ما حدث يوم أول من أمس ، عندما أسقطت تركيا طائرة روسية مقاتلة اخترقت أجوائها ، بعد أن جددت تركيا تحذيراتها للطائرة الروسية ، سيشكل احتقانا بين الدولتين ، وستكون سوريا هي ميدان تصفية الحسابات .
فقد بدا واضحا منذ الأمس القصف الجوي الروسي المكثف والعنيف على جبل التركمان في سوريا ، وقد أراد الروس بذلك انتقاما غير مباشرا ، ضد المصالح التركية في سوريا .
وبالرغم من أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ، حسم طبيعة الرد الروسي& يوم أمس الأربعاء ، بصورة واضحة تستبعد المواجهة العسكرية بين البلدين على خلفية إسقاط الطائرة الروسية ؛ إلا أن للروس حساباتهم الأخرى ، والتي ستتجلى في المواقف وستترجم خلال تباين وجهات النظر في مؤتمر فيينا المقبل حول محادثات الوضع في سوريا.
يرى بعض المراقبين أن إسقاط الأتراك للطائرة الروسية خطأ استراتيجي نظرا لتداعياته على مستقبل المفاوضات ، لاسيما وأن روسيا أصبحت اللاعب الأكبر في ملف الأزمة السورية.
بطبيعة الحال ، ما كالته موسكو لتركيا من تهم ، ووصفها لذلك الفعل بـ(الطعنة في الظهر) كما صرح بذلك& الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، يتضمن موقفا محددا حيال تركيا وهو موقف ستكون له عواقبه& السياسية والأمنية .
فروسيا تُلمّح إلى دور تركي في دعم المتطرفين أو بعض فصائلهم في سوريا ، ولعل هذا ما كان يشير إليه بوتين حين لمح إلى ذلك& في قمة أنطاليا .
تدرك روسيا أن دخولها العسكري في سوريا ، وإن كان ينطوي على مخاطر محتملة إلا أن أنها أيضا تدرك أن الوضع في سوريا أصبح مقلقا لتركيا التي تسعى جاهدة إلى إقامة منطقة آمنة داخل الحدود السورية ، في الوقت نفسه الذي لا تخفي تركيا هواجسها من حراك الأكراد .
وفي ظل الوضع الأكثر حرجا للأتراك من تداعيات الأزمة السورية سيستثمر الروس تلك التناقضات ، سواء من خلال الحراك الميداني ضد المصالح التركية في سوريا ، أو عبر المواقف التي سيتحكمون من خلالها في تعطيل التسوية السياسية للأزمة. ولأن كل القوى الغربية ، تقريبا& كانت حريصة على عدم انجرار الوضع بين الروس والأتراك إلى ما نعته بعض المراقبين بالتسبب في حرب عالمية ثالثة ، والخوض في مواجهات عسكرية ، فقد التقط الروس مختلف الإشارات التي عكستها تصريحات قادة كبار الدول الغربية حيال ما جرى من حادثة إسقاط الطائرة الروسية& ابتداء من الولايات المتحدة ، وبريطانيا وفرنسا وألمانيا ، وبقية الدول الإقليمية.
لهذا جاء تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ليطمئن مخاوف تلك الأطراف الدولية والإقليمية من خطورة تداعيات الأزمة بين البلدين.
وبكل تأكيد ، أن المزايدات الروسية ستنشط في المفاوضات القادمة& التي ستجري في فيينا حول التسوية في سوريا .
لقد أصبح الروس ، بعد تدخلهم العسكري والجوي في خط الأزمة السورية منذ شهرين، الطرف الأقوى في أي مفاوضات جدية حول الأزمة في سوريا .
&فالولايات المتحدة باتت تدرك ذلك ، وتتفهمه ، لاسيما بعد أن أصبحت فرنسا ، عقب الجرائم التي ارتكبها تنظيم داعش في باريس قبل أسبوعين ، أقرب إلى الجانب الروسي ، وتغيرت قناعاتها حيال أولويات& الحرب في الأزمة السورية ، حيث أصبحت فرنسا ترى أولوية إسقاط& داعش قبل إسقاط النظام .
أما الأتراك ، وخصوصا بعد أن أدركوا موقف الولايات المتحدة القريب من الأكراد كخلفاء في محاربة داعش ، ثم بعد أن أسقطوا المروحية الروسية ، فقد يكون موقفهم في الأزمة السورية قابلا ومستعدا لتسويات ، لم يكن الأتراك ليقبلوا بها من قبل . وبطبيعة الحال فإن نوايا تصفية الحساب& الذي ستقوم به روسيا ضد الأتراك سيترك أثره على موقفهم ، وستبقى المملكة العربية السعودية الأكثر التزاما بموقف خروج الأسد من أي تسوية مستقبلية للملف السوري.
هكذا سنرى أن حادث إسقاط الطائرة الروسية من طرف الأتراك ، سوف لن تكون له تأثيرات مباشرة من طرف روسيا على تركيا ، ولكن ستكون له عواقب وخيمة في ملف تسوية الأزمة السورية الذي ستلعب فيه روسيا بالكثير من أوراقها ما يعني أن الوضع في سوريا سيشهد المزيد من التعقيدات التي ستطيل أمد الأزمة ، بعد أن تضاربت مصالح اللاعبين في المشهد.
&