&تبدو عملية مواجهة تنظيم داعش في العراق عسيرة المخاض وطويلة المسافة وربما بعيدة المنال في ظل التخبط التخطيطي الذي يرافق العملية والانقسامات المرافقة للقوات في المشاركة في العملية، فضلاً عن التخوف من الطابع الطائفي الذي ربما يسم عملية التحرير في حال مشاركة قوات ما يسمى بليشيا الحشد الشعبي ذات السمعة السيئة.

لا يبدو أن هناك تطابقاً بين الحكومة العراقية و"التحالف الدولي"، حول خطة تحرير محافظة الأنبار من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، خصوصاً في ما يتعلق بمشاركة مليشيات "الحشد الشعبي"، ما يؤخّر العمليات العسكرية، ويزيد معاناة المدنيين المحاصرين الذين يستخدمهم التنظيم دروعاً بشرية.
الولايات المتحدة الأمريكية طلبت رسمياً بحسب مسؤولين عراقيين عدم مشاركة الحشد بسبب عمليات الانتقام والسرقة وحرق المدينة التي تنفذها بدافع طائفي ومذهبي، كما حصل في محافظة صلاح الدين، في حين تتمسك الحكومة العراقية بزج كل الطاقات المقاتلة المتمثلة بالجيش بكافة صنوفه والشرطة الاتحادية والمحلية والحشد الشعبي وأبناء العشائر في المحافظة.
أعداد عناصر تنظيم داعش تتناقص داخل الرمادي، كما أن القيادات العسكرية قادرة على اقتحام المدينة بعد محاصرتها وقطع طرق إمدادات التنظيم من جميع الجهات، كما يرى المسؤولون العراقيون لكن مشكلة مشاركة ميليشيات طائفية بات سجلها معروفاُ يؤخر العملية وسط خلافات عميقة مع قوات التحالف الدولي.
&حتى الآن، لا يوجد تفسير منطقي لما يحدث في الأنبار، لا سيما أن قيادات الجيش تصرح دائماً بأن العمليات العسكرية ستنتهي غداً أو بعد غد، ما زرع اليأس في نفوس النازحين الذين يترقبون تطهير مدنهم للعودة إليها".
العميد المتقاعد، والمختص في الشؤون العسكرية، حسن الفلاحي، أعرب خلال حديث مع بعض القنوات الإعلامية عن استغرابه من تأجيل الهجوم لأكثر من مرة رغم استكمال متطلباته لتحرير الأنبار، مشيراً إلى أن المتضرر الوحيد في هذه المعادلة هم الأبرياء المدنيون، الذين لم يسعفهم الوقت بالفرار من المدينة، وصار يستخدمهم داعش دروعاً بشرية.
الخلافات القائمة بين الأطراف المعنية في تحرير الأنبار لا تسهم فقط في تأخير عملية التحرير، بل في تأجيج الوضع الميداني وتصعيده لصالح حسابات سياسية ضيقة، فالتحشيدات العسكرية كانت تفي بتحرير العراق كله من داعش، وليس فقط الأنبار.
القوات العراقية رمت منشورات تدعو السكان إلى تجنب الوجود في أماكن داعش، لكن الأخير يستخدمهم دروعاً بشرية، وهذا يحتاج إلى حل، فإنقاذ أرواح الأبرياء من المدنيين في الأنبار واجب وطني وديني على حد سواء.
رئيس مجلس قضاء الخالدية، علي داود، كشف أن عملية عسكرية انطلقت من المحور الشرقي لمدينة الرمادي، بمشاركة أفواج الطوارئ والشرطة الاتحادية والمحلية ومقاتلي العشائر، وفقاً لخطة رسمها التحالف الدولي؛ الغاية منها تضييق الخناق على التنظيم، والحد من تحركاته، رافقها قصف عنيف من قبل القوات الأمنية وقوات التحالف الدولي على أغلب تلك المناطق.
على الرغم من الدور الكبير الذي أدته العشائر المتصدّية لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في قتالها بمحافظة الأنبار، فإنّها لم تحصل من الحكومة سوى على الوعود بالتسليح من دون تنفيذ، ما خلق حالة يأس لديها من تغيّر الموقف الحكومي تجاهها مستقبلاً، الأمر الذي دفعها إلى البحث على طرق بديلة للحصول على السلاح لمقاومة الموت المحتّم. ولم يكن طريق العشائر في الحصول على السلاح سهلاً أبداً، بل هو طريق يحتاج إلى تقديم العديد من أبنائها كثمن لديمومة بقاء الآخرين، لذا لجأت تلك العشائر إلى الاعتماد على نفسها في ذلك.
يقول شيخ عشيرة البونمر، نعيم الكعود، إنّ عشائر محافظة الأنبار لم تحظَ بأيّ دعم من قبل الحكومة، لا في السابق ولا اليوم، على الرغم من خطورة المرحلة التي تمرّ بها المحافظة والاستعدادات لشنّ معركة التحرير. ويشير إلى أن تجاهل الحكومة لهذا الملف الحساس، ولّد فقدان ثقة بينها وبين العشائر التي أحسّت باليأس من تغيير الموقف الحكومي، والاهتمام بتسليحها، الأمر الذي دفعها إلى الاعتماد على نفسها بالتمويل والتسليح، موضحاً أنّ العشائر بإمكاناتها المتوفرة استطاعت أن تؤمن لنفسها بعض السلاح الذي تشنّ به هجماتها على داعش، وتتصدى لهجماته عليها.
عشائر محافظة الأنبار كان لها الدور الكبير في حماية المحافظة من "داعش"، من خلال صدّ هجماته خلال عام ونصف مضت، بينما تجاهلت الحكومة كافة المناشدات والمطالبات بتقديم السلاح لتلك العشائر. لتبقى معركة تحرير الأنبار خاضعة للحسابات السياسية والخصومات الداخلية والخارجية مع الحلفاء في التحالف الدولي وفي مقدمتهم الأمريكان الذين لا يثقون بدوافع الميليشيات الطائفية التابعة للحشد الشعبي!
&
هشام منوّر... كاتب وباحث
&