&
أدى غياب تجديد الفكر الديني وإعادة قراءة كتب التراث الإسلامي قراءة عصرية مسايرة لروح العصر والتفكير بعقول الأئمة الأربعة وحصر الإسلام في قرائتهم للإسلام وتحريم إعادة قراءة الخطاب القراني والتراثي للإسلام في العصر الحالي، إلى شيوع التطرف والإرهاب في الغرب. وساهم عدم ضبط الحقل الديني وهيكلته إلى شيوع الإسلام الراديكالي المشبع بالفكر الوهابي المتطرف الذي يعتبر المخالفين في الديانة كفارا يحل قتلهم والتقرب بدمهم إلى الله وعدهم مغضوب عليهم وضاليين.&
وإستغل الإسلام الوهابي عدم مراقبة ما يروج داخل مساجد وغرجات من غلو وتشدد، متجسد في خطب ودروس راديكالية تصف بلاد الغرب ببلاد الكفر والفسق وتنعت مواطنيه بحفدة القردة والخنازير، لنشر أفكاره المسمومة التي تعتبر الديانات الاخرى خاطئة وكتبها محرفة واتباعها مجرد مغضوب عليهم وضاليين. وان الحقيقة تملكها هي وحدها وانها هي الصحيحة وكل ماعداها باطل. فما المقصود بالحركة الوهابية؟وماهي أسس الفكر الذي بنيت عليه؟.&
الوهابية هي الصيغة المتشددة من الإسلام ، نشأت في العربية السعودية وروجت لها بقوة مما يغدي الإرهاب. وعنها يقول البرفسور برنارد هيكل مديرمعهد دراسات الشرق الأوسط المعاصر وشمال إفريقيا، في جامعة برينستون"راى بن عبد الوهاب ان المسلمين انحرفوا عن الرسالة الصحيحة للإسلام، وانخرطوا في ممارسات ضد العقيدة الصحيحة,كان محمد بن عبد الوهاب من معتنقي التراث السلفي. لقد كان مصلحا دينيا في أراضي شبه الجزيرة العربية ، و استطاع إنشاء حركة دينية انتهت بإنشاء الدولة السعودية، وفي النهاية إستطاع بن عبد الوهاب الاتصال بزعيم عائلة ال سعود عام1744، وكان لهذا التحالف بينهما اثار قوية ومستمرة، واعتقد بن عبد الوهاب أن هناك صورة نقية من الإسلام، إذا عاد الشخص إليها سيضمن ذلك له النجاة في الاخرة، ولكن في الحياة الدنيا أيضا فإن الله سيعطيه كل ما وعده به. جذور تنظيم الدولة تاتي من السلفية الجهادية، وهي تيار ديني قديم جدا في الإسلام، ويلتزم تماما بحرفية النصوص. ويكون اتباع هذا المذهب متشددون جدا ويدينون المسلمين الأخرين الذين لايشاركونهم الرأي. وهذا هو سبب قسوتهم في أعمال العنف، لأنهم يستطيعون تبرير هذه القسوة دينيا، الدولة السعودية الأولى ، التي تأسست على هذه العقيدة الوهابية، بدت تؤكد رسالته بسبب النجاح السياسي والعسكري، الذي حققته خلال القرنين18و19، وسيطرتها عبره على معظم شبه الجزيرة العربية، وبمجرد سقوط أي مدينة في قبضة الدولة السعودية كان محمد بن عبد الوهاب يعين فيها خطباء، يعلمون الناس منهجه في العقيدة. وكتب بن عبد الوهاب عددا من الكتب القصيرة التي أصبحت أساسا لتعليم مذهبه-وهي الكتب ذاتها التي تستخدمها داعش اليوم، لكن تنظيم الدولة يرى ان السعودية انحرفت عن المعتقدات الصحيحة لمحمد بن عبد الوهاب، وانهم هم الممثلون الحقيقيون للدعوة السلفية أو الوهابية". وعن الوهابية قال الكاتب الجزائري كمال داود في مقال له:الوهابية حركة راديكالية ظهرت خلال القرن الثامن عشر، تؤمن بفكرة إستعادة دولة الخلافة على صحراء، وكتاب مقدس، ومكانين مقدسين، مكة والمدينة. إنه تيار متزمت ولد من رحم المذابح وإراقة الدماء، ترجم اليوم إلى علاقة سريالية مع النساء، ومنع غير المسلمين من دخول الأراضي المقدسة، وقانون ديني صارم، وعلاقة مرضية مع الصورة والنحث وبالتالي مع الفن والجسد والعري والحرية. إن المملكة العربية السعودية"داعش"ناجح.&
