ستبقي حالة التوتر القائمة حالياً بين تركيا وروسيا متواصلة لفترة من الوقت لأسباب كثيرة يأتي في مقدمتها ان الملف السوري لن تنقضي تداعياته قريبا كما أن حالة الحرب المعلنة من اكثر من طرف ضد تنظيم داعش ستستمر لفترة أطول..
&
لذلك علينا ان نتفق من البداية:
&
أن توسيع روسيا لتواجدها في سوريا عسكرياً وسياسياً، لا يلقي قبولاً من أمريكا ولا من تركيا ولا من قوي اقليمية أخري في المنطقة..
&
ان ضرباتها العسكرية ضد تنظيم داعش أصابت في مقتل جماعات من الأقلية التركمانية السنية التى تعيش في شمال غرب سوريا المناوئة للنظام السوري الحاكم بدعم من تركيا..
&
ان توصيف موسكو للقوي المعتدلة التى يمكن ان يكون لها دور في صنع مستقبل سوريا ما بعد بشار الاسد، يتعارض بشكل ملحوظ مع توصيف واشنطن وانقرة وغيرهما..
&
من هنا نقول:
&
أن العمليات العسكرية التى دأب الطيران الروسي علي القيام بها ضد داعش بالإضافة إلي القوي المعارضة لدمشق منذ ما يقرب من شهرين تتعارض مع المخططات الأمريكية القائمة علي تقسيم الوطن السوري.. ومن ثم تصبح الضربات التى نالت من الميليشيات التركمانية " نقاط سوداء " في ثوب العلاقات الروسية / التركية، وبالتالي يتحول إقتراب الطيران الحربي الروسي من الحدود السورية التركية المشتركة إلي إختراق يحق للدولة التركية ان تدافع عن سيادتها حيالها بكل الوسائل، بما في ذلك اسقاط المقاتلة الروسية من طراز سوخوي 24 التى قالت أنقرة أنها دخلت الأجواء التركية ولم تستمع للإنذارات التى وجهت إليها هي ورفيقتها التى نجت من الإسقاط بإعجوبة..
&
ونقول أن الثواني السبعة عشر التي إستغرقتها العملية بعد إجتياز الطائرتين الروسيتين للأجواء التركية لمسافة أقل من الكيلومترين ولحظة إسقاط احداهما، لن تؤدي علي حرب بين الطرفين الروسي والتركي !! ولن تؤدي إلي تصعيد من جانب حلف الناتو تضامناً مع أحد أعضائه !! ولن تؤدي علي شجب من جانب واشنطن لأي منهما خاصة بعد أن أعلن متحدث البيت الأبيض مساء الخميس 26 نوفمبر أن الطائرة لم تعتد علي السيادة التركية..
&
ونقول أيضاً أن هذه الحادثة لن تُوقف العمليات الروسية ضد من تعتبرهم أستراتيجيتها القتالية انهم معارضون للنظام أو منتمون لتنظيم داعش، ولن توقف مساعيها الدبلوماسية للتوصل إلي ترتيبات جماعية تقود للبدء في مسيرة سياسية تفتح الأبواب لمرحلة انتقالية يتصدرها بشار الأسد او لا يكون ضمن مكوناتها، المهم أن تنجح موسكو في تقريب وجهات النظر لتسهيل مهمتها السياسية والدبلوماسية التى تراها الأنسب من جميع الزوايا..
&
إذن.. كان الإحتكاك منتظراً بين الجانبين التركي والروسي.. الأول لأنه لم يتوقع توسيع موسكو لنفوذها في سوريا خاصة في جانبه العسكري بالكيفية التى وصل إليها، والثاني لأنه
&
بني تحركاته خاصة الحربية في ضوء علاقات موسكو التاريخية مع أنقرة التى صورت له أن التصعيد بين الطرفين لن يتخطي دائرة الكلام والتنديد..
&
وكان كلاهما يخطط لأن يحافظ علي أن لا يتعدي سقف التوتر بينهما مستوي التصريحات النارية والشجب المتكرر..
&
لكن ما وقع يوم 24 نوفمبر الجاري حول الدفة 180 درجة في لحظات معدودة ووضع كل من موسكو وانقرة في مواجهة إستحقاقات لا بد من الوفاء بها دون تأخير و مماطلة.. تركيا ترفض حتى الآن الإعتذار وتتوعد الطائرات الحربية الروسية برد مماثل ان هي إعتدت علي سيادتها، وموسكو ترتب لفرض قائمة من العقوبات الإقتصادية ضد تركيا تعيدها إلي حجمها الحقيقي خشية أن يَظن فيها الآخرون ضعف أو هزيمة ولو معنوية..
