&اتمني علي العالم العربي المتشدق بالديمقراطية ان يسمح للكتاب و المؤرخون التعرض بشفافية لاجهزة المخابرات و اعمالها، و ان يُسقط في العام الجديد ٢٠١٦ القوانين التي تمنع الكتابة عن القوات المسلحة و المخابرات و مؤسسات الحكم، وان تسقط قوانيين” العيب” و قوانين “ الذات الملكية “ و ان تفتح ابواب الحريات و تنشر الوثائق التي مر عليها ٣٠ عاما لتكون منارة و علما نافعا للاجيال.&

علي الاقل الا يعتقل احد لانه كتب او علق او اجتهد، فليس من المعقول في زمن الانترنت و العولمة و الانفتاح ان تكمم الافواه و تصادر الحريات في الوقت الذي تصدح صحف الحكومات المحلية بالحديث عن الديمقراطية و هي “المفقودة”.

و حديثي هذا ليس من فراغ، فمجرد الحياة في الغرب و الاطلاع علي الكتب المنشورة و الابحاث و النقد في مختلف المجالات، يجعل الانسان اكثر فهما للواقع و اكثر تمسكا بالحريات و الديمقراطية، و يكون في منآي عن اكاذيب السلطة و السلطان. و ليس اسوء من نشر اكاذيب في عهد الحاكم الا نشر اكاذيب و تبريرات بعد رحيله عن سياساته و احكامه و التعلق بقشه و ان كانت كاذبة.

المخابرات الامريكيه عبر العصور عمياء و فاشلة

و اقصد انني من خلال قرآتي لبعض الكتب عن المخابرات الامريكية من قبل كتاب امريكيون لهم المصداقية من امثال تيم واينر، احد الصحفيين المقربين من صنع القرار الامريكي و من كل رؤوساء المخابرات الامريكية ذاتها و الذي فتحت المخابرات الامريكية ملفاتها و سهلت له الاف الصفحات لينهل منها و يقدم كتابا موثقا عن المخابرات الامريكية.

كتاب تناول المخابرات من تآسيسها وقت وفاة الرئيس الامريكي فرانكلين روزفلت في ١٢ ابريل ١٩٤٥، و تسلم ترومان الحكم و هو لا يعلم حينها شيئا عن القنبلة النووية الروسية، الي دورها في عهد الرئيس جورج بوش الابن في عام ٢٠٠٧ حيث ليس لديها اي حقائق. هكذا يسرد الكاتب.

و لقد تحدث الكاتب عن البدايات حيث طلب الرئيس ترومان ان يكون لدي الرئيس الامريكي جهازا يمده بالمعلومات، ولكن ما استحدث كان جهازا يماثل الرجل الثري الاعمي ذو المهمات الانتحارية، وجهازا عمل في مناطق في حاله هلوسة و تخيلات من عام ١٩٤٥ و الي ١٩٥٣.

ثم يصف الكاتب عهدها في زمن الرئيس ايزنهاور من العام ١٩٥٣ و الي العام ١٩٦١حيث انضم لها مجموعات عبقرية و لكن لم يكن لديها خطط، و تعاملت مع الاحداث بنظرية الاعمي الطيب.

اما في زمن الرئيسان كينيدي و جونسون فقد كانت المخابرات الامريكية في فتره لا تعرف هي و لا الروؤساء ماذا يفعلون؟، الي الدرجة ان بدآت في التزحلق الي الهاوية حيث تآكد لها ان امريكا لا يمكن ان تنتصر في الحرب.&

لم يتهم الكاتب الامريكي بما اورده من معلومات و نقد بآنه يهدم معنويات القوات المسلحه و امن الدولة الامريكية.

