في خضم المشاكل التي عانت منها جمهورية فايمار الألمانية، ورغم انهم لم تكد تمر خمسة عشر سنة على انتهاء الحرب العالمية الأولى، سلمت المانيا قيادتها الى الحزب القومي الاشتراكي الالماني (النازي)، وكانت الكارثة العالمية الأكبر في الحرب العالمية الثانية التي راح ضحيتها مئات الملايين في كل انحاء العالم وخراب اوربا، وكان سبب هذا التسليم هو المصاعب والأزمات التي مرت بها هذه الجمهوية وخصوصا سقوط العملة والانهيار الاقتصادي وتراكم الديون نتيجة الحرب الاولى. ولكن بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ادرك العالم ان العقاب ليس الطريق الوحيد لتحقيق العدالة، بل ادخال الخصوم في علاقات تبادلية والانتماء الى تيار انساني عابر للقوميات والوطنيات المتعصبة.ولذا تم وضع معايير جديدة لقيادة العالم وكانت بصورة عامة تحت قيادة الولايات المتحدة الامريكية وبمشاركة مع الاتحاد السوفياتي والدول الكبرى، حيث تم اخضاع الكثير من المصالح القومية الى القانون الدولي، وصار مجلس الامن هو القبان الذي من خلاله ومن خلال موازين القوى فيه تتم إدارة العالم. وعلى ضؤ نتائج الحرب المدمرة نمت في اوربا حركة سلمية ليبرالية او اشتراكية ديمقراطية تؤمن بحقوق الانسان باوسع مداه، ولم تتوقف الحركة عن تغييرات شكلية في النظام السياسي بل قادته وبعد ثورة شبابية في نهاية الستينات من القرن الماضي الى تغييرات في بنية المجتمع الأوربي كله. حيث دخلت الحريات الفردية الى صلب العائلة الاوربية، مما انجب أجيال من الساسة ينظرون الى العالم على انه وحدة واحدة وللناس على انهم كلهم متساويين. في العائلة الاوربية يمكن ان تجد ذي السحنة الافريقية او الصينية او الهندية، ويمكن ان تجد من يؤمن بالمسيحية او بالإسلام او القابالا او الأديان الهندية او الكونفوشسية، هذا الامر ليس في كل العوائل بالطبع الا انه معاش ويمكن ملاحظته حينما تتجول في الشارع الأوربي ستجده ماثلا امامك وخصوصا في المدن الكبرى. ان نتائج الحروب والتطور العلوم والمعرفة العلمية، وضعت الانسان الأوربي وغالبا الشرق اسيوي امام واقع هو ان الأرض بما فيها من التنوع ماهي الا كرة صغيرة تسبح بين ملايين اوبلايين البلايين من الكواكب والنجوم، وان احتمال تعرضها لضربة ما من نيزك كبير، كبيرة ولا يمكن تحديد نسبتها بالحقيقة الا بشكل نسبي، أي ان كل ما موجود على الأرض هو امام مصير واحد ومشترك بكل ما تعنية هذه المشترك من معنى. وهنا لا ندعي ان المجتمع الأوربي وصل الى المثالية التي نطلبها نحن ولا نؤمن بها، الا انه بالتأكيد اكثر المجتمعات تطورا وتسامحا وتقبلا للاخر.

ولكن الانسان ورغم كل ما يمتلكه من المعارف والعلوم، فانه سيكون معرضا لضغوط ومخاوف وتساؤلات مشروعة. ومنها السؤال الذي طرحه الامريكان بعد العملية الإرهابية الكبيرة في الحادي عشر من أيلول، وهو لماذا يكرهوننا؟ وقد يتسأل الاوربيين غدا ولكن ماذا فعلنا لهم؟ وارجو من القارئ ان لا يتشبت بمقولة الاستعمار، فهي اسطونة مشروخة وليست حقيقية بل كان الاستعمار من كل النواحي النافذة التي فتحت لنا لنرى العالم وما يحدث فيه، وكان الاستعمار هو من استخرج لنا مكنونات ارضنا وهو من داوى مرضانا وفتح طرقنا وعلم ابناءنا.

السؤال الأوربي سيجد ان الكره سببه حقد أيديولوجي فقط. منبعه كره الاخر ونعته بابشع الصفات، وحتى حينما يحتاج للاخر فانه مسخر له، أي ان الاخر وعلومه وتقدمة وفي الكثير من الأحيان مساعداته المادية والعينية هي كلها سخرة لهم لانهم الأفضل والارقى بسبب ايمانهم.

المشكلة الكبرى لدى المجتمع الحاضن للارهاب، انه بدلا من ان يعالج الأمور لديه، يحاول وبكل الطرق رمي السبب على الاخرين، فتارة قضية فلسطين، وهي قضية خاسرة ولا تمتلك مصداقية ولا المظلومية المدعي بها، لانها من انتاج العقل العربي الطامح للسيادة على العالم وعدم تقبل أي مساومات والخاضعة في كثير من الأحيان لموازين القوى. او ان العالم يعادي الإسلام، وهي مقولة شاعت مع ظهور الإسلام، ولكن الحقيقة ظهرت وبانت وهي ان الإسلام يعادي العالم، لانه افترض كل الاخرين أعداء له وان لم يقوموا باي حركة يشم منها معاداته. فهو من احتل ما كان لا يملك وهو من سبى وهو من فرض قوانين جائرة.

اذا بدلا من ينفتح المجتمع ويعزل المتطرفين، من خلال تطوير مناهج التربية والتعليم، والتي كادت ان تعود الى العصور القديمة وخصوصا بعد مرحلة السبعينيات من القرن الماضي، وبدلا من ان يقر المجتمع والدول بالحريات الفردية ويتعايش معها، وان يضع الدين في الركن الخاص به أي العلاقة بين الانسان وربه أي كان هذا الرب. عمل العكس وهو احتضان الإرهاب وترسيخ قوانين كارهة للاخر ومحدة من الكثير من الحريات الفردية، وداعما لتاكثر غير محدود للنسل في ظل أزمات اقتصادية واجتماعية، مما حدى بالكثيرين للاعتقاد ان حل ازماتهم لا يكون الا باستعباد الاخر.

عملية إرهابية تلو العملية، سيرتفع السؤال الأوربي وسيكون الرد، بالعودة الى الاحتماء بقوانين رادعة، امام قوى لا تعرف للحوار معنى او مكان. ولو لاحظنا فان التيارات اليمينية بدات تتحول الى حركات شعبوية وخصوصا حركة بيغيدا، التي تتمكن من تعديل شعاراتها لكي تتوافق مع المزاج العام، بحيث لا تحصره في معاداة عنصر ولكن في الدفاع عن القييم الاوربية وبالتالي الادعاء بانها تدافع عن قييم الحرية والديمقراطية، امام طغيان الإرهاب وفرض والاكراه على سلوك معين من خلال فرض قوانين وسلوك وزي معين بالقوة في الاسرة.

ان ادعاء البعض بان هذه الحركات لا تمثل الإسلام، لن ينفع امام الغضب المتنامي والمتصاعد اوربيا، وان كان لحد الان اتخذ مسار خطوات قانونية تقودها الدول. وخصوصا امام المطالب الشعبية التي تريد ان تعيش الامن والسلام. ولذا فان الجمهور الأوربي سيضظر لتسليم مقاليده الى قوى أخرى، تفرض حدود وقد تقود حروب خارج بلدانها لاجل استئصال افة الإرهاب المهدد للجميع. وحينها سيكون سكين الإرهاب قد انعكس باتجاه حامله ان لم يكن الان قد انعكس فعلا.