بعد ردّ حزب الله على عملية القنيطرة التي راح ضحيتَها عددٌ من كوادره، وجنرال إيراني في الحرس الثوري، بإيقاعه قتلى وجرحى في صفوف الجيش الإسرائيلي، وبعد خطاب الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله الذي حاول استثمار العمليّة الناجحة، والتي تجنّبت، كما يبدو، ردّةَ فعل إسرائيلية ضارّة بلبنان، فإنّ زخما إضافيا توفّر لإيران التي حرصت على مزيدٍ من الالتحام مع حزب الله على الأرض السورية، كما في عملية الاستهداف الإسرائيلية التي امتزجت فيها الدماءُ اللبنانية من حزب الله مع الإيرانية، ودلّل على وثاقة الالتحام& حضورُ رئيس لجنة الأمن والخارجية في مجلس الشورى الإيراني، علاء الدين بروجردي، خطابَ نصر الله؛ ليكون الانتصارُ الجزئي، أو ردّة الاعتبار تتويجاً لهذا التلاحم.

تحدّث& نصر الله عن إسقاط قواعد الاشتباك، وألمح إلى أنَّ الردود قد تخرج عن لبنان وسورية، كما كان توّعد في لقائه مع قناة الميادين منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي، بأنّ المقاومة ستردُّ على أي عدوان إسرائيلي جديد ليس بالدخول إلى الجليل فقط، وإنما إلى ما بعد الجليل، وأنَّ المقاومة في لبنان لديها كلُّ أنواع الأسلحة وما يخطر، أو لا يخطر على بال العدو.

هذا النّفَس التصعيدي، مع أنه لم تتوفر قرائن كافية على كون حزب الله معنيّا بفتح معركة مع إسرائيل، إلا أنه كان مفيدا؛ لأهداف الردع، وضروريا كذلك؛ لاستبقاء صورة المقاومة التي خفتت عن حزب الله، بعد تورّطه في الحرب السورية الداخلية.
ولا شك أنه محتاج إليه، كذلك، لرفع الروح المعنوية، وتلبية التطلعات والتوقعات في قواعده وحواضنه عن حزب الله المقاوم لإسرائيل.
ولكن حزب الله، بعد قتل إسرائيل لكوادره، والجنرال الإيراني في القنيطرة، وبعد ردّه المنضبط، حرص على لسان نصر الله، على الاحتواء، وأكّد أنه لا يريد الحرب.

واللافت في خطاب نصر هو اتهام «جبهة النصرة» بالقرب من إسرائيل، وأنّ الاسرائيليين يقومون برعاية وجود الجبهة، وتغطيته جويا، وفتح المستشفيات لجرحاها. وهي تهمة تتناقض، في اتجاهها، مع وصف التكفيريين الذي يتوخّى التقرّب من الخطاب العالمي الغربي والأمريكي المُنصبّ على محاربة الإرهاب، وهو الأمر الذي يجري عمليا في العراق، وفي سورية وفي اليمن؛ حيث تتقاطع واشنطن بالتحالف الدولي الذي تقوده مع الدولة في العراق، وفي سورية، ومع الحوثيين الذين يسيطرون على مفاصل الدولة في اليمن.
وهنا يجري ضرب «القاعدة» ومشتقاتها، وهي العقبة المنظَّمة قتاليا، ضد التوسع الإيراني، بالصفة المقاومة التي يصقلها حزبُ الله، بتظهير الدور الإيراني فيها ليس في مع حزب الله فقط، ولكن مع حماس، وكذلك الجهاد الإسلامي الذي لم تتأثر علاقته، بإيران وسورية، كما حماس.

من الواضح أنَّ الساحة الإقليمية قد انفتحت أمام إيران، ولم يعُد بالإمكان عزل تقاطعاتها وتداعياتها؛ فأصداءُ الصراع في سورية تتجاوبُ في اليمن، وحزب الله رأس حربة، وشعارات «الموت لأمريكا» و«الموت لإسرائيل» لا تتردد في اليمن بلا هدف، إنها تنعطف ويجب أن تتعالق مع الدور الإيراني، ويجب أن تتوهج إيران كدولةٍ، أو كالدولةِ القادرة على لجم إسرائيل، أو تهديدها جديا.