الاهم، حسب ما كتب "تيم" ان المخابرات الامريكية في زمن الروؤساء نيكسون و فورد بين الاعوام ١٩٦٨ الي ١٩٧٧ حاولت ان تتخلص من البهلوانات اللذين عملوا بها و اداروا سياساتها الامنية و التجسسية وكادوا ان يحطموها من الداخل بتصرفاتهم،و اتجهت الي تغيير افكارها و اعمالها منبثقة من تغيير فكره اساس تكوينها و التي كان يراها كبار ضباط المخابرات انها غير مفيدة و غير عقلانية و ليست فعالة ويشوبها الخوف.&

هنا ايضا لم توجه التهم للمؤلف و الكاتب “تيم “ بآنه يقلل من شآن العسكر مثلا او انه يسخر منهم، و لم يقدم لمحكمة او ان اعتقل.

&اما في زمن الروساء اللذين عاصرناهم،من امثال كارتر و ريجان و جورج بوش منذ عام ١٩٧٧ و حتي ١٩٩٣،فأن المخابرات الامريكية حققت انتصارا و لكن بلا بهجه او طعم، واضاف أنها كانت نائمة في سبات عميق، علي حد قوله، نائمة عن الحقائق و خسرت رجالاتها في المنطقه العربية و تسائلت المخابرات الامريكية بين اضلاعها ماذا يمكن أن يحدث لها لو تم هدم السور المغلف لأسرارها مع سقوط سور برلين؟

اما الاغرب فما اورده عن الفترة التي حكم فيها الرئيس كلينتون و الأبن جورج دبليو بوش من عام ١٩٩٣ و الي ٢٠٠٧ حيث اعتبر المخابرات الامريكية ارتكبت اخطاء اوصلتها الي المقبرة، و إنها احتفلت بدفن نفسها بعد التخلص من عملائها ممن يحكمون المنطقة العربية، و ازداد وضعها سوءا بعد انهيار مبني التجارة العالمي لانها لن تتوقعه او تشير اليه و ان التهديدات التي طالت الولايات المتحدة الامريكية لم و لن تكون يوما ما بآكثر الما او شدة مما حدث.

&

*ثورات الشرق الاوسط قامت بدعم امريكي

هذا هو ملخص بسيط للاحداث، و لكن الاهم هو التعرض للثورات التي قامت في الشرق الاوسط و تمويلها عبر فرع المخابرات في السفارة الامريكية في بيروت، و منها ثلاثة ملايين دولار للاطاحة ببريطانيا و النظام الملكي في مصر، تم استلامهم من قبل رجل المخابرات المصرية حسن التهامي لتمويل ثوره ١٩٥٢، و في فقرة اخري عن علاقة انقلاب حسني الزعيم في سوريا و دعمه من قبل المخابرات الامريكية و دعم الانقلابات السورية اللاحقة و غيرهم.

تحدث و اشار الكاتب عن ايصال رجالات العسكر الديكتاتورين في دول العالم الثالث، عن التخابر الامريكي مع كوريا الجنوبية، عن دعم قيام الثورة الايرانية و التخلي عن الشاه رجل امريكا الاول في مواجهة الشيوعية، عن محطة المخابرات الامريكية في تايلاند، و عن تكوين حلف سري تابع للمخابرات الامريكية ترآسه فوستر دالاس و ضم كل من الملك الحسين وكميل شمعون و نوري السعيد، و عن طلبات قدمت من بعضهم للحصول علي و شراء اسلحة سوفيتية للتعرف عليها من قبل الامريكان لاحقا في اكبر عملية اختراق للاسلحة الروسية بواسطة عملاء من العرب، و عن ايصال صدام حسين الي الحكم و تجنيده في القاهرة، وعن اندونسيا علي سبيل الذكر لا الحصر.&

&

*دور السفراء و مصيدة المغفلين

و يتحدث الكاتب موضحا دور السفراء المبتعثين من امريكا و اللذين جل مهامهم التعاون التام مع المخابرات الامريكية و تنفيذ كل ما يطلب منهم و تسهيل مهماتهم التجسسية تحت الغطاء الدبلوماسي، باعتبار البعثات الدبلوماسية في مهمة استطلاع جاسوسية بالدرجة الاولي لنقل المعلومات عما يحدث في البلدان التي يذهبون اليها.

