&

أدعي أنني اقرأ كثيرا مما تكتبه الصحافة العربية والعالمية. فالأحداث المتسارعة في منطقتنا تسد شهية الإنسان، وتفتحها في الوقت ذاته لمعرفة ما يدور من حوله وما سيحدث في غده.
من الأشياء التي تتكرر القول بأن الإسلام السعودي المتشدد كان هو البداية عندما تجاوز الحدود الى الخارج، فأنجب القاعدة ومن بعدها داعش.
أولا، لا يوجد هناك اسلام سعودي وآخر هندي. الإسلام هو واحد.
ثانيا، السعودية دولة اسلامية. ومن الصعب الفصل فيها بين الديني الخالص والسياسي الخالص، سيما وأنها مهبط الوحي وبلد الحرمين. هذان الحرمان تحديدا اقتطعا من الميزانية السعودية، طوال تاريخها، أكثر من أي دعم مباشر او غير مباشر لأي تيار ديني او سلفي في المجتمع. لست في وارد الدفاع عن السعودية، بل سأقول انها بالغت في دعمها وتعاطفها مع التيار الديني في الداخل، لكن هل كان ذلك هو السبب في انتشار المد الى الخارج، وهل كان هو السبب في أن يتحول هذا الإنتشار الى تطرف وقتل؟
.. إن كانت السعودية متهمة فمعظم دول العالم متهم ايضا. أين كان العالم الغربي الذي إن اتسقت مصالحه مع الدين دعمه، ثم لا يلبث ان يحاربه إن خالف مصالحه، تماما كما حدث في أفغانستان.
وأين هي دول عربية واسلامية الدين بالنسبة لها عصا موسى لا قرآن وإيمان؟
السعوديون ربما كانوا اكثر الشعوب امتلاء بالدين. سواء بطريقة صحيحة ام خاطئة. لكن على المستوى الرسمي هل يمكن القول بأن السعودية هي من دعمت التيارات الدينية المتشددة داخل اوروبا؟ وهل كانت هي وراء حركات الإسلاميين في الصومال او المغرب او الجزائر وتونس والعراق وسوريا، وكأن بقية العالم حمامة سلام؟
السياسات الأمريكية الرعناء أطلقت الشرارة. تطرف حكومات اخرى حولتها الى نار. الحرب في سوريا والسياسات الغربية المبالغ في ميكافيليتها وفهمها الخاطئ للمنطقة حولت النار الى جحيم.
الغرب الذي استعمر جل العالم العربي، لم يفهمه. وما يزال حتى اللحظة لا يفهمه.
حتى الأمس كنت اهزأ بمن يقول ان عنصرية الغرب هي سبب التشدد الديني في أوروبا. حتى الأمس كنت اتعاطف مع اولئك المحللين، وجلهم من العرب والمسلمين، الذين يقولون إن تهميش الجاليات الإسلامية في الغرب لا يبرر عنفها. الآن أقول لا.. لا يا سادتي، فالتجاهل يقتل. التجاهل يدمر. لو تجاهل الأب إبنه سينشق عليه.. ولو تجاهل المجتمع ابناءه فسينقلبون عليه، يقطعون الحبل السري الذي يصلهم به ثم لا يلبثون ان يقطعوا رأسه.
الأب والأم والأسرة التي من رحمها اتى المتطرفون، مدانون هم أيضا.
الإعلام الذي تجاهل إنسانية المحرومين وحقوقهم هو أيضا مدان.
المتهمون في حوادث باريس، هم أيضا ضحايا كما هم متهمون.
&أنا لا أبرر القتل أيا كان دافعه. لكني أقول أيضا إن القتل أحيانا لا يكون هو الموت فقط، بل هو الحياة المليئة بالعذاب أيضا. ولعل ذلك هو القتل الأكثر بشاعة في التاريخ..
المتهم الرئيسي الذي يجب ان يحاسب، ليس السعودية، ولا الإسلام، ولا سبعة اشخاص او عشرة فجروا هنا او هناك، بل إن غياب العدالة هو المتهم الأول. هذا الغياب هو من يجب ان يحاسب، ويستجوب لمعرفة لماذا غاب؟ ومن وراءه؟
السياسات الغربية في الداخلية قبل الخارجية منها، هي من يجب ان يحاسب، وهي المتهم الحقيقي. فنحن إن بررنا للسعودية إسلاميتها القوية، فكيف نبرر للدول الغربية غياب عدالتها القوية ايضا؟
[email protected]
&