1

استضافتني احدى الفضائيات الاسلامية البارحة لمناقشة مسألة (حرق الانسان في الاسلام) مع شيخين اسلاميين احدهم شيعي و الاخر سني، و قد استغربت لهذه الاستضافة لاني لست عالما دينيا و لا فقيها اسلاميا و معلوماتي ليست بالكثيرة الوفيرة عن الدين الاسلامي ودهاليزه، اعتذرت في البداية لكن رجعت و وافقت لان كلام معد البرنامج الذي اتصل بي استفزني حيث اعتبر عدم موافقتي هروبا مني و عدم قدرتي للدفاع عن المقالة التي نشرتها في ايلاف قبل ايام و الموسومة (هل حرق معاذ الكساسبة جائز في الاسلام؟)... عرضت فيها بعجالة جواز حرق الانسان في الاسلام.

لا اخفيك صديقي القارئ اني ظلمت في البرنامج و لم اخذ وقتي في الحديث خصوصا اني كنت مشاركا عبر الهاتف، بعكس الشيخين المتواجدين في استديو القناة كان لهما حرية اكثر في الكلام، و مع الاسف فقد غبنت ايضا في مقاطعتهما المستمرة لي و كان مقدم البرنامج رضي الله عنه و عنهما مشاركا في التشويش على حديثي. الشيخان نفيا و بشدة تواجد نصوص دينية في اي كتاب اسلامي معتبر عند الشيعة كان ام عند السنة يتواجد فيه دليل او قيام احد الصحابة الكبار بحرق اي شخص مسلم كان أم كافراً أو من اهل الكتاب.

&ذكرت لهم فتاوى علماء الدين من الاحناف و الشافعية و فتوى ابن تيمية، لكنهما رفضا هذه الادلة جميعا بحجة ان الدين لا يؤخذ من هؤلاء بل من كتب الحديث الصريحة و الصحيحة، و قد اضحكوني كثيرا بكلامهم هذا ( الشافعي و ابو حنيفة و ابن تيمية لا يؤخذ منهم دين)... تأمل صديقي القارئ هؤلاء الشيوخ مستعدون لالغاء كل شيء و تسفيه كبار ائمة الاسلام فقط كي ينقذوا انفسهم من الاحراج و التهمة... جدير بالذكر اني سردت لهم قصة سيف الله المسلول خالد ابن الوليد و كيفية حرقه لراس مالك بن نويرة مستعملا اياه (الرأس) وقودا لطهي الطعام، لكن مقدم البرنامج الذي كان ينتظر ان يتم افحامي من قبل الشيخين و اني ساكون عاجزا عن مجاراتهما شوش على كلامي و طرح سؤال اخر لتدارك الاحراج الذي لحق الشيخين الفاضلين رضي الله عنهما.

سالت الشيخين ما رايكم في علي ابن ابي طالب. هل يبدر منه حرق المخالفين له او اي فعل ارهابي؟ جاءت اجابتهما بالنفي, و بتأكيد مطلق قال الشيخ السني (علي خليفة راشد و هو من العشرة المبشرين بالجنة و من سابع المستحيلات ان يقوم بحرق نملة فما بالك انسان حتى لو كان مشركا ) و قد وافقه الشيخ الشيعي و زاد في الوصف و الثناء على علي ابن ابي طالب.

هممت ان اعرض عليهما احاديث في البخاري تثبت و تؤكد ان علي ابن ابي طالب قام باحراق بعض الاشخاص الذين ادعوا الوهيته، لكن مقدم البرنامج و كما هو معتاد في كاقة الفضائيات العربية قاطعني بحجة انتهاء الوقت و اعلن عن نهاية البرنامج و اعطى المجال للكلمة الاخيرة للشيخين الذين نصحاني بالعودة الى الله و التوبة و الابتعاد عن الشيطان اللعين الرجيم.

&

2

اعرض هنا ما لم ادرك قوله في البرنامج و هما حديثين في موضعين مختلفين من كتاب صحيح البخاري، و هو اصح و اصدق كتاب بعد القران عند المسلمين.

الأول : رواه البخاري عن عكرمة في حديث رقم ( 2854 ) – : أنَّ عليًّا حرَّق قوماً، فبلغ ابنَ عباس فقال : لو كنتُ أنا لم أحرِّقهم ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال ( لا تُعذِّبوا بعذاب الله ) ولَقَتَلتُهم كما قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : ( مَن بدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ ).

والثاني : عن عكرمة ايضا في حديث رقم ( 6524 ) - قال : أُتي عليٌّ بزنادقة فأحرقهم، فبلغ ذلك ابنَ عباس فقال : لو كنت أنا لم أحرِّقهم ؛ لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لاَ تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ الله ) ولَقتَلتُهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ ).

