&صعقتني أحداث باريس, الذهول الذي أصابني غلف تفكيري وأدخلني في متاهات, وإن لم أتوقف عن متابعة الأحداث وقراءة كل ما أستطيع من الصحف العربية.. قتلتني حالة الإنكار الذاتي لمسؤوليتنا من بعض الكتاب الكبار. الذي عزا كل أسباب وجود داعش والفكر المتطرف للدول الغربية. محاولا بكل جهد تعميق الإيمان بإحساس الضحية التي لا تملك من أمرها شيئا لتعزيز نظرية المؤامرة الغربية مستندا إلى مساندة الغرب لأنظمة قمعية حماية لمصالحها. غافلآ ومتغافلآ وجود الحاضنة الطبيعيية لجذور التطرف التي تبرر بقاء وإبقاء وجود هذه النظم الإستبدادية من خلال ضفيرة متماسكة ما بين الثقافة والدين. أوصلت شبابنا وفي القرن الحادي والعشرين لثقافة الكراهية للآخر وللمختلف والعالم الذي لا يؤمن بما يؤمنه.. وتبرر ضمنيا لحق هذا المؤمن بتطبيق ثقافة الموت, تحت عذر الإحباط والتهميش والبطالة, في ظل سكوت أنظمة قمعية إستبدادية لا يهمها سوى البقاء في مناصبها وحماية نفسها حتى وإن كان على حساب تجهيل شعوبها!

المعضله نواجهها جميعا, وعلينا الإعتراف أن داعش لم تولد من العدم.. بل إن التربة التي أعاد إحياؤها رجال دين بلا ضمير ولا دين لم تعد قاصرة على حدود بقعة جغرافية محددة.. بل أصبحت عابرة للقارات وصلت من خلال وسائل التواصل الإجتماعي ومن خلال الإعلام المرئي لكل مسلمي الأرض. ولا زالت الحكومات العربية عاجزة عن وقف هدا الطوفان المتدفق من بلادها، سواء الطوفان البشري المهاجر الهارب من الفساد والمحسوبية والحروب الطائفية أو الطوفان الفكري القاتل كما في حلقة الإرهاب المقدس للشيخ ممدوح الحربي!

التطرف الذي وصل لكل عقل وإن تفاوتت درجاته.. مصحوبا بالحاجة للقمة عيش حقيقة أنه يؤكد فشل الحكومات في خطط تنمية تستوعب الأيدي العاملة، أسكت العاملين بمصنع ومستودع طرابلس اللبناني للأحزمة الناسفة والمتفجرات.. ولكن التعاطف مع الفكر المتطرف هو ما أسكت السكان الذين يعيشون قريبا منه عن الإبلاغ عنه إلى أن ضبطته قوات الأمن اللبنانية.

وعلى الجبهة الأخرى, المعضله التي تواجهها أوروبا وليس فقط فرنسا، حرب وتشديد على جبهتين. الأولى الداخليه بين مواطنين من رعاياها وصلهم التطرف الإسلامي, بحيث جعل منهم جهاديين متعصبين بتعليم عال الجودة لتوظيف التكنولوجيا الحديثة للتنفيس عن ثقافة الكراهية التي بثها فيهم الخطباء مستندين مرة أخرى إلى النصوص,. وبين لاجئين هاربين من الذل والقمع والإستبداد, إستغل المتطرف ظروف تعاطف الغرب معهم لينبث من خلالهم للوصول إلى أوروبا، بحيث أصبحت المعضله التي تواجه الغرب ذات حدين، تطرف داخلي من خلال أفكار عابرة للحدود ومنفذين فعليين من خلال عبورهم الفعلي للقارة ليتحد كلاهما لمحاربة الغرب الكافر.

تعليق جون كيري بأن إرسال قوات برية ليس بالإستراتيجية المثلى صحيح. لأن مهمة وأد الفكر المتطرف تقع على عاتق السكان وبالذات المسلمين الذين سكتوا عن التطرف الذي بثه ولا يزال فقهاء الدين سواء داخل البلدان العربية الإسلامية أم في الدول الغربية التي أعطتهم حق المواطنة.. فلا يمكن الإنتصار على هذا الفكر المتطرف إلا بقطع جذوره وتوحيد الجهود الداخلية والخارجية لمحاربته.

الجذور بدأت مع تصاعد الإسلام السياسي.. وما سمي بالصحوة الإسلامية. خلال الثلاثون سنه من هذه الصحوة إستندت إلى تأجيج عواطف المسلمين.. مستغلة ومستندة إلى النصوص والأحاديث في ثلاثة أمور, المرأة.. الجهاد والتكفير.. ووقفت الحكومات العربية والإسلامية تتفرج على السيرك الذي تقدمه القنوات التلفزيونية والذي يروّج لهذه الأفكار الهدامة.. بهدف تطّويع شعوبها للقبول بأنظمتها الإستبدادية.. وسكتت هذه الأنظمة عن تكفير هؤلاء الفقهاء لمثقفين حملوا هم ما يحدث وتخوّفوا من حدوث ماحدث أمثال إسلام البحيري وفوج فودة وغيرهم.

حقيقة أن جزء من المسئولية تقع على عاتق الغباء السياسي الغربي حين غض النظر عن إحياء وترويج الفكر الجهادي لمحاربة الوجود الروسي في أفغانستان ولكننا فشلنا في مسؤوليتنا في لجم فقهاء الدين الذين إستغلوا القنوات الفضائية في تبرير كل الأفكار الهدامة في مجتمعاتنا وإبقائها في خيمة التخلّف والجهل. وفشلنا بالإعتراف بأن نصوصنا أيضا مثلها مثل أي نصوص أخرى ربما طالها التحريف؟

تداعيات أحداث باريس ستصل القارات كلها.. لأنها وضعت العالم كله أمام سؤال واحد ما هي اولويات شعوبه. هل هي الأمن.. أم المصالح الإقتصادية.. قرار الرئيس الفرنسي "" إذا لم تراقب أوروبا حدودها ستعود فرنسا إلى حدودها القومية "". سيحث بقية دول العالم إلى الخيار ما بين العودة إلى الدولة القومية أم الإتحاد لمحاربة داعش ومتطرفي الإسلام.. ومنها الإسلام السياسي..والقرار واضح فلا يمكن العودة إلى الوراء. ولكنها وفي كل الأحوال ستعمل على مشروع إنفصال تام ولو مؤقت بين العالمين. العربي –الإسلامي وبين سائر دول العالم وبالتحديد العالم المتحضر وستدفع الجاليات العربية والمسلمة إلى الإختيار ما بين ولائها للدول المضيفة والتعايش أو إنتقالها إلى مواطنها الأصلية.. خاصة وبعد قيام الدول المضيفه بعدم السماح بإزذواجية الجنسية وتقنين الجنسية الواحدة.

خطة فرنسا الأمنية لن تبقى قيد حدودها وحدها.. وستعمل بها بقية الدول الأوروبية مهما كانت تبعاتها على قيمها في الحرية والحقوق. لأنه وفي ظل الظروف الحالية فإن الخيار الشعبي الأول.. الأمن.. الأمن، وثم الأمن. حتى وإن كان مؤقتا و لكن الإنتصار الأكيد لقيم الحرية وحقوق الإنسان. وعلينا المساهمة الحقيقية في هذه القيم والمبادىء من خلال قتل الأفكار المتطرفة في قلوبنا والإعتراف بأولوية حقوق الإنسان والمساواة بيننا كبشر على أية أفكار أو عقائد تتناقض معها.