ووصف معاملة الغرب للإرهاب ب "التناقض أو حالة إنكار" في ذات المقال الذي سلط فيه الضوء على العلاقة الإيديولوجية بين الحركة الوهابية والتنظيمات الجهادية، وأردف الكاتب ، حيث يصافح-الغرب- داعش السعودية التي وصفها ب"داعش"الأبيض، بينما يحارب"داعش" الأسود، مع أن إيديولوجية الأول هي التي أفرزت الثاني. "داعش" أسود، و"داعش" أبيض. الأول يذبح، ويقتل، ويرجم، ويقطع الأيدي، ويدمر التراث الإنساني، ويكره علم الاثار والنساء والدول غير الإسلامية. والثاني أنظف منه ويرتدي لباسا أفضل، ولكنه يفعل الشيء نفسه. إنهما على التوالي تنظيم" الدولة الإسلامية"والمملكة العربية السعودية. ويخلص الكاتب إلى أنه "سوف يقتل الجهاديون لكنهم سيولدون مرة أخرى بين الأجيال القادمة، وسيتزودن من الكتب نفسها".&
وترى الأستاذة مضاوي الرشيد التي تعمل أستاذا زائرا في معهد الشرق الأوسط، بكلية لندن للإقتصاد أن"الوهابية نسخة متشددة وغير متسامحة من الإسلام. فهي تقليد ديني محلي إنتشر(أو نشر)على نطاق العالم ولما ينضج بعد. ونرى الان انها يمكن ان تكون أسلوبا ثوريا، يلهم شخصا ما لإرتكاب أعمال وحشية باسم الإسلام، وحينما غزا الإتحاد السوفيتي السابق أفغانستان، إستغلت السعودية الفكر الوهابي لدفع الشباب للذهاب إلى أفغانستان، والجهاد ضد الكفار الروس، وإستفاد الفكر الوهابي من قدوم الإخوان المسلمين، الذين طردوا من دول مثل مصر وسوريا والعراق، في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، ورحبت بهم المملكة، وأصبح الكثير من هؤلاء دعاة دينين، ولذلك فإن الإندماج بين الفكر الوهابي والمهارات التنظيمية للحركات الإسلامية الأخرى أدى إلى بزوغ تيار جديد في السعودية، هو التيار الإسلامي والذي يشار إليه بالصحوة الإسلامية".&
تدفق الاموال على الغرب من السعودية وقطر وغيرهما لبناء المساجد تحولت منابرها لمنصات لقصف الغرب وتسفيه مبادئه وقيمه الإنسانية العالمية الحرة وأفكاره والدعاء عليه بالهلاك والويل والثبور، وجعل أمواله غنيمة للمسلمين وجعل نسائه سبايا للمجاهدين، في غفلة من سلطات الغرب التي تؤمن بحرية المعتقد، التي يكفر بها المتطرفون، أدى إلى إرتكاب غزوة باريس التي وصفها الراديكاليون ب"المباركة". ومن بين أسباب إنتشار هكذا فكرمتطرف، مفهوم الحاكمية عند أبي الأعلى المودودي و سيد قطب. فما المقصود بمفهوم الحاكمية عند الرجلين؟؟؟الجواب وراد في كتاب"الحركات والأحزاب الإسلامية وفهم الاخر"لصالح زهر الدين ، ونقتبس منه ما يلي:
&
مفهوم الحاكمية عند أبي الأعلى المودودي
لم يأت مصطلح «الحاكمية» في القرآن أو السنة، أو حتى المصادر الفقهية الأولى، لذا لم يكن له وجود بين مسلمي العرب قبل النصف الثاني من القرن العشرين، حيث يرجع ابتكاره إلى الداعية الباكستاني «أبي الأعلى المودودي»، أما «سيد قطب» فقام بتعريب أفكار الأول وتبنيها ونشرها في العالم العربي. فالمودودي هو الأب التاريخي لفكرة الحاكمية، بينما سيد قطب هو الأب الفكري لها.&
بيئة المودودي فرضت عليه حرباً شرسة ضد القومية الهندية، والدولة الديمقراطية والعلمانية، فالاستعمار والأغلبية الهندوسية وحملات التغريب التي تعمل على تذويب الشخصية الإسلامية في الهند، جعلت الرجل ينادي بالانفصال عن الهند وإقامة دولة إسلامية. فبدأ باستخدام مصطلحين متقابلين لا يتفقان هما. . «الجاهلية الجديدة» و»الحاكمية لله»، وأسس حركته المعروفة بالـ»الجماعة الإسلامية» عام 1941. ويرى . . «أن الدولة الإسلامية تقوم على أساس هو حاكمية الله الواحد الأحد، فالأمر والتشريع يختص به الله وحده، وليس لفرد أو أسرة أو طبقة أو شعب، أو حتى نوع بشري شيء من سلطة الأمر والتشريع … كما ليس لأحد ولو كان نبياً أن يأمر وينهى، من غير أن تكون له سلطة من الله».&
