تثبت روسيا بقيادة سيد الكرملين "فلاديمير بوتين" أنها خير من يفهم قواعد لعبة السياسة الدولية ويدرك حقيقة التوازنات الدولية، فهذا النشاط الدبلوماسي المكثف الذي يشهده منتجع سوشي من دول كانت بالأمس القريب تحمل موسكو مسؤولية ما يحدث في سوريا يثبت تعاظم الدور الروسي، وأن موسكو باتت لاعبا رئيسا لا يمكن تجاهله، وأنها تمتلك مفاتيح الحل للأزمة السورية.

ويكشف هذا الانفتاح على موسكو مهارة الدبلوماسية الروسية، وقدرتها على اقتناص الفرص في ضوء تراجع الدور الأمريكي على المستوى العالمي، ويؤكد على تعدد خيارات موسكو فهذا النشاط الدبلوماسي يرافقه عقد اتفاقات اقتصادية ذات طابع استراتيجي بين دول عربية وروسيا.

لقد فهم فلاديمير بوتين حقيقة ضعف البيت الأبيض فى المرحلة الحالية، وأدرك أن باراك أوباما يتبع سياسة انسحابية انعزالية تقوم على الخروج من كل أماكن المواجهة والتوتر فى العالم فضلا عن التخلي عن حلفائه بسهوله، وفضل أن يمضي ما تبقى له في البيت الأبيض بعيدا، يستعيد ذكرياته، ويلملم أوراقه استعدادا للرحيل قبل نهاية عام 2016.

قبل الرحيل رأى «بوتين» «أوباما» ينسحب من أفغانستان والعراق بعد أن تحولتا إلى فوضى و كلفت الخزانة الأمريكية نحو 3 تريليونات دولار، وراح يبحث عن اختبار عملى لقدرات إدارته للعب مع روسيا فى أوكرانيا وتحديدا شبه جزيرة القرم، وفي نهاية المطاف نصح "أوباما" الحكومة الأوكرانية بعدم تدخل الجيش الأوكراني في شبه جزيرة القرم لتجنب المواجهة العسكرية مع موسكو. هناك وفى الميدان العسكرى، على أرض أوكرانيا تأكد «بوتين» أن «أوباما» لا يملك أى إرادة أو قدرة على المواجهة، وأن أقصى ما يمكن أن يفعله هو استخدام مجلس الأمن الدولى لفرض عقوبات على موسكو.

اراد بوتين بعد ما تأكد من أن «أوباما» لن يفعل شيئاً على الأرض فى الحرب الدائرة داخل سوريا أن يملأ هذا الفراغ الأميركي في أماكن التوتر في العالم خاصة سوريا، فقد سبق وهدد أوباما الرئيس السوري بشار الأسد إذا استخدم الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين، ولم يبال الأسد بتهديده ولم يفعل أوباما شيئا.

لذا كان قرار بوتين بالتحرك سريعاً وشن غارات جوية في سوريا وتعزيز الوجود العسكرى الروسي هناك، وفى أقل من أسبوعين حدث ما يلي :

أولا: نقلت موسكو مقاتلات طراز «سوخوى 24» و«سوخوى 25»و اتبعت ذلك بشحنات من المروحيات الحديثة.

ثانيا: دعمت أسطولها في القاعدة البحرية باللاذقية وأرسلت 2000 خبير قتال روسى على أعلى مستوى من الخبرة.

ثالثا: انشئت مراكز اتصالات فى القاعدة الجوية باللاذقية تغطى جميع الأراضى السورية ودعمت قاعدتين جويتين سوريتين تناسب المقاتلات الروسية.

رابعا: البدء بأول 20 طلعة جوية ضد أهداف مختارة لمعارضى النظام واطلاق صواريخ بالستية من بحر قزوين على اهداف محددة في سوريا.

تقول وزارة الدفاع الروسية إن غاراتها تستهدف تنظيم داعش، في حين يقول الغرب إن الغارات تستهدف معارضي الرئيس السوري.

وبعيدا عن القيل والقال فإن هذا التمدد الروسي في الفضاء الحيوي الأمريكي هو بداية رسم جديد لخريطة التحالفات الإقليمية والدولية، لقد وضعت المبادرة الروسية المتعلقة بالتعاون في مكافحة الإرهاب، الجميع على المحك ليتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، من يريد اللعب مع جماعات الإرهاب ودعمها، ومن يريد القضاء فعلا على الإرهاب في سوريا والعراق وليبيا، لقد أربكت روسيا حسابات واشنطن المستمرة لاستنزاف دول وشعوب المنطقة، سواء بالصراع

بين بعضها أو بالصراع داخل كل بلد على حده، وفتحت الباب واسعا أمام خيارات جديدة لمختلف الملفات في المنطقة.