فإلى أي مدى يمكن لهذه المواجهة أن تذهب؟
قال حسن نصر الله إنه لا يريد الحرب، مع إسرائيل، ولكنه لا يخشاها، ومعنى ذلك أنّ خطابه وخطاب إيران تُجاه إسرائيل لم يطرأ عليه، فعليا، تغييرٌ يصلُ إلى البدء باستراتيجيةِ المواجهة الشاملة، أو حتى المبادرة إلى تلك المواجهة التي تتخطى الخطوط الحُمر عن إسرائيل الدولة والكيان، وإن كان مسؤولون إيرانيون تحدّثوا عن ضرورة تسليح الضفة الغربية. وإن كانت العلاقات بين حماس وطهران شهدت تحسنا ملحوظا، وتوالت الرسائل المتبادلة الدالّة على هذا التحسُّن من زيارة الوفد القيادي من حماس إلى طهران، والإعداد لزيارة رئيس المكتب السياسي، خالد مشعل، إلى كلمات الشكر التي وجهتها كتائب القسام إلى طهران؛ مقابل دعمها لها بالسلاح والعُدّة.
وإن التمدد الإقليمي الإيراني بقدر ما يحتاج إلى إسرائيل المُحَجَّمة، ولكنه يتضرر، أو لا يفيده، إسرائيلُ المحارِبة حربا طويلة، أو واسعة النطاق.
فحزب الله الذي يتعرّف بكونه كيان المقاومة الأشد، والأكثر نِدّيّة، خفتت صفتُه تلك بعد توقفه عمليا عن المقاومة، بعد، 2006م وجرّاء انخراطه الطائفي في الدفاع عن نظام الأسد. وفي الظاهر أنه كان مدفوعا بالحاجة إلى تبديد الأوهام عن ضعف قدراته القتالية، بعد توالي خسائره على الجبهات السورية، لكنه مع ذلك كان يستعيد، أو يحاول أن يستعيد تلك الصورة التي حققت له شعبيةً واسعة في العالم العربي والإسلامي، كذلك أتى في سياق هذه المقابلة على ذكر حماس، وقال بأنّ «حماس» على مستوى قيادتها المركزية في الداخل والخارج اتخذت قرار إعادة ترتيب العلاقة من جديد مع الجمهورية الاسلامية وحزب الله، ولم يتوقف عند هذا الحدّ، بل ألمح إلى أنّ المنتظر هو عودة حماس إلى علاقاتها السابقة مع سورية بوصفها جزءاً من محور المقاومة.
ولا يخفى أنّ لحماس ببعدها الفلسطيني المهم، وببعدها السّني، تمنح إيران غطاء ضروريا في هذه المرحلة الحرجة من توسُّعها.
&فإيران تواجه صعوباتٍ حقيقيةً لدورها الطموح إقليميا، ربما تخشى أن تُستنزَف، كلما توسعت، ولا سيما مع بروز العقبة الطائفية السُّنية؛ ردّا على التوظيف الإيراني الواضح للبعد الطائفي في مناطق نفوذها في العراق، وفي سورية ولبنان، وأخير في& اليمن، فشعور إيران بثقل المتطلبات، وقصور أدواتها، وليست الاقتصادية فقط، بل الذي لا يقلّ أهمية، وهو القبول الشعبي، ولدى النخب الثقافية والسياسية، من شأنه أن يدفعها إلى استفراغ طاقتها، في تثوير العداء لإسرائيل؛ ليطغى هذا البعدُ الأرحب والمشترك، أو لِيَحُدَّ من التناقضات المثارة عن طائفية إيران وطموحاتها القومية التوسعية؛ فهل تكون فلسطين جواز عبور إيران إلى الهيمنة الإقليمية؟&
&