منذ عشر سنوات أكتب وعدد من زملائي الكرام في موضوع الفساد المستشري بإقليم كردستان. نشرنا عشرات المقالات من على منبر إيلاف حول هذه الظاهرة المقيتة وقدمنا عشرات الإقتراحات من أجل معالجتها، ولكن كل جهودنا ذهبت أدراج الرياح، فلا حياة لمن تنادي، أو كما قال أمير الشعراء أحمد شوقي" ورب مستمع والقلب في صمم".

لقد شعرنا بعد سقوط النظام الصدامي السابق بخطورة عدم الإنضباط والإتزان لدى القيادة الكردية مع بدء هطول مليارات الدولارات من بغداد ضمن الحصة التي أقرها الدستور العراقي الجديد والبالغة 17 بالمائة، وعن نفسي أحسست وأنا أطلع على نص الإتفاق الإستراتيجي الذي صاغه الحزبان في عام 2006 بأن الهدف منه هو تقاسم الثروة الهابطة على غرار تقاسم السلطة بين الحزبين الرئيسيين الديمقراطي الكردستاني والإتحاد الوطني،وقد كتبت حول ذلك ونبهت قيادات الإتحاد في حينها بخطورة توقيعهم على ذلك الإتفاق والذي رأيت فيه أن الحزب الديمقراطي يسعى من خلاله الى جر أرجل الإتحاد الوطني نحو الفساد لكي يخلو له الجو من المعارضة في ذلك الحين، وقد صدقت توقعاتي فقد إٍستشرى الفساد بصفوف بعض قيادات الإتحاد الوطني فحققوا بذلك هدف غريمهم في الإستيلاء على الثرورة القادمة من بغداد وتكريسها لخدمة مصالحهم الذاتية والحزبية..

منذ ذلك التاريخ بدء سباق عجيب نحو كسب الولاءات عبر التعيينات بدوائر رسمية،فتدفق عشرات الآلاف على وظائف مصطنعة بتزكيات حزبية،وتم تخصيص موارد هائلة من ميزانية الإقليم كرواتب مقطوعة لعشرات الالاف من كوادر حزبية، وزيدت مخصصات السفر والنثرية للمسؤولين بهدف شراء ولاءاتهم، وهكذا غرق الإقليم في فساد عظيم أصبحنا اليوم ندفع ضريبته الباهضة..

لا أطيل كثيرا ودعوني أتحدث عن تقريرين صدرا قبل أيام من مسؤولين بارزين في الإقليم يدقون فيهما ناقوس الخطر بسقوط تجربة كردستان،وسوف لن أزيد، لأن تلك الأرقام تتحدث عن نفسها.

التقرير الأول يتحدث فيه قباد طالباني وهو نائب رئيس حكومة الإقليم،حيث أشار الى" أن حكومة الإقليم مدينة بأكثر من 18 مليار دولار،وأن جميع المخاطر المحيطة بكردستان لاتقارن بخطورة هذه الأزمة المالية التي يعاني منها الإقليم".وأشار" أن عدد موظفي الحكومة بالإقليم الذي يتشكل من ثلاثة محافظات فقط يبلغ مليون و343 ألف موظف تصل رواتبهم الشهرية الى 850 مليار دينار، تذهب نسبة 45 % الى الرواتب الإسمية، و55% الى المخصصات المتنوعة والتي يستفيد منها فقط أصحاب الدرجات العليا الوظيفية كالمدراء العامين والمدراء.مشيرا الى" أن قطع تلك المخصصات يحتاج الى إرادة قوية لتصحيح المسار".وأوضح نائب رئيس الحكومة" أن ديون الحكومة الذي يقدر بـ18 مليار دولار، تتشكل من ديون الشركات النفطية ومعاشات الموظفين وديون الشركات المحلية وكذلك أموال المواطنين المودعة في البنوك والتي تم إخراجها من قبل الحكومة".وحذر طالباني في الختام" أن العملية السياسية إذا سارت على هذا النحو من التشرذم والإنقسام، وتعقدت الأزمة المالية أكثر من ذلك، فإن معالجتها ستكون صعبة للغاية وستسقط العملية السياسية على رؤوسنا جميعا".

