ونحن نتتبع جرائم الإرهاب من سيناء وجنوب لبنان والعراق وسوريا واليمن وليبيا، كنا حريصين في كل الأوقات علي تأكيد أن&القتل والدماء والترويع فعل شيطاني مرفوض من جانب كل الأديان ومن كافة المجتمعات وعلي جميع المستويات الانسانية المتقدمة والمتخلفه علي حد سواء. ومدان من مئات الملل والنحل ومن كل أجناس الأرض. وملعون عند كل الأيديولوجيات.&

لكن المدهش أن&تتذكر العديد من دول العالم، وبالذات العالم الغربي علي وجه التحديد، الأعمال الإرهابية التى مورست ضد مصر والكثير من الأقطار العربية منذ سنوات، فقط عندما تعرضت باريس لعملية إجرامية مساء الجمعة 13 نوفمبر الجاري، لعملية مماثلة لتلك التى عانينا ولا نزال نعاني منها.&

وأمنوا جميعاً أن المجرم الذي يخطط ويقوم بكافة عمليات القتل والترويع، واحد سواء كان فرد أو جماعة او تنظيم أو تيار. كلهم يحملون نفس مبادئ الخسة والنذالة ويشتركون معا في معاداتهم للإنسانية.&

واقتنعوا عن تجربة أن الإرهاب لا وطن له ولا دين. مستعد لأن يضرب بكل وضاعة حيثما أمكن له أن يجد نقطة ضعف لأنه يستهدف الإنسان أي كانت جنسيته ودينه وهويته لكي يقضي عليه ومن بعده يقوض التراث الإنساني برمته.&

هذا التذكر:

لم يترك قوة إقليمية أو دولية إلا ورسخ في عقديتها أن مبادئ الحياد في مثل هذه الأمور لم تَعد تجدي، وكشف لها جميعاً أن موقف الفرجة علي مآسي الأخرين قد إنتهي زمنه.&

وأن مقومات تنامي الإرهاب لا تتوافر إلا في بيئة المجتمعات المتخلفة فقط، ثبت عدم واقعيته، لأن حوادث لندن ومدريد وأخيرا باريس برهنت أنه قادر علي النفاذ إلي عقر ديار المجتمعات الديموقراطية بنفس القوة التى يمارس فيها نشاطاته في وسط غيرها من المجتمعات الأقل منها تحضراً ونمواً.&

حتى ما وثقته بعض المراكز البحثية حول ترصد الإرهاب لرموز وعقول بعينها، لم يصمد طويلا أمام ضرباته التى وجهها إلي غيرهم من رموز متنوعة وعقول متنورة.&

ولماذا نذهب بعيداً؟

فرنسا التى أحزنت العالم علي قتلاها مؤخراً وأمريكا التى إكتوت بنيران الإرهاب منذ أكثر من عشر سنوات والممكلة المتحدة التى أبطلت منذ شهر يونية الماضي نحو 7 محاولات إرهابية كان يخطط القائمون علي تنفيذها لإغتيال الأبرياء وإشعاعة الفوضي في بعض أنحاء العاصمة البريطانية. كلهم لم ينصتوا لصرخات الآخرين علي إمتداد الرقعة الجغرافية الممتدة من إفغانستان وسوريا والعراق إلي مصر وليبيا واليمن. ولم تستمع حكوماتها بوعي لمقترحات بعض العواصم العربية وفي مقدمتها القاهرة، وتمادوا جميعاً حتى الأمس القريب في رفضهم لكافة الأفكار التى عرضت علي رئاساتها السياسية لكي يكون لأجهزتهم الأمنية بصمة مشاركة في وضع إستراتيجية جماعية لمحاربة هذه الأورام السرطانية.&

ويمكن القول ان هذه الدول بالذات غضت الطرف في معظم الأحيان عن ما وقع بعيداً عن مجتمعاتها طالما أن النار لم تقترب منها ورفضت في احيان أخري المشاركة في تجفيف مصادر التمويل التي تقتات منها التنظمات التى تخطط لسفك دماء الأبرياء وتأخرت طويلاً في ادراجها علي قوائم الإرهاب، وساهمت الأكثرية منها في تمكين بعض قادتها من الإستقرار والإطمئنان للغد والمستقبل !! وتعاونت كلها لتنفيذ مخططات تخريب عدد من الدول العربية وهدم بنيتها الأساسية وتفتيت مجتمعاتها سعياً لتقسيمها إلي كانتونات قزمية.&

ولما وقعت حادثة شارل أبدوا في يناير الماضي إكتفت حكومة فرنسا بالتظاهر والإدانة والشجب ولم تقدم المساعدة الواجبة لشعوب عربية إكتوت بنفس القدر من النيران وواصلت المساهمة بأقل قدر من العمل العسكري في الحرب الدائرة فوق سماء سوريا والعراق، حتى أعلن تنظيم داعش الإرهابي حربه ضدها من قلب عاصمتها مساء الجمعة الدامي وقتل من أبنائها 129 وأصاب أكثر من 300 مواطن مسالم.&

