عندما تقرأ في كثير من التقارير والمقابلات الغربية التي تلت تفجيرات باريس، تخرج بقناعة ان وضع المسلمين في الغرب سيزداد سوءا، وأن الإسلام الذي اعتبر، بعد سقوط الإتحاد السوفيتي، هو العدو الأول للغرب، بات الآن هو العدو الأقوى والوحيد ربما. ما يعني تسخير كل الجهود الغربية لمواجهة هذا العدو، وبالتالي المزيد من المعاناة لمسلمي الغرب.
شخصيا لا أتفق مع معظم هذه الآراء. بل أرى ان وضع الإسلام والمسلمين، على العموم، سيكون افضل على المدى الطويل.
يقول آينشتاين "إن فكرت بعمق في قضية معقدة ولم تجد لها الحل، فسيكون الخطأ من طريقة تفكيرك". وهذا تحديدا ما سيفعله الغرب امام معضلة التطرف الإسلامي.
لا أعتقد أنه سيدع حادثة باريس تمر على أنها صور من صراع الحضارات الذي قال عنه صامويل هنتنجتون. ولا صورة من محور "الشر" الذي صوره الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش.
نظرة الغرب الى الإسلام كانت دوما مؤطرة بالخوف من تمدد هذا الأخير الى أبعد من الحدود التي ينبغي ان يصلها. عندما سقطت القسطنطينية عام 1492، صدمت أوروبا ليس بسبب سقوط عاصمة الأرثوذكسية في العالم، بل بسبب الخوف من أن تليها عواصم أخرى. ولم تكن تجربة الحروب الصليبية بعيدة عنها. ولم تكن بالمثل حركات الإستعمار اللاحقة بالبعيدة هي الأخرى. إذ حتى هذا الإستعمار الذي أطبق على الديار الإسلامية، لم ينشغل بمعرفة شيء عن دينها.
هذا الوضع خلق حالة من الخوف والقلق تجاه الإسلام من منظور اوروبي، وصفه دانيال فيتكس، أستاذ الآداب بجامعة فلوريدا الأمريكية، بقوله أنه "الدافع الذي جعل الأوروبيين يعرفون الإسلام تعريفًا ضيقا كدين مصطبغ بالجهاد العنيف في الحياة الدنيا والملذات الحسية الموعودة في الآخرة".
هذه النظرة الضيقة يبدو أنها عرفت بعض التغير بعد احداث سبتمبر في نيويورك، عندما أصبح الإسلام يشكل مادة أساسية للبحث العلمي والسياسي في عديد من المعاهد الغربية. وهو يتفق مع رأي الدكتور أحمد جاب الله (مدير المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية في باريس ونائب رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا) في حواره مع الجزيرة عندما قال بأن "الإعلام في أوروبا تجاوز الطرح السطحي ليدخل إلى بعض القضايا الإسلامية. فهو عندما يتحدث عن الإسلام يعرٌف ما هي أسس الإسلام"؟
وقد اشارت "نيويورك تايمز" إلى بعض مقالات الكتاب الذين بدأوا يتحدثون بلغة مختلفة عن الإسلام، داعين الى فهم طبيعة هذا الدين الذي هاجمهم في عقر دارهم في سبتمبر. وهو ما أدى حسب بعض المصادر (لا توجد احصائيات دقيقة) إلى زيادة عدد الداخلين في الإسلام بعد تلك الهجمات. ويمكن ان نتفق مع هذه الرؤية ان علمنا ايضا بأن وزارة الدفاع الأمريكية قد وجهت اهتماما كبيرا الى تعلم اللغة العربية، كلغة اعتبرتها إستراتيجية بعد هجمات سبتمبر، من أجل الأمن الوطني.
قد يكون الغرب عنصريا، كما نحن عنصريون ايضا. وقد يكرهون الإسلام، كما نحن قد نكره المسيحية ايضا. لكن مبدأ العلمانية، والذي يبدو انه ظل يتأرجح في المائة سنة الماضية بين القبول والعدم، بات اليوم مطلبا غربيا اكثر إلحاحا، ولكن بمنطقية اكبر. أولا، لضمان انخراط المسلمين في الغرب في عمق الجسد الثقافي الغربي دون تهميش أو انكار. وثانيا، لإتاحة الفرصة لفهم الإسلام بشكل اكبر دون الإعتماد على المعتقد الموروث.
معرفة العدو، بافتراض ان هذا هو الإسلام بالنسبة للغرب، ستحد كثيرا من أي عنصرية مضاعفة يواجهها المسلمون في العالم الغربي اليوم. بل قد يحدث رد فعل معاكس، وهو أن محاولة فهم الإسلام، قد ترفع من أعداد المنتمين اليه من ابناء الديانات الأخرى.
البديل عن محاولة الفهم تلك لدى الغرب هو الدخول في مواجهات لا تنتهي. الخاسر فيها ليس من يحب الموت، بل من هو حريص على الحياة. وهذه معلومة لن تغيب عن بال صناع القرار في العالم. كما أن بعض مبدأ الخوف في حد ذاته يجلب الطمأنينة. فالغرب كان دوما شديد الإيمان، والإحترام ايضا، لكل ما هو قوي. وإن تعاقدت القوة مع الدين في ظفيرة واحدة، فمن الصعب، إن لم يكن المستحيل، مواجهة العنف المحتمل بعنف مقابل.
لقد أخطأ الغرب عندما اكتفى بالظاهر من الإسلام دون فهمه. وأخطأ مرة اخرى عندما ألبسه كل ثياب الشوك المؤلمة. فكان ان عزل نفسه وعزل المسلمين انفسهم عنه.
ما حدث بعد 11 سبتمبر، دفع إلى محاولة فهم الإسلام، وإعادة قراءة التاريخ الإسلامي، وهذا تماما ما سيحدث بعد هجمات باريس. وهي وإن كانت خطوة متأخرة، فهي أفضل من أن لا تأتي، إذ "لا يوجد شيء إسمه فات الآوان" كما يقول المثل الإنجليزي.

[email protected]
&