&و ظيفة الطاقم الدبلوماسي رصد رأي و تحركات الشارع و تحفيذه، و ان يقوموا بزيارة الاحياء و المناطق و الزوايا، وباختلاق مواقف تؤدي الي ردود افعال يستخلص منها معلومات ليتم تحليلها لاحقا في معاهد الرآي التابعه للمخابرات لمعرفة فكر المجتمعات و ليسهل التآثير عليها لاحقا و توجيهها، و قد يكون منها حسبما سمعت من احد الساسة ما حدث مؤخرا مثلا في الاردن من قبلات متبادلة و احضان بين السفيرة الامريكية في عمان و نائب اردني اشعلت مواقع التواصل و لكنها كانت كافية لجمع معلومات كاملة عن نوايا و توجهات النواب و الشارع الاردني من ردة الفعل، اي انها كانت مصيدة مخابراتية امريكية بامتياز من الدرجة الاولي ابتلعها ووقع فيها النآئب المحترم، صاحب الدعوة التي تمت بناءآ علي ترتيب من السفارة، و الذي طلب منه تواجد نواب اسلاميين و روؤساء وزارة و صحافيين و سمح بأخذ صور القبلات و الاحضان و سلام النائب الاسلامي علي السفيرة باليد، و نشرها علي مواقع التواصل.&

&

هذا ما يسمي في علم التخابر بمصيدة المغفليين حسب ما يورده الكاتب.

ليس السفارات فقط من تجسس، و انما استخدمت المخابرات الامريكية عملاء من المنتخبات الرياضية، من الصحافيين، من الوزراء، من المغنيين و غيرهم، كلهم حسب الكاتب نفذوا الي الجبهات التي ارسلوا اليها و حققوا ما طلب منهم من مهمات تجسسية، بدايتها كانت اقامه علاقات قويه و صداقات في المجتمعات المحلية، و في المقابل بعثات تم تقديمها لطلاب في الجامعات الامريكية تحت اشراف الدوائر المخابراتية حيث عادوا الي بلدانهم متولين مناصب وزارية سيادية، بعد ان جندوا بعض منهم لخدمة المخابرات الامريكية و دورها في المنطقة، اذن العمل يتم في الاتجاهين.

و يفهم مما ذكره الكاتب “تيم واينر”، و الذي يكتب عن المخابرات الامريكيه لاكثر من عشرين عاما، عن دور اخر لبعض من السفراء في دولةالابتعاث، الا و هو البحث عمن يمكن تجنيده لقلب نظام الحكم او تهديد الانظمة او دعم من يجند للوصول الي السلطة، و يطلب من السفير التعرف الي العشائر و الطوائف،و الي رجالات الجيش و الحكومة و كتابه التقارير عنهم للمخابرات.

و نعود للكتاب “اسطوره من الرماد “ و الكاتب “تيم واينر”، حيث يقول :عندما تآسست المخابرات الامريكيه كان الاساس الا تكون ذراع جاسوسية و انما معولماتية و لكنها تحولت الي الجاسوسية و قتل عملاء مزدوجين و محطات في دول عده تدير الحكام و الدول و تؤسس مخابرات محليه في دول مختلفة مرتبطة بالاب الروحي الا و هو رآس المخابرات الامريكية، و مثلما فعل مايكل كوبلاند من محطه مصر.

&

*كذب و فشل المخابرات الامريكية

&

&ولكن المخابرات الامريكية فشلت في معرفه متي ستقوم الحرب العالمية الثانية، كما فشلت في قضيه الاسلحة الكيماوية و الدمار الشامل في العراق، و لم تنجح في تجنيد عملاء روس حيث اغلب العملاء السوفييت كانوا ليس من ضباط المخابرات و لكن مخبرين او متعاملين مع الكي جي بي الروسية و تمت تصفيتهم و قتلهم من قبل وكالة الاستخبارات الروسية حيث تم اكتشافهم جميعا، و اضاف ان المخابرات الامريكية كانت دوما تكذب لأن قناعتها ان الرئيس، ايا كان، يريد ان يستمع الي ما يحب لا الي ما قد يحدث.