فكيف كان رد فعلها؟

إنقلبت سياسات حكومة فرنسا 180 درجة مرة احدة، وسمعنا رئيسها يؤكد أنه لن يدخر جهداً في التصدي " للحرب التى أُعلنت علي الدولة ومواطنيها ". وأنصتنا جيداً لوزير داخليتها وهو يطالب أوربا كلها بضرورة الإستيقاظ " لمواجهة التهدديات التى سنتعرض لها جميعاً بلا إستثناء ". وتتبعناها عبر الفضائيات وهي تنقل إستراتيجيتها من الفعل السلبي إلي العمل العسكري والسياسي والدبلوماسي النشط المُنجز الذي تمثل في:

1 – القيام بمجموعة من الهجمات الجوية الناجحة ضد قواعد التنظيم في سوريا والعراق&

2 – إعلان تعاونها التام مع توجهات روسيا الحربية في المنطقة&

3 – نقل إحدي قواعدها البحرية العملاقة إلي شرق البحر المتوسط&

4 – تعهدها بأن تعرض علي الإدارة الأمريكية يوم 24 ومن بعدها علي الرئاسة الروسية يوم 26 الجاري الحاجة الماسة لتشكيل جبهة موحدة تضمها جميعاً لمحاربة الإرهاب&

5 – نجاحها في إستصدار قرار من مجلس الأمن يطالب دول العالم جميعاً بالتعاون معاً للقضاء علي الإرهاب بكافة أشكاله، وإلي مضاعفة الجهد للتصدي لتنظيم داعش " بعد أن اعلن مسئوليته عن هجمات باريس الدامية "&

ونسأل:

لماذا لم تتكاتف الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن معاً قبل اليوم لتبني قرار مماثل، برغم أن تنظيم داعش البربري الدموي أعلن مسئوليته عن العمليات الإرهابية التى أسالت دماء العديد من الأبرياء في مصر والسعودية وفي العراق وسوريا ولبنان وليبيا واليمن؟

ونسأل:

أين كانت هذه الهمة المتنامية عندما إقترحت مصر في منتصف تسعينات القرن الماضي عقد مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب برعاية الأمم المتحدة؟

ولماذا لم يدعم العالم الغربي الجهد السعودي في هذا المجال بعد تأسيس مركز متخصص في هذا الميدان بالرياض؟

ولماذا لم ترفع دول أوربا حالة التأهب بين أجهزتها الأمنية بعد أن تلقت من بعض مثيلاتها العربية ما يؤكد إحتمال تعرضها لهجمات إرهابية؟

المضحك المبكي:

أن نسمع وزير خارجية أمريكا يقول ضمن مؤتمر صحفي عقده يوم 20 الجاري أن الولايات المتحدة بإمكانها " إبطال مفعول تنظيم داعش بأسرع مما فعلت مع تنظيم القاعدة " وربط تحقيق ذلك بإنتهاء الحرب الأهلية في سوريا.&

وفي نفس الوقت لم يطلعنا كيري. كيف سيكون موقف واشنطن إذا وقع " هجوم بالأسلحة الكيماوية " حذر منه رئيس وزراء فرنسا مانويل فالس وتناوله بالتفصيل جيسون بيرك المحلل السياسي لصحيفة الجارديان البريطانية بعدد 20 الجاري، حيث نبه إلي أن " أكثر من عاصمة أوربية معرضة لمثل هذا الهجوم " بعد أن أثارت العديد من تقارير الأجهزة الأوربية " المخاوف " حول إحتمال إحياء فتوي أسامة بن لادن التى أصدرها منذ أكثر من 25 عام ووصف فيها دواعي الحصول علي السلاح الكيميائي بأنها " واجب ديني ".&

الأكثر إلاماً لدماء ضحايا الإرهاب في كل مكان وأيضا لذويهم.&

أن يصف جيمس روبن مساعد وزير خارجية أمريكا الأسبق في مقال له بصحيفة صاندي تايمز ( 22 الجاري ) التعاون الذي يخطط له الرئيس الفرنسي مع روسيا بأنه " تسليم لإستراتيجية بوتين " التى ستأخذ الدول الغربية إلي منزلق شديدة الخطورة لن يخدم سياسات محاربة الإرهاب كما تراها باريس ولندن وواشنطن، بل سيدعم مخطط الإبقاء علي الرئيس السوري في الصدارة حتي يتم التوصل إلي صيغة ملائمة لخروجه من المشهد السياسي السوري وفق معايير موسكو وحليفتها طهران.&

هذا المشهد المضطرب يدفع الرأي العام العالمي إلي الإستفهام عن:

إلي متي ستتواصل إختلافات القوي الغربية حول سياسات محاربة التنظيمات الإرهابية؟؟ وإلي متي ستواصل المجتمعات البشرية مسيرتها تحت وطأة سيف التطرف والتشدد؟؟.&

وإن غداً لناظره قريب.&
&

[email protected]