في التأريخ العربي المعاصر، إتسم الموقف العربي الرسمي دائما بطابع التبعية و الانتظار السلبي لما تتداعى و تنجم عنه الاحداث و التطورات حتى يتم إتخاذ الموقف العربي المناسب منه، وهکذا مواقف تتخذ في ظلال أحداث و تطورات يرسمها و يحددها آخرون، هي قطعا هزيلة و غير ذات أهمية ولذلك فقد کانت المواقف الرسمين العربية دائما لاتأثير او دور لها.

المواقف الدول العربية المختلفة و طوال العقود الماضية ظلت على السياق سارد الذکر ماعدا موقفين لابد من الإشارة لهما بالبنان و إعتبارهما نوعيين في تعاملهما و تعاطيهما مع الاحداث و التطورات و جعل الآخرين يتخذون المواقف في ضوئها، کما کان الحال مع حرب أکتوبر 1973، التي باغت بها الرئيس المصري الراحل إسرائيل و حقق نصرا عربيا کان العرب يتحرق إليه من الخليج الى المحيط، وکذلك الامر مع عملية"عاصفة الحزم"، التي کانت بمثابة أول موقف عربي رسمي جرئ و من نوعه ضد التدخلات العدوانية الايرانية في المنطقة بحيث أربکت طهران و دفعتها لأول مرة تصدر تصريحات فيها الکثير من التخبط و الانفعال نظير إعتبار العدو الاول للجمهورية الاسلامية الايرانية السعودية.

منذ تأسيس الجمهورية الاسلامية الايرانية، والمنطقة العربية بشکل خاص، تشهد تدخلات مختلفة من جانب طهران أوصلت الاوضاع في نهاية المطاف الى إعتبار 4 عواصم عربية تابعة لطهران، وهي حقيقة واضحة يذکر العرب بها دائما مستشارو المرشد الاعلى الايراني و قادة الحرس الثوري، خصوصا عندما يتفاخرون بذلك و يعتبرونه إنتصارا لمبادئ الثورة الاسلامية.

الجمهورية الاسلامية الايرانية التي تصرفت و تتصرف على طريقة و اسلوب(عنترة أبن شداد)، بأن تضرب الضعيف ضربة يوجل و يرجف منها قلب القوي، تقوم حاليا بتوظيف جهودها من أجل إيقاف تأثير و مد عملية عاصفة الحزم، والتي کان مقدرا لها أن تصل الى سوريا خصوصا بعد الهزائم المتتابعة المنکرة التي صار(الثوار الحوثيين و العلي صالحيين) يتلقونها يوما بعد يوم، لکن طهران و عشية الهزائم التي تلقاها قوات الاسد و إنهيار معنوياتها، فقد بادرت طهران للإستنجاد بموسکو، في صفقة يمکن تحليلها من عدة جوانب لکن أهم و أخطر جانب فيها هو إن طهران قد فقدت زمام المبادرة في سوريا کما فقدتها قبل ذلك في اليمن، وهو کما يبدو مٶشر بالغ الخطورة لم يأخذه العرب لحد الان على محمل الاهمية اللازمة و الجد ذلك إن عملية"عاصفة الحزم"تتطلب جهدا سياسيا و تعبويا و تحرکات دبلوماسية مقترنة بها من أجل دعمها و شد أزرها.

في خضم الاحداث و التطورات الجارية، فوجئ العالم بهجوم صاروخي عنيف تعرض له مخيم ليبرتي الذي يقطنه قرابة 2000 من أعضاء منظمة مجاهدي خلق الايرانية المعارضة حيث قضى 23 من السکان نحبهم، هذا الهجوم الذي صدرت إدانات دولية مختلفة بحقه، کان الصمت العربي مميزا ازاءها، حيث إن الهجوم الذي جرى على أرض عربية لم يحرك ولو نظاما عربيا واحدا، وکأن الامر لايعنيهم في حين إن العکس صحيح تماما.

منظمة مجاهدي خلق التي لعبت دورا مميزا في کشف المخططات الايرانية في المنطقة بدءا من العراق و مرورا بسوريا و لبنان و اليمن و إنتهاءا بمصر و دول المغرب العربي، أثبتت عمليا بإنها تقف الى جانب أمن و إستقرار هذه الدول و ترفض تلك المخططات التي يتم تنفيذها من أجل المشروع الخاص بالجمهورية الاسلامية الايرانية في المنطقة والذي کان الصمت العربي عنه سببا رئيسيا لإستحواذه على 4 عواصم عربية، کان يجدر بالدول العربية أن تبادر الى إتخاذ موقف آخر غير ذلك الصمت الملفت للنظر، خصوصا وإن الطرف الذي أعلن"وکالة"مسٶوليته عن الهجوم هو نفسه من أمطر السعودية بصواريخه و هدد الکويت، فما هو سر الصمت هذا و تجاهل ذلك؟ هل ينتظر العرب سقوط عاصمة عربية أخرى، أم ماذا؟ وفي کل الاحوال إن للصمت العربي هذا ثمنه.

الصمت العربي عن مجزرة 29 أکتوبر بحق 23 معارضا إيرانيا، صمت ليس له مايبرره أبدا، لإنه وفي نهاية المطاف يخدم مصلحة طهران المتعارضة و المتناقضة تماما مع المصلحة العربية و الاجدر بهذه الدول وفي الاحداث و التطورات التي تمر سريعا و تنجم عنها الکثير من المستجدات و التداعيات أن يتدارکوا هذا الموقف السلبي و يصدر عنهم مايشير الى إنهم فعلا لايخشون من خطوط طهران الحمراء و التي أهمها خط تإييد و دعم منظمة مجاهدي خلق، والسٶال هو: الى متى ستبقى العواصم العربية متوجسة من عنترة الايراني؟