لا شك فيه، إن الثورة السورية إفشلت بفعل فاعلين كثر، وعلى رأس هؤلاء يأتي النظام السوري المجرم. هذا النظام بخبثه وخبرته الطويلة في خلق المشاكل، وإختراق صفوف المعارضين له وتصفيتهم جسديآ، إستطاع التغلغل بين صفوف الثوار، وتوجيه عناصره كما يشاء، والإساءة للثوار وثورتهم السلمية، من خلال إطلاق عناصره بعض الشعارات الطائفية أثناء المظاهرات، وإطلاق النار على رجال الشرطة من أسلحة فردية وتخريب الأملاك العامة. والنظام كان يستخدم تلك الأفعال كحجة ومبرر لإستخدام العنف ومزيدآ من العنف ضد المتظاهرين المسالمين وإتهام الثوار بالإرهاب.&

إستمر الوضع هكذا حوالي سبعة أشهر، وكان كل يوم يسقط عدد من الشباب ضحايا رصاص الأجهزة الأمنية الأسدية الشرسة، مما دفع الناس بالتفكير في الدفاع عن أنفسهم أثناء المسيرات والتجمع في ساحات المدن السورية. وهكذا أخذت الثورة تتعسكر تدريجيآ، بدفع من النظام بهدف إفشالها والقضاء عليها بقوة السلاح. وبعد أن أوغل النظام في دماء السوريين، لم يعد من مجال أمام الشعب السوري، إلا رفع السلاح والدافع عن نفسه، وهنا بدأت حركة الإنشقاقات تدب في صفوف الجنود والضباط السنة وأخذوا يشكلون مجالس عسكرية لحماية المتظاهرين وقراهم ومدنهم من بطش النظام.

في هذذا الوقت أخذ النظام بالإفراج عن المتطرفين الإسلاميين المسجونيين عنده، وقام بتسليحهم من أجل ينافسوا الثوار ويسيطروا على المشهد، لكي يقول النظام للعالم ليس هناك من ثورة ولا ثوار، كلما ما في الأمر هناك مجموعات إسلامية متطرفة، خارجة على القانون والدولة تقوم بمحاربتهم. ولتحقيق هذا الهدف سهل النظام دخول ألاف الإرهاربيين إلى سوريا وقام باستدعاء البعض منهم من لبنان والعراق ودول إخرى عديدة. والجميع يعلم إن الكثير من هذه التنظيمات الإرهابية كانت على صلة بالنظام السوري، ومخترقة من قبل أجهزته الأمنية.&

والجهة الثانية التي أفشلت الثورة السورية، هي غياب قيادة واحدة للثورة وإمتلاك برنامج يجمع عليه كافة السوريين من كردٍ وعرب وإثنيات صغيرة ومذاهب وأديان. وهذا ما سمح للقوى التي لا علاقة لها بالثورة، من ركوب ظهر الثورة وإستغلالها لمأربها وإستعاد الروح لجسدها على حساب دماء الشعب السوري، ومن هذه القوى جماعة الإخوان "المسلمين" والقومجيين العرب، وبعض ديناسورات المعارضة السورية الذين فرضوا أنفسهم كأوصياء على الشعب السوري، وشكلوا مجلس اسطنبول المدعوم من المخابرات التركية والقطرية على وجه الخصوص. ورفضوا الإعتراف بالشعب الكردي وحقوقه القومية والدستورية، وتم إقصاء ممثليه وتعاملوا معهم كأي،&حزب سياسي ناشئ ورفضوا كتابة وثيقة تتضمن حقوق الشعب الكردي بما فيه الفدرالية، وتمنح الطائفة العلوية الضمانات، بعدم تعرضها للإنتقام في حال سقوط النظام، ونفس الشيئ إعطاء ضمانات للإخوة المسيحيين بأن سوريا القادمة ستكون دولة مدنية ديمقراطية، تعددية، تحترم كل الأديان وبنفس القدر، وتكفل حق المسيحيين من إشغال أي منصب كان في الدولة، بما فيهم منصب الرئاسة، وتتضمن الوثيقة أيضآ حقوق المرأة والحريات العامة والفردية وحرية الصحافة والعبادة للجميع.