&و هنا ىؤكدالكاتب مجددا ان دور المخابرات هو الكذب المستمر علي الرؤساء، و هو ما يذكرني بمقال كتبته ونشرته عام ٢٠٠٧ في الصحافه الالكترونية ” عندما يكذب مستشارك عليك؟” تحدثت فيه عن انحناء سلم الاخلاقيات و الكذب علي الحاكم العربي بطعم الشوكولاتة و صدمه الصدق، و لكن الاغلبية من العرب لا تقراء، و من يقرآء بعضهم يخاف حتي من اكمال القرآءّة، في وقت قرب المنافقين و الكاذبين من الحاكم و استبعاد المفكرين و العلماء.

الي هنا اكتفي في الجزء الاول من مراجعتي للكتاب، الي ان يصدر قانون حماية الكتاب في عالم عربي يعتبر مجرد الاقتراب من اسوار دائرة المخابرات ممنوع، ان لم يكن جريمة و اشتباه، و لا اقول الكتابة عنها، أو عن فشل بعضها الذريع في المنطقة العربية.&

اكتفي لان الكتاب لم يترك مجالا الا ووصف مدير المخابرات الامريكيه الذي ترك منصبه، بانه ترك المنصب و دائرة المخابرات في حالةاسوء حالا مما تسلمها، وهو ما يذكرنا بمنصب بعض من روؤساء الوزرآء الاكارم في منطقتنا العربية التابعة في اجزآء منها لقرارات و سياسات المخابرات الامريكية التي يمجدونها في الوقت ابنائها ينتقدونها و يشرحونها و يوثقون فشلها. روؤساء حكومات خرجوا من الحكم و سلموا رئاسة الحكومة و الودلة في وضع اكثر سوءا و سوادا مما تسلموه ممن سبقهم.

&يكتب "تيم" و انا احسده علي مثلث حريات امريكية، دون ان يقدمه احد للنائب العام او يمنعه من التوظيف في جريدة او محطة فضائية، او ان يحارب في رزقة، علي العكس تهتم المخابرات الامريكية بالنقد و تستمع اليه و تستفيد منه، و تكتب كبريات الصحف الامريكية عنه بما فيها النيويورك تايمز و الذي قال مدير المخابرات لرئيسها يوم افتتاحها " انكم جزءا من المخابرات الامريكية و عليكم التعاون معنا ".

&و اقصد ان الكاتب "تيم واينر" لم يتعرض له موقعا الكترونيا تابعا للمخابرات و قام بشتمه و كتابه اكاذيب بحقه و تلفيق تهما له و لاهله و عائلته ووصفه بالعمالة و الخيانة لانه افصح عن حقائق تخص المخابرات الامريكية، و هذه ديمقراطية تحترم بعكس الاساليب الرخيصة التي نشاهد بعض منها في المنطقة العربية.

تلك الديمقراطية التي تسمح بنقد المخابرات الامريكيه و الاطلاع علي ملفاتها، و توصياتها و رآي مدرآئها علي مدار السنوات، هي نفس الديمقراطية التي جعلت مرشحّة الرئاسة الامريكية هيليري كلينتون تصرح ان امريكا من اطاحت بحكم الرئيس حسني مبارك في مصر من خلال مناظرتها علي الهواء، و انها تري الان في مصر حكما ديكتاتوريا انقلابيا عسكريا، و ان يرد عليها المرشح الجمهوري دونالد ترامب : هيليري انت كاذبة و في مناظرة اخري له يقول لها لقد اطاح بك اوباما "بذكورته". مما اشعل فتيل حرب كلامية بينهما في ديمقراطية يؤرخ لها. و في الحالتين الاعلام العربي و اجهزه كثيرة نائمة لا تقراء و لا تتابع.

هل بالامكان التصور ماذا يمكن ان يكتب عن المخابرات في الشرق الاوسط، اذا ما سمح بالديمقراطية الامريكية ان تسود و ينقل عنها؟. و هل بالامكان التصور مصير من يكتب؟

فكوا الحزام فقد انتهي الكلام، في الجزء الاول!

&