ومازاد الطين بلة أن حكومة الإقليم خسرت دعوى قضائية أمام شركة داناغاز الإماراتية،حيث قضت محكمة بريطانية بإلزامها على دفع تعويضات للشركة بملياري دولار خلال شهر، ولا أحد يتكهن كيف يمكن لحكومة مفلسة أن تدبر هذا المبلغ وهي تأخرت بدفع رواتب موظفيها لأربعة أشهر.

التقرير الثاني أعده أحد الكوادر المتقدمة للحزب الديمقراطي الكردستاني وهو النائب البرلماني الدكتور فرست صوفي وشاركه النائب الإتحادي البارز كوران آزاد، تحدثا عن الأرقام المخيفة بإقليم كردستان. ومما ورد في تقريرهما المشترك:

تبلغ كلفة إنتاج الكهرباء سنويا أكثر من 3مليار دولار، فيما تبلغ عائداته 300 مليون دولار فقط.وأشار التقرير الى"أن الحكومة إذا عجزت عن تشغيل الوحدات الإنتاجية بسبب عدم توفر الوقود التي ألزمت نفسها بتدبيرها لمحطات التوليد، فإن عليها دفع التعويضات للشركة المالكة، وبذلك فإنها دفعت في الأشهر الستة الأولى من عام 2014 أكثر من 43 مليون دولار كتعويضات للشركة من دون أن تنتج كيلو واط واحد من الكهرباء.

زاد الطلب على وقود البنزين، فعلى سبيل المثال كانت محافظة السليمانية تحتاج في عام 2010 الى نصف مليون ليتر من البنزين، لكن الحاجة إرتفعت الى أكثر من مليوني ليتر، وبذلك فإن الحكومة تدعم الإسعار بمبلغ 600 مليون دولار سنويا.

أشار التقرير الى"أنه بموجب تقرير وزارة الموارد الطبيعية( النفط) بإقليم كردستان فإن هناك حركة يومية لـ5370 ألف شاحنة لنقل النفط،وعلى رغم تأثيراتها السلبية على البيئة وعلى سلامة الطرق، لكن مجرد نقل النفط بتلك الشاحنات من حقل شيواشوك قرب كويسنجق الى مصفى بازيان يحتاج الى 20 مليون دولار،في حين أن بناء خط نفطي واصل بين المنطقتين يحتاج الى 60 مليون دولار لمرة واحدة، بمعنى أن أجور نقل ثلاث سنوات للشاحنات تكفي لبناء ذلك الخط.

قدمت الحكومة قروضا للشركات والمواطنين بفوائد تتراوح بين3-11%، ولكن لا أحد من الشركات ولا المواطنين يدفعون تلك الفوائد أو يردون الدين.

وقارن التقرير بين عدد موظفي حكومة الإقليم وبين بعض الدول وأورد أمثلة، بأن إقليم كردستان وظف مليون و387 موظف، في حين أن الصين التي يبلغ عدد سكانها مليار و360 مليون، لديه فقط 7 مليون موظف.ولبنان الذي يقارب بعدد سكانه من الإقليم برقم خمسة مليون مواطن، لديه فقط 317 ألف موظف، أما السعودية التي يبلغ عدد سكانها 30 مليون، فإن عدد موظفيها لا يتجاوز مليون و200 ألف موظف.

وأشار التقرير الى حالات طريفة حين أورد مثال،أن أي شخص يحاول الحصول على ترخيص تأسيس شركة خاصة به فهو يحتاج الى 106 توقيع من جهات الحكومة.وأن أي شخص إذا فتح له دكانا لبيع اللبن فإنه سيدفع رسومات تبلغ 11250 ألف دينار، في حين أن من يفتح سوبرماركيت أو محطة تعبئة الوقود لايدفع دينارا واحدا كرسومات.

وخلص التقرير الى"أن هذه الأرقام المخيفة تشكل جزءا يسيرا مما تمكن النائبان من التوصل اليه، وإذا لم تبادر الحكومة بمعالجة كل هذه السلبيات عبر برنامج إصلاحي شامل فإن الإقليم سيتعرض الى خطر جسيم".

هذه الأرقام جاءت من عندهم وليست من عندياتي فلنر ماذا يقول المعلقون الأفاضل..

&

[email protected]