انعقاد مؤتمر القمة الرابع بين الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية في الرياض بالمملكة العربية السعودية يمثل نقلة كبيرة في مسار هذه القمم المشتركة التي انطلقت من البرازيل في العام 2005 . والأمر هنا ليس ، فقط لأن المملكة العربية السعودية اليوم أصبحت قوة سياسية إقليمية وازنة ، وقوة اقتصادية لها تأثير كبير على مجريات الاقتصاد الإقليمي والدولي ، ولكن أيضا ، لأن الحرص على بناء علاقات جيدة مع دول أمريكا اللاتينية ، في ضوء التحالف العربي الجديد بقيادة المملكة العربية السعودية يمثل جزء مهم من سياسات المملكة في علاقاتها الخارجية. وبطبيعة الحال فإن لاقتصاد المملكة والحاجات الاقتصادية والتنموية المتبادلة بين المملكة ودول الخليج والدول العربية& ، وبين دول أمريكا اللاتينية تأتي أيضا في مقدمة أولويات هذه القمة.
كما أن المملكة العربية السعودية تدرك تماما أن التنسيق بين الدول العربية من خلال نشاط مركزي لها في العلاقة مع بلدان أمريكا اللاتينية يعتبر من المهام الأساسية في مخرجات هذه القمة.
لقد أصبح دور العامل الاقتصادي في سياسات العلاقة الإستراتيجية بين الدول من أهم عناصر استمرارها وديمومتها ؛ فالشراكات الاقتصادية ، والتبادل التجاري ، والنشاط الصناعي بين الدول أصبح اليوم كذلك هو الوجه الآخر للعلاقات السياسية ولهذا جاءت كلمة للملك سلمان بن عبد العزيز في افتتاحية القمة مشتملة على العاملين الأساسين في علاقات الدول : السياسة والاقتصاد.
لقد شهد حجم التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي بين العرب ودول أمريكا اللاتينية ، منذ أول قمة بينهما في العام 2005 تطورا ملحوظا ومتسارعا على مدى عشر سنوات ، وهذا بحد ذاته محفز لتطوير العلاقة إلى آفاق أكثر تعاونا.
كانت السياسة حاضرة وبقوة في هذه القمة ، رغم تعدد الموضوعات التي تم تناولها في فعالياتها ، ولأن العرب اليوم يدركون جيدا أن كثيرا من ملفاتهم أصبحت ذا طابع عالمي ،& كالقضية الفلسطينية ، والنفط ، والوضع في سوريا ، وقضايا الإرهاب ودولته التي قامت بين الشام والعراق ، كل تلك الملفات أصبحت اليوم في ميزان السياسية الدولية تحتاج إلى مناصرين وداعمين للمواقف العربية ، لاسيما في أروقة المنظمة الدولية ومجلس الأمن.
كما أن العمل من خلال الكتل السياسية الكبرى ، والعابرة للقارات تجعل منه أكثر قدرة على استقطاب الأنصار والداعمين في المحافل الدولية.
لقد انتبه العرب مؤخرا إلى أهمية العلاقات التي تجمعهم مع أمريكا الجنوبية التي يبلغ عدد سكانها من ذوي الأصول العربية إلى حدود& 15% وهو عدد لا يستهان به لو تمت الاستفادة منه في تقريب الروابط بين الكتلتين.
إن دور المملكة في دعم التوجهات الاقتصادية للشراكة العربية اللاتينية ، سيكون فاعلا ، وبكل المقاييس ، تماما كالدور الذي تبنته المملكة سياسيا عبر قيادتها للتحالف العربي ، منذ أن تولى الملك سلمان بن عبد العزيز الملك مطلع هذه السنة.
هذه القمة العربية اللاتينية ، من جهة أخرى ، ستسحب البساط من أقدام قوتين إقليميتين أخريين في المنطقة ، لاسيما وأن البيان الختامي للمؤتمر (إعلان الرياض) خلا من أي اعتراضات على بنوده جميعها، كما صرح بذلك وزير الخارجية السعودي عادل الجبير.
ستضطلع المملكة العربية السعودية ، بعد نجاحها في تنظيم هذه القمة التي ختمت يوم أمس، بأدوار مهمة لانجاح الشراكات المستقبلية والاتفاقات التي تم توقيعها بين الإقليمين : العربي ، والأمريكي الجنوبي.
فقد خرجت هذه القمة بالعديد من المشروعات الطموحة في المجال الاقتصادي ، حيث عقدت على هامش القمة لقاءات بين رجال الأعمال من الطرفين لبحث الاستثمار في القطاع الخاص بينهما . كما تم الاتفاق على إنشاء خط بحري بين الإقليمين لتيسير حركة السياحة والتنقل ؛ إلى جانب تسهيل تأشيرات السفر من وإلى الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية.
إن نجاح واستمرار التعاون الاقتصادي والصناعي بين الإقليمين& رهين بتدفق الأموال ، وتبادل السلع ، وتنمية العلاقات في العديد من مجالات الصناعات المتقدمة في دول أمريكا الجنوبية ، وهذا النجاح سيشكل فرصة جديدة للمملكة العربية السعودية لقيادة دور عربي كبير في مجال الاستثمار والشراكة بين الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية ، وضخ أموال في مختلف قطاعات التجارة والصناعة.
وفي ظل التلازم بين جانبي الاقتصاد والسياسة في مخرجات هذه القمة ، ستشهد العلاقات المستقبلية بين العرب وبلدان أمريكا الجنوبية مزيدا من التعاون الوثيق والتحالف القوي للتنسيق معا حيال المصالح المشتركة لكل من الإقليمين أمام كافة المحافل الدولية والإقليمية.&
&