائل منابرها حسب التكوين النفسي لمجتمعها سواء كان ذلك المجتمع يعشق أن يعيش حرا كبشر أو يعشق العيش في زريبة كنعاج !
الإنسان: هو من يختار فضاءه حسب نسبية كرامته!!
[email protected]
&
&