ومن هذه الحاكمية نجد. . حاكمية قانونية/التشريع، وهي لله وحده، والرسول ممثلها الأوحد، وأخرى سياسية لله أيضاً، إلا أن الأمة تنوب عنه في الخلافة. فهي في كل الأحوال ليست مطلقة، فجميع السلطات من البداية منزوعة من أيدي البشر، وسقف الديمقراطية تحده وترسم ملامحه حاكمية الله المطلقة.&
الجاهلية&
ووفق فكر المودودي فالمجتمعات التي لا تطبق الحاكمية الإلهية وتطبيقاتها على جميع الأنشطة الاجتماعية، هي مجتمعات جاهلية. وبالتالي ينفي المودودي الإسلام عن 99% من المسلمين. من دون أن يتطرق لمصطلح «التكفير» صراحة. كما يرفض ما يسمى بالحضارة الإسلامية، لأنها قامت في غير بلاد العرب، ولا دخل للإسلام فيها ــ ربما صدق الرجل في هذه العبارة من دون أن يقصد ــ وبالتالي … فدولة المودودي هي دولة معيارها العقيدة، وكل مَن يرتضي العيش فيها يجب أن يخضع لهذه العقيدة، وإلا تم اعتباره (آخر) ــ لا يعترف المودودي بالعرقية والقومية، والآخر هنا يُعامل كالذمّي، ولا يحق له تولي المناصب في الدولة ــ لاحظ أن الآخر في الغالب يعد مسلماً، لكن المودودي يحتسبه عند الله من الجاهليين ــ والبشر وفق المودودي إما أتباع الله أو أتباع الشيطان.&
&
الحاكمية عند سيد قطب
الحاكمية عند سيد قطب هي «أخص خصائص الألوهية»، كما أن الجاهلية هي «الاعتداء على سلطان الله في الأرض، وإسناد الحاكمية للبشر». وبالتالي «فالحُكم الذي مَرَدّ الأمر فيه للبشر (التصورات/الشرائع/القوانين/أنظمة الحُكم) بمعزل عن منهج الله، هو اعتداء على سلطان الله». كان لسجن سيد قطب في عهد عبد الناصر 1954/1964 أكبر الأثر على بلورة أفكاره التكفيرية، حتى وصل به الأمر ونفى عن الأمة المصرية الصفة الإسلامية، وقام بتكفيرها.&
&
من تكفير الدولة إلى تكفير الأمة
لم يتوقف سيد قطب كما المودودي عند تجهيل الدولة، بل امتد به الأمر إلى تجهيل وتكفير الأمة كلها، فيقول «يرفض الإسلام بإسلامية هذه المجتمعات. . وإن صلّت وصامت وحجت البيت الحرام، ولو أقرّت بوجود الله . . فليس الناس مسلمين ــ كما يدّعون ــ وهم يحيون حياة الجاهلية. . والدعوة اليوم إنما تقوم لترد هؤلاء الجاهليين إلى الإسلام». فالمجتمع يكون مسلماً بمقدار خضوعه للحاكمية، وإن فعلوا غير ذلك فهي الجاهلية، ويصبح المجتمع دار حرب وكُفر، بغض النظر عن الدين الذي يعتنقه أفراده.&
&
دعوة اللاعقل
نختتم مناقشة مفهوم الحاكمية بعبارات للمفكر الراحل جمال البنا، إذ يعلق على هذا المصطلح قائلاً «لم أجد في كتاب معالم في الطريق بأسره إشارة واحدة إلى العقل . . وهي سمة يتسم بها دعاة الحاكمية الإلهية. . ولو انتصرت دعوة سيد قطب لأوجدت أسوأ الطغاة الذين يفرضون ضيق الأفق والغباء والتعصب واللاعقل على الناس جميعاً".&
الإستبداد العسكري والفردي وحكم التيوقراط و إستغلال الدين من أجل شرعنة الإستبداد والقمع ونهب المال العام بدعوى الحاكم بأمر الله أو خليفة الله في الأرض ونشر الخرافة وتصدير الفكر المتطرف الهدام، إلى الغرب وإستغلال الحريات بالعالم الحر، عوامل ساهمت في شيوع الفكر الراديكالي الذي يهدد قيم الإنسانية وأسس العالم الحر ,وإن لم يجابه بتجديد الخطاب الديني ونشر قيم الحريات وحقوق الإنسان وحرية الضمير والمعتقد في الدول الديكتاتورية، فإن العالم سيصير تحت رحمة الإرهابيين يوما ما، وسيدمر العالم باسم نشر الفكر الراديكالي المتطرف الغارق في الجمود والتخلف الذي يدعي أنه الصواب وغيره باطل باطل باطل ، وسيدمر الحضارة الغربية وقيم الإنسانية المثلى.&
المغرب
&