&

التظاهرات التي إجتاحت بعض مدن كوردستان خرجت فجأة عن مسارها السلمي وكونها تظاهرات قانونية وحضارية للمطالبة بحقوق مشروعة و تحولت الى هجمات منظمة طغى عليها العنف واستعمال السلاح وحرق مقرات ومكاتب الحزب الديموقراطي الكوردستاني على وجه التحديد مما عمق الازمة الحالية المفتعلة اصلا و زاد من مساحة الخلافات بين الاحزاب الرئيسة الممثلة في الحكومة والبرلمان.

بغض النظر عن الاتهامات المتقابلة وتمسك كل طرف بطروحاته وموقفه لاسباب لا علاقة لها في الواقع بالمشاكل اليومية للمواطن المغلوب على امره فان التغيير النوعي في المظاهرات وتحولها من تعبير سلمي و ممارسة ديموقراطية الى استعمال العنف المنظم هو في الحقيقة بسبب سياسة حكومة اقليم كوردستان تجاه الاحداث والقوى الاقليمية والدولية هذه السياسة التي تتميز بقدر من الاستقلالية وعدم الانجرار الى هذا الحلف او ذاك خاصة والاقليم كما العراق اضعف بكثير من القيام بمثل هذه الادوار او الدخول في محور ضد اخر فالوضع العراقي عموما والكوردي خصوصا يتطلب الكثير من الحذر والحيادية وهو امر صعب للغاية في غابة الصراعات الاقليمية والدولية في المنطقة.

استقلالية اقليم كوردستان العراق ومحاولة حكومته ان تكون وسيط خير و موقفها من الاحداث في سوريا وعدم السماح بان تكون كوردستان العراق ممرا ومعبرا لدعم النظام السوري ضد المعارضة السورية والتمسك بمبدأ عدم التدخل مالم يكن هناك اجماع اقليمي ودولي لهذا التدخل كما حدث خلال الهجوم الارهابي الشرس على مدينة كوباني هذه الاستقلالية كلفت الاقليم وتكلفه اليوم ثمنا باهضا وهو ما يجري حاليا على الارض من محاولة لتدمير الامن والاستقرار فيه وتعميق الخلافات بين اطراف العملية السياسية ونقل الصراع الى الشارع الكوردي وتحويله من صراع سياسي مدني وخلاف في الرأي والموقف الى صراع دموي يسقط تجربة الاقليم الناجحة قياسا ببقية انحاء العراق ويغرق منطقة كوردستان في بحر من الدماء والدموع.

ان تواجد بعض المندسين في هذه التظاهرات السلمية و تحويلها الى هجمات هدامة يتخللها اطلاق النار وحرق المكاتب و بعض دوائر الدولة واستهداف الحزب الديموقراطي الكوردستاني بالذات من دون بقية الاحزاب والكتل السياسية المشاركة في البرلمان والحكومة واللذين يتقاسمون المسؤولية ويتحملون نتائجها بالتساوي سواء كانت نجاحا او فشلا يكشف بوضوح عن ان الجهة الداعمة والموجهة لهؤلاء المندسين مصممة على معاقبة اقوى طرف في الحكومة الاقليمية والشارع الكوردي بسبب استقلالية الاقليم وحكومته وخلق حالة من الفوضى والارباك المدمرة لوأد التجربة الكوردية و مشروعها الديموقراطي الوليد الذي يهدد كل الاطراف الغارقة في تمجيد العبودية والغاء كرامة الانسان وحقوقه المشروعة ومنع الشعب الكوردي من تحقيق طموحاته العادلة والمشاركة مع شعوب المنطقة في ارساء اسس السلام والعدالة والحرية والتعاون الحضاري المثمر.

المظاهرات الجماهيرية السلمية في ضل قوانين ودستور اقليم كوردستان ستستمر الى ان تتحقق اهدافها العادلة وهي عادلة حقا كما هي في التحليل الاخير تأكيد على أن المشروع الديموقراطي في كوردستان بخير وانه يزداد رسوخا وثقة بالمستقبل وهو الذي سيحمي استقلالية القرار الكوردي في خضم كل التطورات التي تشهدها المنطقة وان معاداة الكورد اصبحت عمليا وفي دنيا الواقع ورقة خاسرة لا يجني من يلجأ اليها غير الخسارة والخذلان ولعنة التأريخ.

* sbamarni@ hotmail.com