&
نصحت الإدارة الأمريكية وكذا قيادة حلف الناتو أنقرة بالتروي وعدم التصعيد ضد موسكو، وتشير الدلائل أنها إستمعت لما قيل لها وأنها تعكف حالياً علي تدارس سلبيات القرارت التى ستتخدهها روسيا ضدها إستكمالاً لقرار وقف كافة أشكال التعاون العسكري والمخابراتي بين الطرفين وكذا قنوات تبادل التعاون المعلوماتي بين قيادة العمليات العسكرية فيما بينهما عن طريق الخط الساخن الذي إنشأ مؤخراً لتجنب الصدام بينهما فوق السماء السورية أو بالفرب من خط التماس بينهما..
&
ربما لهذا السبب قال أردوغان في كلمة موجهه للشعب بُثت مساء الخميس الماضي أن تركيا لو كانت تعرف أن الطائرة روسية " لكانت لجأت إلي طريقة مختلفة في تحذيرها ".. الأمر الذي إعتبره بوتين " نوع من الإستخفاف السياسي غر اللآئق " كما قالت وسائل الإعلام الروسية، فكان أن رد عليه، أن الطائرة يمكن تمييزها بسهولة " ناهيك عن الخطوات التنسيقية التى تبادلتها مموسكو مع واشنطن في هذا الخصوص "..
&
كشفت تقارير أوربية أن روسيا..
&
قررت وقف دخول الزوار القادمين من تركيا بدون تأشيرة إعتباراً من بداية شهر يناير القادم، في نفس الوثت قرر الرئيس بوتين إلغاء القمة التى كان مقرراً أن يَعقدها مع الرئيس التركي علي هامش جلسات مؤتمر المناخ الذي بدأت جلساته يوم الإثنين 30 من الشهر الجاري..
&
كما أعلنت أنها ستقف بقوة ضد تخطيط أنقرة التقدم بمشروع قرار لمجلس الأمن " لإقامة منطقة عازلة داخل الأراضي السورية " حتى لو ساندته واشنطن " لأن العمل العدواني الذي قامت به يدل عليه لم يكن عفوياً " بل أقرب إلي الإستفزاز المتعمد ".
&
كما تنوي:
&
تشديد الرقابة علي الواردات الزراعية والغذائية القادمة من تركيا، مع فرض معايير جديدة للفحص عبر الحدود، الأمر الذي أدي منذ صباح الجمعة ( 27 الجاري ) إلي إصطفاف الشاحنات التركية لمسافات طويلة انتظاراً لتطبيق التعليمات الجديدة..
&
إعادة النظر في اتفاقيتي بناء أول محطة كهربائية تركية تعمل بالذرة بقدرة 1200 ميجاوات، وبناء خط نقل الغاز الروسي المعروف باسم " السيل التركي " عبر البحر الأسود إلي دول الإتحاد الأوربي..
&
بالإضافة إلي تأجيل العديد من المشاريع الإستثمارية التى تشارك فيها روسيا في ميادين السياحة والنقل والتجارة العابرة وتدريب العمالة، إلي أجل غير مسمي..
&
مع إحتمال أن تستخدم نصوص القانون الدولي – إذ لم تقدم تركيا الإعتذار المناسب أو تقبل دفع تعويضات يتفق عليها - لملاحقتها سواء من خلال بنود الفصل السابع لميثاق الأمم لمتحدة أو عبر أروقة المحاكم الدولية..
&
لهذا أختلف مع سايمن تسيدال المحلل السياسي لصيحفة الجارديان الذي تنبأ في مقال له بعدد 26 نوفمبر أن " تكون الحرب كلامية " بين الطرفين الروسي والتركي " لحاجة كل منهما للآخر إقتصادياً ومخابراتياً " لأن ما نفذته موسكو حتى الآن من قرارات أمنية وإقتصادية وما تنوي أن تقوم به من خطوات أخري في نفس الطريق، يدل علي أن بوتين لن يسمح بأن يمر الأمر مرور الكرام خاصة وأن كل المؤشرات تؤكد أن أردوغان مصر علي أمرين، شككت في مصداقيتهما التقارير الروسية التى لا زالت تتابع الموضوع حتى اللحظة الراهنة..
&
الأول.. أن الطائرة إعتدت علي سيادة الدولة التركية بإجتيازها الحدود السورية التركية..
&
الثاني.. أن حكومته كانت في حالة دفاع عن النفس لأن هذا الاجتياز سبقة تحذيرات لم تمنع الطائرة من الدخول..
&
وأخيراً:
&
بين وصف بوتين لإسقاط الطائرة بانه " ضربة في الظهر من قبل شركاء إرهابيون " وتحذير اردوغان لموسكو من " اللعب بالنار " علينا أن نتحلي بالصبر حتى لا نشارك في مخططات التصعيد التى يقوم بها كل منهما.. ونأمل أن يأتي الغد بما يبشر بتخفيف للأوضاع القابلة للإنفجار علي مستوي أنقرة وموسكو حتى لا يتحول إقليم الشام إلي بركان لن ينجو من لهيب نيرانه لا المعارضون ولا المؤيدون للنظام الحاكم في سوريا..
&