تركيا وروسيا وحلفاء الأطراف المختلفة وإجتهاداتهم. من مع تخفيف الأزمة ومن مع تصعيدها ؟ الواقعية في موقعيهما الجيوبولتيكي في المنطقة المخضبة بالدماء والتي جرّت الدولتان في الحرب العالمية الأولى والثانية ودروسهما أم المثالية والتشنج وقطع سبل المفاوضات؟&

دزن شك، العناد العثماني التركي يقابله عناد الدب الروسي ويتمثل بتلميحات التهديد التي تسبق العاصفة. ومع تعاظم حجم التدخّل الروسي والتركي في سوريا عسكرياً، فقد إزداد هذا التشنج بعد قيام تركيا بأسقاط طائرة SU -24"الروسية ومقتل طيار وجندي إنقاذ روسي. ويضاف إليه تحذير الرئيس أردوغان للرئيس الروسي بوتين بأن لايلعب بالنار وإقتراحه له للدخول في محادثات جانبية لتخفيف الأزمة وعدم الدخول في تشنج سياسي قد يضر بعلاقات مشتركة تربط تركيا بروسيا منذ أمذ بعيد، وقد تتأثر بردود منفعلة "بعمل عدائي".&

في الماضي، قاد هذا العناد الى حروب دموية وسبّب في صراع تاريخي ذهب ضحيته الملايين من البشر ودخل حقل التاريخ السياسي من أسوء أبوابه. بتأثر مايربط البلدان من علاقات بحلفاء ساهموا في إشعال المنطقة. تركيا تحتمي بحلف الأطلسي ومايربطها بحلفائها وطائراتها القتالية من طراز ف -16 التي كان يتم صيانتها وإدامتها من إسرائيل قبل وصول أردوغان وحزب العدالة والتنمية الى السلطة، وروسيا لها علاقات مشتركة تاريخية متوازنة مع أوروبا وكذلك سوريا وإيران ومصر والعراق بوصول فيلادمير بوتين.&

الرئيس بوتين جذب إنتباه العالم بالتشديد على إتباع خط سياسي واقعي واضح مع الدول وله شعبية داخل روسيا. ويتقاسم الرئيسان الروسي والتركي شعبية وإحترام متزايد في العالم العربي والأسلامي والغربي والأسيوي.&

الرئيس أردوغان له مواقفه المؤشرة بالنجاح وأسهمَ،على عكس سابقيه، بجلب الاستقرار الى المجتمع التركي وقومياته ورسالته إلى الأكراد بأن العنف لا يمكن أن يتعايش مع الديمقراطية وقابل تصريحاته بالترحاب البارزاني الزعيم الكردي الذي قابله مراراً، كما أنه أول من أوقف صيغة علاقات التعامل مع إسرائيل رغم إمتعاض حلف الناتو من ذلك، وأول من أشار الى الرئيس الأسرائيلي السابق شمعون بيريز في مؤتمر دافوس الدولي عام 2012 بأن يخفض من صوته الذي يعبّر به تهم يواجهها وهو يدافع عن قتل الأطفال في غزة، وأن الأسرائيلين يصفقون لقواتهم وهي ترتكب جرائم القتل عكس ما جاء في التوراة.&

أما مايربط تركيا بروسيا من علاقات مشتركة فقد تتأثر كلياً بحكم موقعيهما الجيوبولتيكي مالم يتحكم الذكاء السياسي في تهدئة الأمور وتخفيف التصعيد. فالدولتان لهما مشاريع مشتركة تهم شعبيهما وشعوب المنطقة، بما في ذلك خط أنابيب الغاز المحتمل بين الدولتين، فضلًا عن مشروع الطاقة النووية التركي (Akkuyu) الذي سيتولى الروس تشييده والصفقات الثنائية التجارية والأتفاقات الأقتصادية والثقافية والسياحة والنقل الجوي.&

وقد ألمح الروس إلى إمكان تعليق بعض هذه المشاريع وإحتمال زيادة التعرفات الجمركية وتقييد تحركات الطائرات التركية في المجال الجوي الروسي والسفن التركية في المياه الإقليمية الروسية، وإلى إمكانية الحد من استيراد المواد الغذائية من تركيا أو تجميدها.

وفي كل الأحوال، فأن النتائج قد تكون وخيمة بالتهور بعد إسقاط تركيا للطائرة الروسية ومقتل الطيار حيث يتصاعد التهديد بعد أن رفضت تركيا الاعتذار عن الحادث وطالبت باعتذار روسيا عن إختراق مجالها الجوي، ولقاء بوتين في 30 نوفمبر/تشرين الثاني في المؤتمر الأممي الخاص بالمناخ في باريس هي الرغبة التي أبداها الرئيس التركي لتجاوز الأزمة.&

كنا نسمع بين أصدقاءنا ومعارفنا عبارة " عناد الخنفسان" التي كانت تطلق سياسياً على من ركب رأسه وتصارع في هوج وعناد وخلاف لايخدم قضية بطرق واعية، ويجر في مسعاه وتعنته دول مجاورة الى حروب دموية. كسياسة ألمانيا النازية وإيطاليا واليابان الفاشية وتميزهم للبشرية وحدودها عنصرياً كانت في أساسها التعنت اللاأخلاقي لمحاربة العالم كله في حرب مدمرة استمرت من 1939 الى عام 1945.&

والى الوقت الحاضر، نرى أخلاقية التشنج السياسي والعناد الأعمى يقود إشعال حروب بين الدول الصغرى والكبرى وخاصةً بظهور قادة إمبراطوريات تتملكهم خصلة العناد والتشنج والتمرد والعصيان والأبهة والكرامة وعروش موقعهم وشهرتهم بين شعوبهم، فحصدوا مالم يكن في حساباتهم وقادوا شعوبهم الى حروب لاطائل من ورائها.

هذه الأخلاقية السياسية وحماقة ركوب الرأس والتعنت كانت من الصفات الواضحة التي جعلت من صدام والخميني والأسد والقذافي ومبارك أن يرتكبوا أقسى الجرائم في تمرد زمني دون مراجعة أو تقييم، وهو ماأدى ويؤدي الى حروب طاحنة قادت شعوبهم وجيوشهم الى المهالك والدمار والتباهي بأنجازات الخراب.&

وعلى الرغم من تشجيع حلفاء الطرف الروسي والطرف التركي لأتخاذ خطوات إنتقامية عسكرية وإقتصادية فأن تخفيف الأزمة تأخذ مجراها بوعي الوالي العثماني والقيصر الروسي وذكائهما السياسي. هذه الصفة الأخلاقية لن تجرَّ الرئيس الروسي أو التركي الى إقرار إجراءات أستثنائية وتشنج عصيب تقره وتشجع عليه المحافل السياسية ومستشاروا الأدارة الأمريكية وأوساطها العسكرية ومن القيادات الأستراتيجية في دولتيهما وهما يقودان العالم بأستقلالية ومعرفة وتجربة مريرة مرَّت بها تركيا وروسيا، وهما لذلك ويحرزان إحترام شعبيهما وإحترام الشعوب برمتها.&

&

كاتب وباحث سياسي مستقل&