و ربما يأتي البعض و يقول ان هذين الحديثين يطعن فيهما لان عكرمة رواهما و قد كان من اهل البدعه، ردا على هذا الطرح اتي بكلام الحافظ ابن حجر و هو من كبار اعلام الامة الاسلامية في الماضي و الحاضر و قد قال عن عكرمة : " فأمَّا البدعة : فإن ثبتت عليه : فلا تضرُّ حديثَه ؛ لأنَّه لم يكن داعيةً، مع أنَّها لم تثبت عليه " / " فتح الباري شرح صحيح البخاري " ( 1 / 425 ).

ملخص قصة حرق علي للاشخاص الذين ادعوا الوهيته كما رواها ابن حجر في كتاب فتح الباري شرح صحيح البخاري (المجلد 12 الصفحة 270 ) هي :

&قيل لعلي : إنَّ هنا قوماً على باب المسجد يدَّعون أنَّك ربُّهم ! فدعاهم فقال لهم : ويلكم ما تقولون؟! قالوا : أنت ربُّنا وخالقُنا ورازقنا ! فقال : ويلكم ! إنَّما أنا عبدٌ مثلُكم آكلُ الطعامَ كما تأكلون وأشرب كما تشربون إن أطعتُ اللهَ أثابَنِي إن شاء، وإن عصيتُه خشيتُ أن يُعذِّبَني فاتَّقوا الله وارجعوا، فأبَوا، فلمَّا كان الغد غدوا عليه، فجاء قنبر فقال : قد - والله - رجعوا يقولون ذلك الكلام، فقال : أدخِلهم، فقالوا كذلك، فلمَّا كان الثالث قال : لئن قلتُم ذلك لأقتلنَّكم بأخبث قتلة، فأبوا إلاَّ ذلك، فقال : يا قنبر ! ائتني بفعلة معهم مرورهم، فخدَّ لهم أخدوداً بين باب المسجد والقصر، وقال : احفروا فأبعدوا في الأرض، وجاء بالحطب فطرحه بالنار في الأخدود، وقال : إنِّي طارحُكم فيها أو ترجعوا، فأبوا أن يرجعوا، فقذف بهم فيها حتى إذا احترقوا قال:&إنِّي إذا رأيت أمراً منكرا *** أوقدتُ ناري ودعوتُ قنبرا (انتهى كلام ابن حجر ).

و القوم الذين ادعوا الوهية علي ابن ابي طالب يسمون بالسبئيين نسبة ل(عبد الله ابن سبأ) الذي نشر قول ان الله تجسد في علي ابن ابي طالب كما تزعم بعض كتب التاريخ الاسلامي.

&

3

كما ذكرت في مقالي السابق اكرر هنا ايضا ليس المقصود بسطور ما اكتبه أساءة للاسلام او اهانة له او حث الناس على تركه بل هو من اجل مراجعة الكتب التي تتناول الله و النبي محمد و الصحابة التابعين له.

&ازعم هناك خيارين لا ثالث لهما:

الاول : ان يتم تنقيح هذه الكتب و تهذيبها و ابقاء المفيد بها و تربية الاطفال و الاجيال القادمة على هذا الزبدة المفيدة و تبرأت النبي محمد و الصحابة من الافعال القبيحة العوراء.

&الثاني : غض الطرف عنها و ابقائها كما هي و الاستمرار في الانكار و الكذب على الناس بان الاسلام و النبي محمد و الصحابة رحماء بعيدون عن اي فعل يهين الانسان و الانسانية، و بهذا تنشأ اجيال ملحدة جاحدة مستهينة بالاسلام و القران و الاحاديث النبوية. تعتبر النبي محمد ارهابي و صحابته مجرمون.

مع الاسف لا يريد شيوخ الاسلام ان يدركوا حقيقة ان العصر الذي نعيشه كل شيء فيه مكشوف و بكبسة زر يستطيع اي انسان بالغ ان يجد اي حقيقة يريدها، هناك حقائق لم تكشف و لم يتم تداولها في العصور الغابرة بسبب قلة الكتب و قلة تداول المعرفة و اقتصار المعلومات الدينية و تحليلها و تفسيرها على رجال دين محددين، هذه العصور ولت و لن ترجع ابدا، نحن الان في عصر ما لم تره اعين الصحابة و التابعين... و الغريب العجيب ان شيوخ عصرنا يقلدون الصحابة في هذا ايضا يعمون ابصارهم و لا يريدون الرؤية.

&

[email protected]