مثل هذه الوثيقة لو أنها دونت باتفاق جميع المكونات السورية القومية والدينية الرئيسية، ووقعت عليها، بعد الإتفاق على إسم الدولة وشعارها وعلمها ونشيدها الوطني، إضافة إلى صيغة الحكم (برلماني أو رئاسي أو مختلط)، وبعض القضايا الإخرى مثل تركيبة الجيش السوري القادم والأجهزة الأمنية، ووضع هذه الوثيقة كعهدة لدى الإمم المتحدة والإتحاد الأوربي، لجنب الثورة السورية الكثير من الويلات والإنقسامات، وأكسبتها إحترام دول العالم وشعوبها.

لكن التيار الديني الإخواني والسلفي ومعهم القومجيين العرب، المدعومين من قبل تركيا وقطر رفضوا ذلك، وإعتبروا الكرد مجرد مهاجرين، ولهم حقوق أي مواطن سوري لا أكثر، وقالوا لا وجود لشيئ إسمه الشعب الكردي! وبالنسبة للطائفة العلوية قالوا، عليها هي من تطمئن الطائفة السنية وليس العكس! كما رفضوا إستلام إمرأة منصب الرئاسة أو شخصية غير مسلمة. وبذلك خدموا النظام السوري، من حيث لا يدرون. ومن هنا إبتدأت الهوة تكبر بين الكرد ومجلس اسطنبول، وفشل هذا المجلس في جذب الطائفة العلوية إلى جانب الثورة، وحدث ما حدث.

أما الجهة الثالثة التي أفشلت الثورة السورية، هي بعض دول المنطقة "الصديقة" للشعب السوري، وفي مقدمتهم تركيا وبعض دول الخليج، كلآ على طريقته ولأسبابه الخاصة به. فتركيا لم يكن هدفها إنجاح ثورة الشعب السوري، وإنما إقامة حكم إسلامي إخواني في سورية، وبدليل توسط الأتراك قبل وبعد إندلاع الثورة توسطوا لدى بشار الأسد، وطلبوا منه إشراك جماعة الإخوان السورية في الحكم، لكن النظام رفض ذلك. وهذا أغضب ما أروغان الإخواني بنفس عثماني، وأعلن الحرب على حليفه وصديقه السابق بشار الأسد وفتح الحدود أمام كل إرهابي العالم، للقدوم إلى سوريا لمحاربة النظام القائم. والهم الثاني لتركيا كان، منع الكرد من الحصول على أية حقوق قومية ودستورية في سوريا، فما بالكم بانشاء كيان كردي ثاني على حدودها. ولهذا دعمت المنظمات الإرهابية بدءً من جبهة النصرة القاعدية، وإنتهاءً بنتظيم داعش المجرم. وقدمت لهم كافة أنواع الدعم العسكري والإستخباراتي والمالي، لمحاربة الشعب الكردي وكوباني خير دليل على ذلك.

قطر هي الإخرى لم تكن تبحث عن الديمقراطية للسوريين، بل هدفها كان مجرد إيصال جماعة الإخوان المسلمين المتحالفين معها إلى السلطة في سوريا بأي شكل، وحاولت الإستفادة من الأجواء السائدة أنذاك في المنطقة، بعد وصول حركة النهضة الإسلامية للحكم في تونس، وجماعة الإخوان المسلمين في مصر. ولهذا دعمت الموقف التركي في وجه الموقف السعودي والإماراتي. أما السعودية كانت تهدف تغير النظام لصالحها في حال تعذر تغير سلوك النظام السوري المتحالف مع إيران. المشكلة إن السعودية لم تستطع العثور على تنظيم سوري، غير إخواني ويساري الإعتماد عليه ودعمه، ولهذا قامت بدعم منظمات راديكالية لا تقل سوءً عن داعش.

أما الجهة الربعة التي أفشلت الثورة السورية، هي الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، الغربين من خلال منع السلاح والعتاد عن الجيش الحر، ومنح النظام المجال من قتل الشعب السوري وتهجيره وتدمير البلد، وتغاضت عن كافة جرائم النظام، بما في ذلك إستخدام الأسلحة الكيماوية والبراميل المتفجرة ضد المواطنيين. وإلتزمت الصمت إذا سماح تركيا بمرور المتطرفين عبر أراضيها.

هذه الجهات الأربع مسؤولة، مسؤولية مباشرة عن فشل الثورة السورية، وما ألات إليه حال السوريين وبلدهم اليوم. إن الروس والإيرانيين وحزب الله اللبناني وعصائب الحق العراقية، هم أعداء الشعب السوري وشركاء النظام في الجريمة، ولهذا لم أتحدث عنهم.&